تأزم الدرس الفلسفي في الجزائر: تشخيص لأزمة متعددة الأبعاد

التحديات التي تواجه الدرس الفلسفي في الجزائر

مرّ الدرس الفلسفي في الجزائر بعديد التحولات التي رافقت بدورها تحولات الوضع السياسي العام للبلاد وما تبعه من تغيرات وتحولات في السياسة التعليمية المنتهجة. فالدرس الفلسفي في الجزائر يجد له جذورا تمتد من فترة الإدارة الفرنسية الكولونيالية مرورا مع بدايات الدولة الجزائرية المستقلة المعاصرة وصولا إلى راهننا اليوم، ممتدا في مختلف المؤسسات التعليمية، من مجال التعليم الأساسي (الثانوية) إلى التعليم العالي (الجامعة)، وهو أمر لا يوجد في كثير من الدول العربية على سبيل المثال.

إلا أن هذه المعطيات التي تبدو إيجابية في ظاهرها لا تكشف بالضرورة عن طبيعة تصور وتمثل الفلسفة ووضعها في المجتمع الجزائري. فالدرس الفلسفي يواجه صعوبات متعددة، منها ما يعطل تطوره ومنها ما يهدد وجوده ذاته. ذلك أن المخيال الجمعي الجزائري يتلقى الفلسفة بتوجس، فهي بالنسبة له تبقى مجال مبهم، معقد أو خطير. مبهمة لأنه لا يفهم معناها وجدواها فعليا، من حيث أنه تبسيطي اختزالي لا يرى أمامه منتجا ماديا مباشرا من الاشتغال بالفلسفة. معقدة نظرا لطبيعتها التي تتطلب تداخلا وتشعبا وتعمقا في المعارف والمقولات. وهي خطيرة لأنها تتصادم في أحيان كثيرة مع تصورات مخيال اجتماعي محافظ يرفض السؤال والنقد، خصوصا إذا امتدت هذه الأسئلة لاختراق حواجز المخيال الديني والطابوهات الاجتماعية. ونظرا لطبيعته النقدية وخوضه في الأسئلة السياسية والتاريخية الأكثر خطورة فإن الدرس الفلسفي يخضع أيضا لوصاية السياسة التعليمية العامة للبلاد، التي تتعامل معه بمنطق الرقابة والاختزال وتقدمه في صيغة :”لا أريكم إلا ما أرى”.

بالتالي فالدرس الفلسفي يصبح هنا موضع تشكك وتوجس، من مؤسسة ترفض ترقيته وتطويره، الى مجتمع يتوجس منه ريبة، فيبقى السؤال المطروح هنا هو حول جدوى تقديم الدرس الفلسفي في المؤسسات التعليمية ؟ وهو سؤال يتطرق إلى مشروعية وجود الفلسفة ذاتها ، أخذا في عين الاعتبار أنها لا تجد لها حضورا ملموسا خارج هذه المؤسسات. وهذا يقود الى طرح التساؤل عن أسباب أزمة الدرس الفلسفي في الجزائر اليوم، وماهية العقبات والعوائق المختلف التي تعيق طريقه مؤسساتيا ومجتمعيا.

الفلسفة والمؤسسة: إشكالية فلسفية

ان سؤال العلاقة بين الفلسفة والمؤسسة سؤال متجذر في تاريخ التفكير في الدرس الفلسفي ذاته. فقد تساءل الفلاسفة دوما وأبدا عن مشروعية تدريس الفلسفة في المؤسسة وما يتبع ذلك من سلبيات وإيجابيات. فإذا كان جوهر الفلسفة هو التفكير النقدي الحر الذي يتوغل فيما وراء قوالب الحقيقة الجاهزة، بحثا في المسكوت عنه واللامفكر فيه في الخطاب المقول والمصرح به و”الرسمي” الذي تتبناه المؤسسة ذاتها، والتي تمثل في حد ذاتها سلطة لإنتاج “الحقيقة” ومنظومة المعرفة والقيم في المجتمع، فإن المؤسسة لها دائما برنامج ورهانات ذات ابعاد سياسية، اجتماعية وثقافية مختلفة قد تتعارض مع طبيعة الفكر الفلسفي الذي ينطلق من أساس التحرر من كل هذه القيود.

لكن لما يتم فحص الأمر على المستوى الواقعي وفي الزمن الراهن بالخصوص، حيث يتم الأخذ في عين الاعتبار السياق الاقتصادي والاجتماعي فان الفلسفة تجد نفسها في علاقة ترابط ضرورية مع المؤسسة. فالمشتغلون بالفلسفة اليوم أصبحت لدى أغلبهم صفة مؤسساتية، اما كطالب أو استاذ أو باحث، فالمتفلسف اليوم لم يعد يجد قنوات كثيرة لممارسة الفعل الفلسفي خارج المؤسسات المخصصة لذلك أضحى مرتبطا أكثر بوظيفته كأستاذ أو باحث. وهذا الأمر أعاد طرح سؤال علاقة الفلسفة بالمؤسسة من خلال رؤى ومنظورات جديدة، أبرزها منظور فلسفة النهايات، الذي يرى أن المرحلة التاريخية الراهنة هي مرحلة موافقة لشيخوخة الفكر الانساني أي أنها مرحلة فقدت فيها الفلسفة وظيفتها الاجتماعية والتاريخية التي شغلتها في مرحلة سابقة، فلم يعد بالامكان تدارسها إلا على سبيل عرض تاريخها وقوالبها الجاهزة. يدعم هذا الطرح أن تطورات العولمة والتقنية والعلوم المختلفة، جعلت من هامش مناورة العقلية الفلسفية يضائل لحده الأدنى، وبهذا تقترب الفلسفة بلغة خطاب النهاية من نهاية تاريخها.

اعترض “مارتن هايدغر” عن هذا الطرح التقني العلموي قائلا بان: “العلم لا يفكر”. لكن هل حقا جعلت تطورات العلوم المختلفة الانسان يستغني عن مهمة التفكير الفلسفي؟ هل مهمة الدرس الفلسفي في المؤسسات التعليمية اليوم هي فقط تلقين القوالب الفكرية الفلسفية وتاريخ الفلسفة ومنعطفاته الأساسية؟ هل يمكن أن توجد روح الفلسفة حين تصبح المؤسسة أمرا حتميا لا مفر منه للمتفلسفة؟ فرضان يطرحان نفسيهما في هذا السياق، أولهما يفرق بين الفلسفة كمادة معرفية و”روح الفلسفة” كطريقة في التفكير والتصور. وثانيهما مقاربة “مكيافيللية” تضع نفسها كحل توفيقي، يسمح بوجود الفلسفة داخل المؤسسة من خلال علاقة الغاية بالوسيلة. حيث تكون المؤسسة وسيلة والفلسفة غاية.

عموما، فإن سؤال علاقة الفلسفة بالمؤسسة لا يتم طرحه في سياقاته الفلسفية العامة في هذا الإطار، وليس هو موضوع هذا المقال الذي يختص في طرح سؤال علاقة الفلسفة بالمؤسسة التعليمية الجزائرية. وبعودة لإشكالية الدرس الفلسفي الراهن في الجزائر، فان سؤالا مهما يطرح نفسه في هذا السياق: هل الفلسفة من خلال المؤسسة في الجزائر غاية أم وسيلة؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب الخوض في سياقات الوضع الاقتصادي والاجتماعي في جزائر اليوم. حيث نجد لدى أغلبية خريجي الفلسفة الشباب، وحتى فئة الاساتذة التي ينتمي أغلبهم الى الطبقة المتوسطة الهشة، اشكالات اقتصادية كبيرة. فمع تصاعد معدلات البطالة والأزمة الخانقة للبلاد كان خريجي الفلسفة من أكثر الفئات تضررا، ذلك أن التوظيف بشهادة الفلسفة الجامعية يكاد ينحصر تقريبا في مجال المؤسسات التعليمية. ومع ضعف مجال المؤسسات الخاصة في الجزائر، فإن التوظيف يصب اغلبه على كاهل المؤسسات العمومية. فإذا كانت زيادة عدد خريجي الفلسفة في الجزائر مع زيادة أقسام الفلسفة الجامعية أمرا محمودا كميا، فإنها كارثة ووبال على سوق التوظيف الفلسفي، حيث لا يتوفر سوق العمل الجزائري على مكان كاف لهؤلاء الخريجين. وإذا تم اضافة عوامل الفساد والمحسوبية وغيرها مما يؤثر على معايير التوظيف فان الكارثة تتضاعف.

كما يلاحظ أن كثيرا من خريجي الفلسفة ولظروف معينة[1]لا يطلبون دراسة الفلسفة حبا فيها، فالشهادة الجامعية في تخصص الفلسفة تبقى شهادة جامعية قبل أن تكون فلسفية، أي ان هدفها يتمثل في حجز مكان في سوق التوظيف عقب التخرج. فتصبح الشهادة الجامعية في الفلسفة سواء ليسانس أو ماستر أو دكتوراه وسيلة من أجل الظفر بوظيفة في المؤسسة. وهذا أمر يبدو واقعيا جدا بالنظر لأنه من المفروض أن يكون هنالك علاقة ترابط وثيقة بين التكوين الجامعي وسوق العمل.

فالوظيفة أو الشغل في عالم عولمي رأسمالي يتصور الانسان من خلال تمثلاته الاقتصادية (homo economicus) التي تعتبر أهم محددات هوية الفرد في علاقة مع الآخرين. فتعريف الانسان في المجتمعات المعاصرة ومنها المجتمع الجزائري بتأكيد الحال أصبح يتم أساسا من خلال وضعه الاقتصادي، وظيفته، والشهادة الجامعية التي يحوزها، وغيرها من الامتيازات التي يمكن ادراجها في نوع من سلم التراتبية الاجتماعية، تموضع الفرد فيها هو ما يسمح له عموما بالخوض في سياقات الحياة الاجتماعية وما يتبعها من صداقة وزواج وغيرها.

اذن فتلك الخطابات التي ترى في الفلسفة تخصصا خاصا يجب أن يهتم خريجوه بالتحصيل المعرفي بغض النظر توابع ومآلات الشهادات التي يحصلونها بعد التخرج طرح يبدو غير واقعي. لأن الشهادة الجامعية هي قبل كل شيء وسيلة للتموضع في سوق العمل. لكن هذا لا يعني بحال أن يكون هذا التموضع المشروع حجة لتغييب الكفاءة والجدارة. بل الأجدر هو فحص طريقة تحصيل هذه الشهادات ، وهذا ما يقود الى مساءلة طريقة التكوين الفلسفي في الجامعة الجزائرية اليوم.

الجامعة موزع آلي للشهادات

تسير السياسة التعليمية العامة وطريقة تسيير الجامعات الجزائرية بشكل أساسي في الخط العام لسياسة “السلم الاجتماعي”، التي تجعل من الجامعة مجرد ملحق للبرامج السياسية العامة، مهمتها قنونة فئة الشباب التي تمثل أحد اكبر فئات المجتمع الجزائري اليوم. أي أن الجامعة غدت ملحق للسياسات الاجتماعية للدولة ، وبالتالي تتحول الى موزع آلي للشهادات أو مجرد حضانة كبيرة للطلبة هدفها تخريج أكبر عدد ممكن من الطلبة بشهادات جامعية توفر لهم ولعائلاتهم نوعا من العزاء والترضية الاجتماعية، بغض النظر عن مهمة الجامعة المعرفية أو علاقة مخرجاتها بسوق العمل أو حاجة المؤسسات الأخرى أو الوضع الاقتصادي للبلاد عامة. أي في النهاية فصل الجامعة مع محيطها الاجتماعي.

من أهم معالم السياسة التعليمية للسلم الاجتماعي هي استراتيجية التعليم الكمي، التي تمثل استراتيجية تعليمية لا تهتم بتاتا بالجودة والكفاءة بقدر ما تهتم بالكمية، فمعيار النجاح يصبح هنا زيادة المقاعد البيداغوجية كل سنة، ورفع عدد الخريجين نهاية كل سنة دراسية. فإذا كانت الفلسفة بطبعها نخبوية، فإنها تغدو وفق هذا الأمر أكثر تخصص متضرر من هذه السياسة التعليمية. فالفلسفة مجال معرفي يحتاج وقتا وخصائص نفسية وفكرية معينة في دارسها، كما تتطلب اهتماما وجهدا وممارسة في تحصيلها، وحبذا لو كان دارسها من هواتها.

لكن التعليم الكمي على النقيض يخالف كل على هذه المعايير التي تبدو ضرورية لتحصيل المعرفة الفلسفية. فالتعليم الكمي وإستراتيجية السلم الاجتماعي لا تهتم كثيرا لمن يعرف أو من لا يعرف، لمن هو جيد أو سيئ، لمن هو كفئ أو رديئ. فحين يختلط الحابل بالنابل، وحين يمنح الجميع شهادة لها نفس الوزن بدرجة ليسانس أو ماستر أو دكتوراه لا يمكن الحديث حينها عن فلسفة او علم نفس أو بيولوجيا أو هندسة، بل ان الحديث يصبح من مجرد شهادة جامعية فارغة من كل مضمون.

كلما تدرجنا في درجة الشهادة الجامعية زادت الأزمة خطورة، فتمييع الشهادات يزداد درجة خطورته كلما امتد للشهادات العليا، تلك الشهادات التي تعطي درجات علمية تسمح لصاحبها بممارسة مهنة البحث والتلقين بصفة محترفة في مؤسسات التعليم العالي. هذا التأزم والعطالة ليس حكرا على الدرس الفلسفي الجامعي فقط بقدر ما هو يمتد للدرس الفلسفي في الثانوية الذي يعتبر امتدادا طبيعيا للدرس الفلسفي الجامعي باعتبار أن المشرفين على الدرس المدرسي هم من خرجي الجامعة الجزائرية.

كانت الفلسفة المادة الأكثر تأثرا بمختلف التحولات والمنعطفات السياسية المختلفة في تاريخ الجزائر المعاصر، فمع كل تغير في سياسة التعليم كانت البرامج الفلسفية أول المتأثرين. فكان خيار التعريب مع مدخل السبعينيات لتعويض البرنامج التعليمي الموروث عن الادارة الفرنسية، وفي الثمانينيات دخلت البلاد مرحلة سياسية جديدة فيما يعرف بالانفتاح، مرحلة لها خصوصياتها التي انعكست مباشرة على الدرس الفلسفي خصوصا في ما يعرف بصعود تيار أسلمة وجزأرة[2] المعرفة، فأصبح الحديث عن الفلسفة الاسلامية في مقابل الفلسفة الغربية، وتم التصرف في المناهج عبر الاختصار والقص واللصق بطريقة توافق التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية المختلفة لتلك المرحلة.

في التسيعينيات ومع دخول الجزائر في مرحلة حرب أهلية وصراع أيديولوجي-ديني، تم اعادة صياغة البرنامج الفلسفي بحيث افرغ من كثير الإشكالات الدينية والسياسية الجوهرية، فكان برنامج التعليم الثانوي في الفلسفة من أشد البرنامج تأثرا بهذا الحدث. وفي السنوات الأخيرة ومع ارتفاع أعداد أقسام الفلسفة في المؤسسات الجامعية الجزائرية، تم صياغة برنامج فلسفي جامعي موحد يتضمن اربعة تخصصات. لكن من المؤاخذات على هذا البرنامج هو أن كل واحد منها يضم كثيرا من المقاييس الغير فلسفية (مخاطر المخدرات… ) ومقاييس مكررة وأخرى مبهمة لا تتلاءم مع معارف الاساتذة المكونين ذاتهم، في المقابل توجد محاور فلسفية مهمة مهملة لم تعطى حقها من الوقت الكافي لطرحها وهي التي يصعب أن يحصل طالب الفلسفة على تكوين قاعدي صلب فيها دون أن يمر عليها.

بمعنى أنه بدلا من أن يكون هذا البرنامج حلا لمشاكل عديدة تحوم حول التكوين الجامعي الفلسفي، تحول هو ذاته الى مشكلة. فالمؤاخذات على هذا البرنامج الموحد كثيرة وعديدة، حيث لم يستطع احداث نقلة نوعية في مجال الدرس الفلسفي الجامعي بقدر ما كان مجرد توحيد مركزي لبرامج التكوين الفلسفة، فأفسد أكثر ما أصلح.

كما أن الحديث عن تخصصات فلسفية بدون حصول الدارس على إلمام كاف بسياقات الفلسفة العامة  واشكالياتها ومحاورها يبدو من قبيل القفز الى الامام فوق هاوية من العدم. صحيح أن الأمر يجد تبريره في طبيعة المرحلة التاريخية الراهنة التي تتجه نحو التخصص الدقيق، لكن السؤال المطروح هنا هل من الممكن تحقيق تكوين جيد في تخصصات دقيقة دون المرور على تكوين قاعدي عام جيد؟

يقدم الدرس الفلسفي اليوم كدرس خفيف المحتوى، لا يطرح أسئلة وجودية خطيرة متعلقة بذات الانسان، هويته ومصيره، أي درس لا يصدم الوعي الاجتماعي الحساس أصلا، ولا يتطرق الى ما يثير حفيظة المخيال الديني. فالدين، السياسة والجنس ما تزال من الطابوهات المسكوت عنها في درس فلسفي خجول جدا، مهمته وظيفية في اختبار الباكالوريا أو الشهادة الجامعية، درس فلسفي يفتقد جوهريا الى روح الفلسفة. فلم يعد درسا تنويريا بعد أن نال منه التمييع مناله، تمييع يدخل في اطار سياسة تمييع التكوين الجامعي بعامة، ولكن وبسبب طبيعة الفكر الفلسفي فإن هذا التمييع يظهر بطريقة أكثر تأزما في ميدان الفلسفة.

ان نظام LMD (ليسانس-ماستر -دكتوراه) بالطريقة العرجاء التي يتم تطبيقه بها في الجزائر يضع تخصص الفلسفة في آخر السلم التراتبي للتخصصات الجامعية[3]. حيث يتم توجيه الطلبة الى تخصص الفلسفة بعد المرور في تخصص الجذع المشترك للعلوم الاجتماعية، الذي وبحسب البرنامج الجامعي الجديد يجعل الفلسفة أحد ثلاثة تخصصات يتم تقسيم الطلبة عليها بعد مرورهم على سنة من التكوين في الجذع المشترك. لكن الفلسفة تجد نفسها هنا في معادلة خاسرة!

ذلك أن برنامج الجذع المشترك للعلوم الاجتماعية يتضمن حوالي 20 مقياسا، فقط مقياس واحد في سداسي واحد[4] يحتوي مضمونا فلسفيا صريحا (مدخل الى الفلسفة). وللمفارقة فإنه يتم تدريس الفلسفة على سداسيين في تخصص العلوم الانسانية الذي لا يوجد في توجيه للفلسفة أصلا. فبدل أن تحصل الفلسفة على هنا حصة (3/1) من البرنامج السنوي، تحصل فقط على حصة (20/1)، وهو أمر له آثار سلبية كبيرة على جودة ونوعية وكمية الطلبة الملتحقين بالتخصصات الفلسفية.

تعمل السياسة التعليمية العامة من المرحلة الثانوية الى المرحلة الجامعية على أزمة نوعية الطلبة الملتحقين بالفلسفة، حتى تحول تخصص الفلسفة في كثير من المؤسسات الجامعية الى نوع من العقوبة، يوجّه له فائض الطلبة الفاشلين في مشوارهم الدراسي، والذين بفعل تمييع معايير النجاح في الباكالوريا والجامعة خصوصا يجدون أنفسهم ناجحين بطريقة آلية.

هذا الأمر قاد الى ظاهرة خطيرة جدا، حيث يستطيع كثير من فاقدي الأهلية والإمكانيات الفلسفية الوصول الى مراحل متقدمة والحصول على شهادات عليا بطرق مختلفة في تخصص الفلسفة، منهم من حالفه الحظ، ومنهم من خدمته السياسة التعليمية ومنهم من تدبر أمره بطرق مختلفة. وبهذا أصبح لهم شهادة كفاءة بمنطق المؤسسة.

وحين تجتمع مؤثرات الحامل الاجتماعي والثقافي مع ضروريات الواقع الاقتصادي، فالكارثة ستكون وخيمة. فكثير من هؤلاء الذي حصلوا على شهادات عليا بقدرة قادر يحملون عقلية كارهة للفلسفة والتفلسف، وبهذا ينقلون طاقة سلبية للطلبة والمتمدرسين تساهم في تعطيل الدرس الفلسفي وتدمير العملية البيداغوجية برمتها. لكن يبدو أنه في غياب الرقابة والمعايير الواضحة والصارمة للصحيح والخطأ، الجيد والرديء، فان هدف هؤلاء يبقى متحققا، أي تحصيل الراتب وامتيازات الوظيفة والسلام، تحت شعار: “الغاية تبرر الوسيلة” ، والوسيلة هنا بالتأكيد هي الدرس الفلسفي.

صحيح أن الفلسفة مثلها مثل غيرها من المجالات المعرفية والتخصصات الجامعية تعاني من تمييع منظومة التعليم الجامعي الجزائري، لكنها وأكثر من غيرها تستلب عن ذاتها وتفقد خصائص ومشروعية وجودها.

الفلسفة في التعليم الثانوي : أي فلسفة ؟

صحيح أن مشكلة الدرس الفلسفي الثانوي كان من المفروض أن تكون سباقّة عن الدرس الجامعي في تسلسلها في الطرح لكن البحث عن أسباب التأزم يقود الى نتيجة أن أزمة الدرس الفلسفي الثانوي هي نتيجة وليست سببا. فالأساس هنا هو فشل منظومة التكوين الفلسفي الجامعي ومخرجاته من برامج تعليمية أو موارد بشرية. وفي هذا الصدد يمكن تحديد تأزم الدرس الفلسفي الثانوي في نقطتين أساسيتين:

1. البرنامج المدرسي:

البرنامج الفلسفي للتعليم الثانوي مؤسس على المقاربة المقالية، وهي مقاربة وضعت كحل لتعويض عطالات البرنامج القديم لكنها تحولت الآن الى مشكل في حد ذاتها. فطريقة المقاربة المقالية تطلب من التلميذ انجاز مقال فلسفي في صيغ قوالب منهجية جاهزة جعلت من الفلسفة مادة للحفظ أكثر منها مجالا فكريا لإعمال التفكير والفهم والتفكير النقدي. ففي النهاية أصبح ممكنا جمع البرنامج الدراسي في عدد معين من المقالات، تدرس للتلاميذ جاهزة للحفظ، وهذا ما حفز من جهة ظاهرة الغش وتصاعد ظاهرة الدروس الخصوصية في المجال، والتي للأسف انحرفت عن دورها كدروس دعم وتقوية لمساعدة التلاميذ على استيعاب الاشكالات الفلسفية، فتحولت الى نوع من الدجل الفكري يتوقع فيه الاستاذ للتلميذ بضعة مقالات محتملة جاهزة، فيقوم التلميذ بحفظها او التحضير لاستعمالها في حالات اخرى للغش.

ومعيار النجاح في مجال هذه الدروس الخاصة لم يعد أبدا الكفاءة أو المقدرة المعرفة والبيداغوجية للأستاذ، بل أصبح المعيار هو مدى نجاح التوقعات وتقديم مضمون سهل اختزالي لا يمت للطبيعة الفلسفية بصلة. فيتحول أستاذ الفلسفة الى مدمر للتفكير الفلسفي من خلال تكرسيه ل”عقلية المعجزة” نقيض “عقلية السببية” عقلية العلم والفلسفة.

يبدو جليا أن المقاربة المقالية لا تتلاءم مع امكانيات التلميذ الجزائري في تلك المرحلة المدرسية، أخذا بعين الاعتبار التكوين القاعدي اللغوي المتأزم والسيئ للتلميذ الجزائري، الأدبي والعلمي على حد السواء.

يمكن تفسير اللجوء الى الدروس الخصوصية أيضا من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، حيث أصبحت ضرورة ملحة للتلميذ والأستاذ على حد السواء. فالتلميذ يتذرع بعدم استيعاب الدرس في الفصل المدرسي، وهو ما قاد الى ظهور صدع في الثقة بين المؤسسات التعليمية الرسمية والمجتمع. فأصبحت الدروس الخصوصية المدفوعة هي البديل عن أزمة الثقة في المؤسسات الرسمية.

أما الاستاذ فإنه يعاني من ظروف اقتصادية متأزمة، حيث تعبّر فئة الاساتذة أيما تعبير عن ذلك القلق المستمر الذي ينتاب الطبقة المتوسطة الهشة من الوضع الراهن في جزائر اليوم ومآلاته.

أيضا البرامج الفلسفي بشكله الحالي تم استهلاكه بوضوح، فالأسئلة اصبحت معروفة ومتوقعة. اسئلة مكررة وإشكاليات مستهلكة، مفصولة في احيان كثيرة عن اشكاليات الواقع المعاش للإنسان الجزائري الراهن. فلم تعد الفلسفة بهذا مادة حيوية تحث على التفكير والإبداع، فلا تقود الى طرح الأسئلة ولا تثير لا دهشة ولا احراجا، فغدت أي شيء غير ان تكون فلسفة. لكن هذا بالمقابل جعلها مادة خصبة لمنطق التوقعات والاحتمالات والدجل باسم الفلسفة، فأصبحت تقدم كمادة استهلاكية معلبة يدفع مقابلها التلميذ قدرا معينا من المال لمستخدمي دكاكين الدروس المعلبة.

البرنامج الفلسفي الثانوي للتخصصات العلمية بصفة عامة لا يتناول مشكلات فلسفية أساسية، فهو في الحقيقة عبارة عن مدخل للعلوم الانسانية والاجتماعية أكثر منه كمدخل للفلسفة، حيث يتناول اشكاليات عديدة ومتنوعة غالبا مالا يوجد بينها ترابط مباشر، او اسقاطات واقعية تحث المتدبر فيها على التساؤل والتفكير، فلا تسلسل منطقي ولا تاريخي يربطها بمعيار واضح. ويضاف الى هذا التغييرات المستمرة في التدرجات بين كل فصل وآخر، وهو ما جعل الدروس الفلسفية تشبه واحات مبعثرة في صحراء واسعة بدون خريطة محددة، فتكتمل دائرة الرداءة العدمية.

في مقارنة بسيطة مع المضمون التعليمي الفلسفي في الجارتين المغرب وتونس يظهر بوضوح مدى تأزم الدرس الفلسفي الجزائري، ومنه ضرورة المعالجة الجذرية والفورية للدرس الفلسفي لمرحلة التعليم الثانوي في الجزائر.

2. التركيبة البشرية:

المقصود بالتركيبة البشرية عناصر بنية الدرس الفلسفي في الجزائر بعامة من مدرسين ومتمدرسين، يمكن اختصار مشكلة الأستاذ والمؤطر للدرس الفلسفي في التعليم الثانوي في نقطتين:

  • الأولى متعلقة بمستوى التكوين الجامعي ومؤهلات المؤطر الفنية والبيداغوجية، حيث أنه غالبا ما يكون التكوين الفلسفي الجامعي تكوينا غير كاف، خصوصا في النظام الجديد أين يكون التكوين متسرع يجعل الطالب يلم فقط بالعموميات. ذلك أن الشهادة الجامعية لم تعد تعبر فعليا عن الكفاءة المرجوة من حاملها. وهنا يأتي التساؤل كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟
  • النقطة الثانية متعلقة بالجانب الاقتصادي، فحتى لو توفرت الكفاءة في شخص الاستاذ فإن الوضع الاقتصادي الخاص به اليوم يجعله متأزم يجعله لا يستطيع ممارسة مهمته في ظروف مناسبة فيقوده لمجال الدروس الخصوصية بغية تحسين وضعيته الاقتصادية. وحين يحدث هذا يضطر كثير من الأساتذة بهدف النجاح في هذا الميدان إلى مسايرة التيار وحاجة السوق للمقالات الجاهزة المعلبة، فيلجؤون الى طريقة التوقعات والاحتمالات. فيجد الأستاذ نفسه هنا في تيار جارف يقوده في حتمية دوامة علاقات تجارية اقتصادية تعتمد منطق العرض والطلب التجاري البحت.

بالنسبة للمتمدرسين أو التلاميذ، فخطة السياسة التعليمية في صياغة البرنامج المدرسي وتوجيه العنصر البشري نحو تخصصات مختلفة هي من تلعب دورا رئيسا في أزمة الدرس الفلسفي. خصوصا أن خيارات التوجيه تعتمد بنسبة كبيرة على طبيعة المخيال الاجتماعي وما يتبعه حسابات مستقبل سوق العمل والأحكام المسبقة السلبية عن الفلسفة التي يأتي بهذا التلميذ من محيطه الاجتماعي.

فالسياسة التعليمية تعمد لاعتماد معيار المعدل العام في التوجيه إلى التخصصات المختلفة، فيأتي في أعلى الهرم التخصصات العلمية فالرياضية وفي أسفل الهرم نجد تخصص “الأدب والفلسفة”، التخصص الرئيسي الذي يعتمد الفلسفة كمادة رئيسية فيه تدرس على مدار سنتين من التعليم الثانوي. وغالبا ما يكون التلاميذ الموجهين لهذه الشعبة من التلاميذ الذين يواجهون مشاكل كبيرة في حياتهم الدراسية وغالبا ما يكون اهتمامهم ضعيفا بالدرس، فتتحول الفلسفة بالنسبة اليهم –نظرا لطبيعتها- الى مادة مبهمة، صعبة، منفرة، وربما منغص لحياتهم. فهل يمكن فعلا تدريس الفلسفة فعلا لمن لا يريد ؟!

أما تلاميذ التخصصات العلمية، فبالرغم من أنهم يدرسون الفلسفة كمادة ثانوية في آخر سنة من مشوار تعليمهم الثانوي، فإنهم يبدون استجابة نوعية افضل تجاه الدرس الفلسفي، لكن تبقى الفلسفة بالنسبة لكثير منهم مجرد مادة ثانوية، يراها كثيرون كمادة صعبة مسقطة في الاختبارات الرسمية، وهو ما يزيد من الريبة والتوجس منها. تبقى المشكلة الأساسية للدرس الفلسفي في المرحلة الثانوية أنه درس مفصول عن واقعه التاريخي، كما أن البرنامج التعليمي الخاص بالمادة يحتاج لإعادة صياغة جذرية، من حيث أنه يقود الى ازمات اكثر منه الى انفراجات. وبمعنى آخر فتغيير مضمون البرنامج الدراسي في مادة الفلسفة أصبح ضرورة ملحة وأمرا يجب ان تعنى به جميع مكونات العملية التعليمية الفلسفية في الجزائر.

عوائق الدرس الفلسفي

يمكن اجمال عوائق تطور وسيرورة الدرس الفلسفي في الجزائر بعامة في ثلاثة محاور: السياسة التعليمية، الوضع الاقتصادي، المخيال الاجتماعي.

ذلك أن السياسة التعليمية تمارس بامتياز وصاية تامة على المجالات المعرفية التي تتداخل مع مكونات الهوية الفردية والجمعية. أي التاريخ، “التربية الاسلامية” و”الفلسفة”. فالمؤسسات السياسية الرسمية تحدد الخطوط العريضة للسياسة التعليمية ، والمؤسسات التعليمية ومنها الوزارة الوصية التي تحدد بالتفصيل مضامين البرامج التعليمية. فإذا كان مضمون البرنامج التعليمي للدرس الفلسفي مميعا، مشتتا، أحادي الرؤية، فذلك لأنه يوافق رؤية السياسة التعليمية العامة التي تنطلق من تصور نمطي عن نموذج الحقيقة التاريخية والسياسية والثقافية. كما تعمل السياسة التعليمية أيضا على مسايرة طبيعة العاطفة الاجتماعية التي يؤطرها غالبا مخيال ديني محافظ يرفض فتح المجال للأسئلة الفلسفية التي تحاول مساءلة المسكوت وفتح صناديق الطابوهات المغلقة. كما أن المخيال الاجتماعي السائد ينظر للفلسفة بتوجس، ويعتبرها نوعا من نمط التفكير المزعج، ذلك أنه يسائل الحقيقة الجاهزة التي لا يجوز لا مسائلتها وحتى التفكير في التفكير فيها. فيتم تصور الفلسفة على أنها مجال علمي لا فائدة منه ولا خير يرجى من دراسته. وليس بإمكان أي شخص بالتأكيد أن يتذرع انه يملك مفاتيح اصلاح البرامج التعليمية الفلسفية، ف”الطريق الى جهنم مليء بالنيات الحسنة” كما يقال، وخصوصا في الفلسفة حيث يكثر الجدل وتتداخل المبرهنات.

أما الوضع الاقتصادي فهو وضع يكبل مدرسي الفلسفة ودارسيها على حد السواء. حيث أن وضع شهادة الفلسفة في سوق العمل الجزائري أصبح منفرا، وهو ما سيؤدي حتما الى عدم استقطاب الكفاءات اللازمة لتطوير التنظير والدرس الفلسفي فيها. كما أن غياب الوسائل والوسائط التي تساعد على بلورة النشاط الفلسفي يزيد من هذا التأزم، فلا مكتبات متوفرة، ولا كتب موجودة، ولا دور نشر محترفة موجودة لمساعدة المؤلف والقارئ على حد السواء. حتى أن الهياكل الثقافية القليلة التي تتوفر عليها البلاد خاضعة لسياسة عامة لا تدعم أي نوع من أنواع التفكير الحر الابداعي، وتوجه مخارج الريع الثقافي لما يخدم براديغم نموذج “الحقيقة” الرسمية الواحدة. كما يجد خريجي الفلسفة الجامعيين أنفسهم مرتبطين ضرورة بدخول سوق التوظيف في المؤسسات الرسمية، وهو ما يقلص من مجال الابداع والإنتاج الفلسفي.

فيما يخص المخيال الاجتماعي فهو مخيال محافظ انغلاقي احادي في البعد في الغالب، محكوم بمنطق عقلية المعجزة، ذلك النمط من التفكير الذي لا يحتاج الى البرهنة ولا يبحث عن العلاقات والأسباب الموضوعية، وينظر للعالم بلونين أبيض أو أسود، ويتكفي بالانغلاق على ما ورثه من “حقيقة” جاهزة.

خصائص عقلية المعجزة هذه ذاتها هي نقيض خصائص العقلية الفلسفية التي تقوم على التفكير والنقد والتمحيص والتعمق في اغوار المسكوت عنه. والعامل الاجتماعي هو ما يفسر غلبة الطابع المحافظ على كثير من اساتذة الفلسفة في الجزائر، حيث يختلط الخطاب الفلسفي مع الخطاب الديني والوعظي منتجا نوعا من الخطاب الهجين القائم على طريقة محافظة في التفكير لا تخوض إلا في العموميات ولا تتأمل ولا تتعمق في كثير من الاشكاليات الفلسفية الرئيسية الوجودية والسياسية والدينية العميقة، التي تقبع في مجال اللامفكر فيه. وبهذا يتحول الدرس الفلسفي الجزائري الى فزاعة عمّا يجب أن يكونه، حيث تظهر فلسفة بدون روح فلسفة.

لم تعد مشكلة الدرس الفلسفي مشكلة بيداغوجية ابيستيمولوجية، فمع ارتباط الدرس الفلسفي بالمؤسسة التعليمية وارتباط المؤسسة التعليمية بالمؤسسات السياسية السيادية، تحولت مشكلة الدرس الفلسفي الى اكثر من مجرد نقاشات حول برامج علمية. انها اشكالية ذات ابعاد معرفية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية وسياسية.

فإذا كان الدرس الفلسفي في الجزائر اليوم خاضعا بالمجمل لوصاية السياسة التعليمية، فان مشكلة الدرس الفلسفي تغدو أيديولوجية أولا فبيداغوجية-ابستيمولوجية. فهي من جهة تتعلق بطبيعة عقلية وتفكير المشتغلين بالحقل الفلسفي ذاته، ومدى وعيهم بتأزم الوضع، ذلك أن الوعي بالأزمة والتشخيص الصحيح لها يعتبر نصف الطريق نحو الحل. وثانيا فإن الأمر متعلق بصفة أساسية بإرادة المؤسسات السياسية الموكل لها مهمة تسيير المجال التعليمي للبلاد في اصلاح الوضع وتطوير المناهج والبرامج التعليمية ، وطبيعة التأثير الذي تريد احداثه على الحامل الاجتماعي والثقافي. ذلك أن منطق المعادلة القائلة بأن “كل شيء لدينا سياسي ما عدا السياسة نفسها” هو ما يفسر كثيرا من الأمور في هذا السياق.

الدرس الفلسفي يجب ان يراعي خصوصيات الفلسفة ذاتها، والتي لا هي بوعظ ديني ولا خطاب إعلامي ولا خطابة سياسية. فالدرس الفلسفي درس متعدد الأبعاد والرهانات، وأهمها هو البعد المعرفي الذي له أيضا خصوصياته المعرفية والمنهجية التي لا يستقيم من دونها. وليست الفلسفة بهذا مجبرة على خدمة توجهات البرامج السياسية ولا مسايرة المخيال الاجتماعي، بقدر ما تهدف لأن تكون نشاطا للعقل والتفكير الانساني. بدون نسيان أن الفلسفة والفلاسفة كانوا دائما الضمير السيئ لعصرهم، المجاهر بكوارثه وأزماته وحقائقه الفظيعة.

  • [1]  والمتأمل في وضع الطلبة الجامعيين الذي يزاولون تكوينا اكاديميا فلسفيا يمكنه ان يرى بوضوح أن اغلبهم لا يحركه شغف فلسفي خاص بقدر ما يرى في الفلسفة مجرد خيار وجده في مجمل التخصصات الجامعية المتاحة امامه للاختيار، والفلسفة بالنسبة له لا تتعدى أن تكون مجرد شهادة ليسانس أو ماستر أو حتى دكتوراه تخوّل له التوظيف في احدى المؤسسات.
  • [2]  تخلت الجامعة الجزائرية فجأة عن المختصين الاجانب ، وقررت الاعتماد على المخزون البشري الوطني ، والذي يبدو أنه لم يكن يملك من الخبرات والامكانيات ما يلزم للاشراف على تطوير المناهج التعليمية والتكوين الجامعي.
  • [3]  صحيح أن وضع الفلسفة آخر السلم التراتبي للتخصصات الجامعية يجد تفسيره في عدة عوامل منها العامل الاجتماعي الذي لا يعطي للفلسفة أهمية، أو ينظر عليها بريبة وتوجس، وأيضا “سوق العمل” حيث أن الشهادة الجامعية الفلسفية لا توفر لصاحبها فرصا عمل كثيرة.
  • [4]  السداسي الأول

فيديو مقال تأزم الدرس الفلسفي في الجزائر: تشخيص لأزمة متعددة الأبعاد

أضف تعليقك هنا