لما قضايا العلوم أَولى بالحسم لديَّ كمسلم؟!

لعلك تلحظ في العلوم الحديثة، أنَّ هناك أطروحات تناقش نشأة الكون وتَشَّكُل الأرض وتَحَوُلِهَا من عالم معدني ميت إلى عالم عضوي حي، وثم ظهور الحياة في أطوارها البدائية(الجزيئات ثم أشباه الفيروسات والفيروسات وصولا إلى الخلية الحية), وتطور الكائنات الحية وصولا إلى تكامل التعقيد للدماغ البشري وبزوغ الوعي لدى البشر ونشأة اللغة وظهور الفن والثقافات والأديان والروحانيات ثم الحضارات والإمبراطوريات ثم الدول القائمة. (المشترك المقاصدي بين العلوم الإسلامية والمعارف الإنسانية). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم إسلام).

لماذا العلوم تبحث في الكون وتترك النظر في المسائل الدينية؟

وتُصَّوِغُ في الغالب لهذا كله، بآراء تزدري النظرة الدينية إلى هذه المسائل. وهذه القضايا هي في واقع الأمر قضايا محورية في مَفْرَزَةِ العلوم للفكر الإنساني المعاصر وجوهرية للغاية في تقرير المَصَابِ في أنّى المناهج المعرفية اعتمادا بالدقة الملزمة. هذا يعني بأنها تتدخل بآليات فاعلة للقطع في المحاور الثلاثة(الكون، الحياة، الإنسان) التي يُعنى بها القرآن ومن عَقْبِهِ الإسلام كُلًّا تَالٍ ما يتحتم من تسليمٍ بها في عقيدة المسلم.

أين دور المسلم في الدفاع عن دينه؟

فأين المسلم اليوم من هذا جُلِّهِ؟!..شغلته الآلة الإعلامية بواقعٍ مضلل صِرفًا، فغدا يصارع الوهم بعاطفة صادقة، ويصنف ذاته من فصيلِ ويعرفها كنقيض لآخر، فخاض غمار الأيديولوجيات والتحزبات السياسية وتعقيدات بنية الواقع التي تصنعها أحداث عابرة لو أوهى من إلقاء الاهتمام بها أو إظفاء الإلمام لها لعَفَى دُونَ أن يصنع منها واقعًا متفارضا، ولوفر على نفسه وعلى الإسلام واقعا يستحق أن يُعاش غير هذا الذي نحياه في ربوع معمورتنا الإسلامية.

هل أُمّتنا الإسلامية منشغلة عن دينها؟

والناتج، -ويال الأسى- في المحصلة الإجمالية، أنّ أمتنا منشغلة عن المعالي التي يُحبذها الإسلام ويرتضيها للمؤمن الغيور على دينه..لا أوقر هاهنا الانعزال عن عالم السياسة أو الأحداث، فهناك درجة من الانشغال بها مبررة ومطلوبة، لكن أن يتحول هذا الانشغال إلى هوس وتعيين مصير، فهنا المازم!، وهو يُدْلِي بإسلام المرء إلى ما دون إسلامه بكثير، فهو يصنعُ شأنًا عاما ليس مرضيا له في بلاد الإسلام أن يَكون. فهناك الأَوْلَى والأجْدَى والأرْبَى في المردود..

الذين يسترجعون بالغرب على طبيعية هذه الحالة، لا يُدركون بأنّ أمة الإسلام أجّل وأعظم، فإن كان من المعروف أنّ المجتمع الأمريكي مثلا يَعرف عن حياة ممثلي هوولود أكثر مِن ما يَعرف عن واقع اقتصاده ومَبْعَدَةَ ما وصلت إليه العلوم في قومه، فإن هكذا تَلَّهٍ وتسَّهٍ ليس بالمقبول لجمهور الأمة الإسلامية، وليس لها أن تُقلده في ذلك.

و ثم، لمَّا احتكمنا إلى طبيعة الأمر الفارضة، ونَفَرَ من هذه الأمة جمعٌ ليقدم في ما يُقارب هذه الأطروحات طرحٌ مماثل أو متماثل، واجهته تحديات مَهُولَة، ترتبط إلى حد بعيد بمعتقداتٍ غاية في التوكيد من لدن المأثورات للأمة ولَيَكادُ الفرد من أهل التقليد أن ينتزعها بِإسلامه كله، وليس من السهل تجاوزها بحسم أو حزم، وإن كابد البعض أن يفعل لحقته التهم والتوسيماتُ بالعمالة والزندقة والإلحاد والكفر..حتى تعّقد من نفسه وأسلم.

ما هو الغرض من الطرح الإيماني في قضايا العلوم؟

والحقيقة المنغصة لمراح المؤمن, تكمن في كون النسبة الأكبر من الطرح الإيماني في قضايا العلوم اليوم، دافعها الأول والأخير هو الاستثارة الإلحادية وشُبُهَاتِهَا. فلولا الاعتراض الإلحادي القائل بأزلية الكون مثلا(لا بداية له ولا نهاية) لما تَوَّصَلْنَا إلى القول بحقيقة صيرورة الكون, التي تترجمها نظرية الانفجار العظيم، ولكَانَ الرأي القائم الآن في الأوساط الدينية يقوم على الاعتبار الكهنوتي المُتَوَاهِي الذي لا يُقدم أدلة حقيقية على كيفية النشأة!..وإذ أنّ مَدَارَ المعركة في العصر الحديث مثلت المسيحية أدوار الإيمان فيه, وكأن الإسلام لا شَأْوَ له في ذلك يبلغه..

الشكوك الإلحادية

الشكوك الإلحادية هي ما حركت المياه الراكدة حول المسألة، لتجعل الطرح الديني أمام اختبار جاد لتقديم تفسير مستساغ علميا وأكاديميا..فكانت النتيجة بعد نصف قرن من اشتداد حمى وطيس المعركة بين فكرة أزلية الكون التي تُروج لها النخبة الإلحادية آنذاك ويَسْتَمْرِءُ القول بها معظم علماء الفلك والفيزياء النظرية- لدرجة أنّ ألبرت اينشتاين لَمَّا توصل إلى النسبية، خَلُصَ إلى حقيقة أنّ المعادلات تقول بتمدد الكون لا باستكانته(أي أزليته) فقام بخلق عامل حسابي وهمي سماه بالثابت الكوني لتنسجم نتائجه مع نموذج استكانة الكون

فكرة بداية الكون وأزليّته عند العلماء

هذا- وبين فكرة أنّ الكون له بداية بقيادة قس دنمركي دارس للفيزياء النظرية يُدعى جورج لوموتور، حيث استنتج حقيقة أنّ معادلات النسبية تؤكد تمدد الكون من ما يعني أنه كان يوما كتلة. واحدة وفي نهاية المطاف حسمت ملاحظة إدوين هابل المسألة برصده لعدة مجرات في الكون، تتباعد عن بعض، من ما يعني أنّ الكون يتمدد بالفعل، وسُمي هذا العامل الجديد بثابت هابل…اعترف أينشتاين حينها بأنّ اختلاقه الثابت الكوني كان لغرض إسجام نتائجه مع نموذج الإستقرار، وأنّ قوله بثبات الكون(أزليته) كانت أعظم حماقة في حياته!.

تُرى هل كان هذا القس سيقنع العالم بأن الكون مُحْدَث، دون انجراره لاعتماد وسائل علمية يافعة تنطلق من الزعم الإلحادي العلمي ذاته السائد عن الكون آنذاك لإثبات الحقيقة؟!..والأهم!, هل الإسلام من منظور كهذا يمتلك تقرير حقيقة علمية وهو ليس نموذجا معرفيا مستقل باستدلالاته عن الشخوص والآراء التاريخية كمرجع؟!.

هل نستيقظ يوماً لنجد أنّ الإسلام غدا علمًا كاملا متكاملا

هل نستيقظ يوما لنجد أنّ الإسلام غدا علمًا كاملا متكاملا..له فلسفات وأسس ومساقات عقلانية فارضة تماما كبقية العلوم والمعارف الإنسانية المحترمة، لا مجرد شعائر ومشاعر وفقط..بعيدا عن التأصيل بالشخوصية والملابسات التاريخية؟!..فلنأمل ذلك..ثق أنه بعد قرن من اليوم، و في خضم تحول مَضَّاء، سيفنى الإسلام كما عرفه أهل الدون، وتقلة الوعي، ليحيى إسلام الحق ومن ثم الحق الصرد.

والدعوة إلى الله لن تكون بيئتها الرحبة منابر المساجد دون الأروقة الأكاديمية أو المعمعات العلمية أو المؤتمرات العالمية. بل ستشمل الدراسات والبحوث البالغة الكلفة والتعقيد والنفع للبشرية كافة، قبل أن تكون تعاويذ وأراجيز تُتْلى على مذاعن العاكفين في المساجد أو القابعين في المحاريب. والبحث العلمي. دعوة إلى الله أبصر و من ثم أصحى لعقل الإنسان من التذكير بنعمائه ونغمائه. أو من الترغيب في مثوبته و الترويع من عقوبته. وهو بمقام الجهاد, وكما قال شيخنا الإمام الغزالي: بناء المصانع في أمة الإسلام, تعدل بناء المساجد, فكذلك بلا شك تشييد المعامل.

في الختام, تحرير الإسلام أولا قبل كل شيء..وتحرير عقلية المسلم، ثم بناء أمة حضارية يُكَّفَرُ فيها الجهل. حينها فقط سيدين لنا الكوكب كله، لأنّ الإسلام غدا نموذج معرفي شأنه شأن الفلسفة والعلوم، فهو ينظم شأن الإنسان كما تنظم قوانين الطبيعة الكون، فلا يرفضه أحد إلاّ وقبله رغما عنه ولو باسمٍ مستعار..هكذا يسود الإسلام..أما المقتنى الإيديولوجي الواهي واستيراد الصراع واختلاق النزاع مع الأمم الأخرى لِعَوَزنا عن تقديم بديل جادٍ لمثالية حضارتها في جوانب عدة، فهو لا يملك أن يصنع من الإسلام نموذجا معرفيا حضاريا متفردَ المزايا وفارضَ البقاء، لأن أسمى ما يطمح إليه هو استبدال شخوص بآخرين، لا أكثر.

فيديو مقال لمَ قضايا العلوم أَولى بالحسم لديَّ كمسلم؟!

أضف تعليقك هنا