الدكتور ظفر الإسلام خان ورحلة حياته العلمية والثقافية

الدكتور ظفر الإسلام خان نجل العالم والمفكر الإسلامي الكبير الشيخ وحيد الدين خان، ويحظى مثل والده العظيم باحترام كبير في مجالات العلم والبحث والصحافة، ولكنه لم يستخدم مكانة والده العلمية وشهرته التي طبقت الآفاق لكسب هذا الاحترام، كما يفعله بعض الناس، وإنما صنع نفسه بنفسه، واختار طريقه الخاص ونهجه المتفرد ليبنى لنفسه شخصية مستقلة، وبذل جهودا مضنية في استكشاف آفاق جديدة والوصول إلى مرتفعات عالية وشامخة.

من هو ظفر الإسلام خان؟

فهو صحافي شهير وكاتب قدير ومثقف بارز، له مساهمات جليلة في مجال التأليف والترجمة والنشر والصحافة العربية والأردية والإنجليزية في الهند وخارجها. ولد السيد ظفر الإسلام خان عام 1948م في بيت علمٍ وتقوى بمدينة أعظم گره بشمال الهِند، وتلقى تعليمه المبكِّر في إحدى مدارسها التقليدية (مدرسة الإصلاح) ثم التحق بدار العلوم ندوة العلماء في مدينة لكناو حتى حصل على شهادة العالمية عام 1966م. قبل أن يقصِد القاهرة للدراسة في جامعة الأزهر، ثم للحصول على الماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1978م، وبعد ذلك رحل إلى بريطانيا لنيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة مانشستر عام1987م.

حياته

وساهمت رحلة الطلب التي دامت حوالي عشرين عامًا خارج حدود شبه القارة الهندية، في تشكيل مزاجه العلمي وبناء شخصيته وتعيين أولوياته في الحياة، إذ شَهِد كل اللحظات المفصلية والحرِجة في تاريخ الحركة الإسلامية خلال هذين العقدين.وفي أثناء ذلك تعدَّدت خبراته وتنوَّعَت الوظائف التي شغلها. فهو تارة مذيع ومترجم للنشرة الأُردية بالإذاعة المصرية (1972-73م)، وتارة مُترجمٌ في الخارجية الليبية (1973-79م)، وتارة أستاذ زائر بجامعة الإمام بالرياض (1992م)، وتارة محاضر في الجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي (1991م). وبعد استقراره في الهند مطلع التسعينيات أسس معهد الدراسات الإسلامية والعربية، وترأس تحرير مجلته العلمية باسم “وجهات نظر إسلامية وعربية” (Muslim & Arab Perspectives) منذ عام 1993م، ومجلة التاريخ الإسلامي (Journal of Islamic History) التي يُصدِرها في نيودلهي منذ 1995م باللغتين العربية والإنكليزية.

أعماله

وكذالك ساهم الدكتور خان بعدَّة مقالات في دائرة المعارف الإسلامية، التي تصدُر في ليدن بهولندا؛ عن تاريخ الإسلام وأعلامه في شبه القارة الهندية. وقد ألف وترجم نحوًا من خمسين كتابًا باللغات العربية والإنكليزية والأردية، ونشرت كتبه في القاهرة ونيودلهي ولندن وبيروت والكويت. ومن كتبه الإنكليزية المشتهِرة: الهجرة في الإسلام (نيودلهي 1996م) والوثائق الفلسطينية (نيودلهي 1998م).

عمِل كمترجم

و بالنسبة لمساهمته في مجال الترجمة إلى العربية فقد قام بترجمة أهم الكتب التي ألفها والده حول الموضوعات المختلفة ومنها: “مذهب اور جديد جيلينج” عنوانه بالعربية “الإسلام يتحدى” وهذا الكتاب قد ظهرت له عدة طبعات في العالم العربي. وكتاب مهم آخر وهو “تجديد دين” وعنوانه بالعربية “تجديد علوم الدين”. وكتاب ثالث وهو “مذهب اور سائنس” يعرف هذا الكتاب بالعربية باسم “الدين في مواجهة العلم” ولهذا الكتاب ظهرت عدة طبعات أيضاً.

مراسل للصُحف والقنوات التلفزيونية

وهو ضيفٌ شبه دائم على عدَّة منابر إعلامية، منها قنوات الجزيرة وبي بي سي والعربية؛ للتعليق على شؤون المسلمين في جنوب آسيا. وبالإضافة إلى ذلك حرر عدَّة مجلات ودوريات علمية وثقافية، وعَمِل مُراسلًا لصحف عديدة منها الحياة اللندنية (1992-1993م) وعرب نيوز في جدة (1994-1998م) وصحيفة الرياض (1999-2006م)، إضافة إلى رئاسته وعضويته عددًا من المحافل الإسلامية والمؤسسات الخيرية في شبه القارة.

كما أنه أسس جريدة ملّي غازيت

كما أنه أسس جريدة ملّي غازيت -الناطقة بالإنكليزية- في ديسمبر 2000م، لتكون لسان حال مائتي مليون مسلم يعيشون داخل جمهورية الهند. وبعد أن بدأت طبعتها الورقية بالصدور في 16 صفحة فقط، زادت إلى 32 صفحة تُطبع بالألوان ابتداءً من 2009م. لكنها في عام 2012م اضطرت إلى تخفيض عدد صفحاتها إلى 24 فحسب، للحد من خسائرها.

وقد كانت أعدادها الورقية تصل مُهداةً إلى المثقفين والأكاديميين والنشطاء والإعلاميين (الإسلاميين منهم على وجه الخصوص) في مصر وشتى أنحاء العالم العربي، رغم الصعوبات التي كانت تُعانيها في الصدور. إذ ارتبط الدكتور ظفر الإسلام بمصر والعرب ارتباطًا عاطفيًا وثيقًا مُنذ تلقَّى تعليمه العالي بالقاهرة أواخر ستينيات القرن العشرين.

إلى ماذا كان يطمح الدكتور خان؟

كان الدكتور خان يطمح في أن يصِل صوت مُسلمي الهند عبر جريدته إلى الملايين خارج شبه القارة، خصوصًا وأن أخبار مُسلمي الهند وأحوالهم يتم تجاهُلها عمدًا من كل صُحف شبه القارة الناطِقة بالإنكليزية أو الهندية، فلا تُنشَر إلا في الصُحف الناطِقة بالأردية، والمحدودة الانتشار بطبيعتها. لكن ما كان بوسع هذا العمل الطموح الاستمرار طويلًا بغير موارِد، خصوصًا وقد عَدِم الدعم الداخلي من مسلمي الهند لهذه الصحيفة الجريئة، والتي مثَّلَت لسان حال المستضعفين، بل تجاوزت اهتماماتها نطاق شبه القارة وصولًا إلى تبني القضية الفلسطينية، ومحاولة تعرية مزاعِم الغرب بالحرب على الإرهاب.

وهو اﻵن يرأس جمعية “شاريتي أليانس” ( (Charity Alliance الخيرية الهندية، والتي تعمل للنهوض بأوضاع مسلمي الهند، وخصوصًا في مجال مساعدتهم على مواصلة التعليم، وتوفير الدعم لهم في مواجهة الارتداد عن الإسلام في الأقاليم التي تنشط فيها جمعيات التنصير والهندكة. وبسبب حجم نشاطاته واهتماماته الإسلامية داخل شبه القارة الهندية؛ فقد اختير في يناير 2004م أمينًا عامًا لمجلس المشاورة الإسلامي لعموم الهند، والذي يُمثِّل اتحادًا للمنظمات والجمعيات والأحزاب الإسلامية في جمهورية الهند. ثم انتُخِبَ رئيسًا للمجلس (2008–2009م)، ثم عُين رئيسًا له بالنيابة خلال عام 2011م، ثم انتخب مرة أخرى رئيسًا للمجلس (2012–2013م)، وتكرر انتخابه للرئاسة في 2014- 2015م. وهو أيضا رئيس لجنة الأقليات في ولاية دلهي (هيئة دستورية) من يوليو 2017م.

اتهامه بإثارة الفتنة

في 28 أبريل 2020، نشر الدكتور ظفر الإسلام خان تدوينة عبر صفحته على الفيسبوك عبر فيها عن شكره لدولة الكويت لوقوفها إلى جانب مسلمي الهند وانتباهها إلى ما يتعرضون له من اضطهاد، وقال فيها “يعتقد الهندوس المتشددون أن العالم العربي لن يهتم بما يعانيه المسلمون في الهند من اضطهاد.

إنهم نسوا أن المسلمين الهنود يتمتعون بمكانة كبيرة في العالم العربي وبين مسلمي العالم أجمع، لدورهم في خدمة القضايا الإسلامية على مر العقود”، مشيرا إلى أن الشخصيات الإسلامية الهندية من أمثال ولي الله الدهلوي ومحمد إقبال وأبو الحسن الندوي وذاكر نايك تحظى باحترام كبير في العالم العربي والإسلامي”. وخاطب الهندوس المتطرفين قائلا “أيها المتعصبون، اختار المسلمون الهنود حتى الآن عدم تقديم شكوى للعرب والعالم الإسلامي حول ما يعانونه من حملات كراهية وحالات قتل وإعدام وأعمال شغب”. وأكد أنه في حالة اضطرار مسلمي الهند لتقديم شكوى للعالم الإسلامي، سينهار المتعصبون الهندوس.

أثار المتشددون الهندوس جدلا كبيرا حول هذه التدوينة التي نشرها الدكتور ظفر الإسلام خان، واتهموه بتحريض دول أجنبية على محاربة الهند مطالبين باعتقاله وزجّه في السجن، ووجهت الشرطة رسميا تهم انتهاك الدستور وإثارة الفتنة إلى الدكتور خان، وقامت بمداهمة منزله في نيودلهي بتاريخ 6 مايو قبيل موعد الإفطار لتأخذه إلى مقر الشرطة لاستجوابه، وأيضا للاستيلاء على حاسبه الآلي وهاتفه المحمول الذي استخدمه لنشر ما كتبه على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن الشرطة فشلت في مرامها بسبب تجمع المسلمين المحليين بأعداد كبيرة واحتجاجهم على مداهمة الشرطة لمنزل شخصية محترمة تتولى منصبا دستوريا دون إشعار مسبق.

وتدخل النائب المحلي المسلم أمانة الله خان الذي يمثل المنطقة في مجلس دلهي التشريعي، وأيضا استدلال محامية الدكتور خان بأن الأنظمة المعمول بها لا تسمح للشرطة بإرغامه على الذهاب إلى مقر الشرطة أو أي مكان آخر غير منزله نظرا لعمره البالغ 72 عاما ومخاطر احتمال الإصابة بفيروس كورونا المستجد. وهناك أيضا دعوى رُفعت ضده أمام محكمة دلهي العليا للمطالبة بعزله من منصبه الدستوري كرئيس للجنة الأقليات بدعوى مخالفته للدستور من خلال دعوته لدول أجنبية للتدخل في شؤون الهند الداخلية.أدعو الله –عزوجل- أن يبارك في حياة الدكتور ظفر الإسلام خان ويحفظه عن الشرور والفتن في هذا الشهر المبارك.

فيديو مقال الدكتور ظفر الإسلام خان ورحلة حياته العلمية والثقافية

أضف تعليقك هنا