كلام القلب

كلما قرأت هذه الآيات:” إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”.  اسأل ما أسرار فعل “يعلم” بين الفعل يشهد مرتين!

الله يعلم فهو المُرسل ولا يحتاج إلى شهادة أحد، لكن المنافقين حين تحدثوا أرادوا صريح العلم والتأكيد عليه فقالوا “نشهد” فالشهادة أعلى من العلم فقط، بل قال بعض المفسرين أن نشهد تتضمن القسم أي نقسم إنك لرسول الله. لكن لماذا كل هذا التأكيد؟ لدفع التهمة عنهم، لذا فضحهم الله وكذَّبهم وشهد بنفاقهم.

ومن هنا كان من اللازم التفريق بين دعوى الإنسان وسلوكه، فالكل يستطيع ادعاء الأمر، لكن سلوكه يظهر حقيقة هذا الادعاء وكذبه، والعاقل هو الذي لا يعتمد على اللفظ الظاهري للعبد وإنما يتمحص وينظر ويتأمل في سلوكه ويقارنه مع دعواه فيدرك صدقه من كذبه.

هل وقعنا في فخ سحر الكلام؟

لقد وقعنا ضحايا للعديد من المجيدين لفن العرض اللفظي وسحر الكلام البياني ودغدغة مشاعرنا وأحلامنا ولم نلتفت أو نراجع سلوكيات ذلك المدعي وحقيقة كلامه وربما شهادته، وأخطره حتى يكون التلبس بالدين واستغلال عاطفة المقابل ليكون جسراً لتحقيق أهداف ذلك المدعي (الكاذب).

لست بصدد مناقشة لماذا يكذب و يشهد وربما يحلف، فهذا بحرٌ بل محيطٌ لا ساحل له، لكني بصدد إزاحة الستار عن عقولنا وقلوبنا لتنظر بعين البصيرة والبصر فلا تنجرف لكلمات رقيقة وعباراتٍ منمقة وربما مظاهر خادعة، بل تسمع وترى وتختبر قبل أن تقرر.

هل كل ما يُقال من كلام هو صحيح؟

وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المؤسسات والتجمعات بل وحتى الدول وخاصة مع عجلة الإعلام الضخمة وآلياتها المفزعة وقدراته الهائلة، فليس كل ما يُقال صحيح وإن تلون وتجمل، ومن جميل شعر أحمد شوقي -رحمه الله-  قصيدة الثعلب والديك ففي بدايتها :

بـَرَزَ الثعـــْـــلَبُ يوماً     ***     في شـِعـــار الواعـِظيـنا

فـَمـَشى في الأرضِ يـَهــْـدي ***  ويـَســُـبُّ المـاكرينا

وفي نهايتها:

مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـاً ***    أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا

وما أحسن تعبير الامام القرطبي -رحمه الله – عند تفسيره لآيات سورة المنافقين فقد قال :”إنَّ الكلام الحقيقي كلام القلب” وأقول كلام القلب الذي ينبع من القلب فينطبع على السلوك قبل اللسان.

فيديو مقال كلام القلب

أضف تعليقك هنا