عدد كبير من الأشخاص ينتظرون أن يحصلوا على الجائزة الذهبية التي ستقلب حياتهم راساً على عقب , يتنظرون المفتاح الذي سَيُدَوِّرُ عجلة مركبتهم الخاصة بهم, يأملون حصولهم على حل لفك جميع عقد حياتهم . هذه الجائزة , وهذا المفتاح , وذلك الحل مدفون بداخلهم , يكمن بين أضلعهم , يمسكونه بين أيديهم , ولكنهم لا يرونه أو يدركونه , يجهلونه , ويغفلونه لعدم تركيزهم على أدنى القريب , ينظرون إلى البعيد دائماً . والأحرى بأنه عليك البدء بما تملكه يداك لتحصل على ما تراه عيناك.
يرغب الإنسان بصفة عامة بامتلاك قيمة ليستطيع أن يحسن من حياته ويطور من أدائه, يريد أن يمتلك تلك القيمة ليرقي بنفسه ويجذب نظرة الاحترام من الآخرين. ولكن السؤال المطروح هنا , من أين يستمد الإنسان قيمته فعلاً ؟ هل من المحيطين به ؟ هل من الرؤساء والمدراء ؟ هل من الأصدقاء ؟ هل من أفراد عائلته؟
نحن, لا نستطيع أن ننكر حق كل هؤلاء في دعم وتقوية الشخصية الإنسانية ؛ ولكن , من المسؤول الأول عن منح القيمة للشخص؟ المسؤول الأول والأساسي هو الشخص نفسه , هو ذاته , وليس غيره. وهنا , نستطيع الجزم بأن ما يمتلكه الإنسان امتلاكاً دائماً ينفرد به لشخصه دون غيره هو ذاته.
في هذا المقام , يجدر بكل شخص أن يعلم ماذا يقصد بالذات . الذات هي النفس الإنسانية بما تحتويه من مشاعر, وأحاسيس, وأفكار, وخواطر.ولكن كيف يتسنى للفرد أن يعي ويعرف ذاته ؟ معرفة الذات تعني اكتشاف وتعلم خبايا تصرفات الإنسان في مختلف مجالات حياته ومشاعره ورغباته و وجوده تَيَمٌّنَاً بقوله تعالى: ” وفي أنفسكم أفلا تبصرون ” (الذاريات, 21)كرّم الله سبحانه وتعالى عباده ودعاهم إلى التعمق في ذواتهم وإدراكها جيداً ومعرفة خباياها ونواقصها ورغباتها وميزاتها وسلبياتها.
لئلا تختلط الأمور في أذهانكم , فنحن نختص الحديث عن معرفة الذات ولكن دعونا نسلط الضوء على بعض المفاهيم ذات العلاقة الوثيقة بموضوعنا.هناك مفهوم معرفة الذات , تقييم الذات , تقدير الذات
وهناك درجتان للتقدير: التقدير المرتفع و والتقدير المنخفض. مثال على تقدير الفرد لنفسه فيما يلي : لقد تم اختيار شخصان ذوي مستوى متوسط لإتاحة الفرصة لهم لتقدير ذواتهم من خلال دعوتهم لإجراء مقابلة شخصية لوظيفة ما , لقد اتجه الشخص الأول للانتظار في غرفة بين مجموعة من المتقدمين إلى الوظيفة حيث يمتلكون جميع مقومات الوظيفة , ويتسمون بالرسمية والشخصية القوية ممن يمتلكون مستوى عالٍ من مهارات الاتيكيت.
واتجه الشخص الثاني للانتظار في غرفة بين مجموعة من المتقدمين إلى الوظيفة حيث أنهم يتصفون بالشخصيات العادية نوعاً ما , ويمتلكون مهارات ليست كمستوى المجموعة الأولى . الآن على كلا الشخصين أن يدركوا ذواتهم حسب المكان والظروف المحيطة بهم .فكان تقدير الشخص الأول في المجموعة الأولى منخفض لأن من معه يفوقونه في المستوى والإمكانات , أما الشخص الثاني من المجموعة الثانية , فقد قدَّر نفسه تقدير مرتفع لأنهم أقل منه في المستوى.
وقد شبهت الذات الإنسانية بمكوناتها(الإنسان) بالسيارة , والجسد بالهيكل الخارجي لها, والروح بالطاقة التي تعمل بها , والنفس بالسائق الذي يحركها.وهذا ما يظهر أهمية كل مكون لوحده وأهميته مع غيره من المكونات , فلا يمكن الاستغناء عن أي مكون من تلك المكونات.
فمن خلال هذا المنطلق , يجب التنويه على الإنسان أن يجمع بين جميع هذه المكونات ويوازن بينها , حيث أنَّ تجاهل وإهمال مكون وإغراق مكون آخر بالاهتمام يعتبر تغذية منقوصة وهذا هو سبب الضياع والتخبط وإهدار طاقة الإنسان.
يجب على الفرد أن يقدم الحب الوافي والكافي للنفس التي كرمها الله سبحانه وتعالى وهي النفس التي سجدت لها الملائكة والتي حمَّلها الله الأمانة في الإيمان والاستخلاف .حب النفس لا يعني فقط الاهتمام والترفيه والسفر والذهاب إلى المطاعم. المقصود بحب الذات هو احتواء وتقبل لما تحتويه الذات أجمع.
بما أننا نتقبل الآخرين ونحتويهم سواء كنا راضين عنهم أم لا , فمن الأولى أن نتقبل أنفسنا ونحتويها وبالتالي أزودها بالحب . وفي نفس الوقت , ننوه أن حب الذات ليست تكبر وأنانية ؛لأنه تكليف رباني شرعه الإسلام وفطرة إنسانية فطر الله به عباده. ولأن حب الذات مدفون داخل الفرد , فعلى الجميع البحث عنه واكتشافه واستخراجه.
عندما يعطي الإنسان ذاته حقها وقدم لها جميع الدعم الذي سيفضي عليه بالثقة ومعرفة نفسه تماماً , فعندئذ لن يكترث لآراء إي شخص وخاصة إذا كانت آرائهم محبطة وسلبية .فمعرفة الذات أفضل من تقييم الآخرين , معرفة تحديد نقاط القوة الكامنة فيك هو أمر مهم لتتمكن من استخدامها لصالحك.
كل شخص له مقومات ذاتية مختلفة عن غيره , كلٌّ له نظرة منفردة عن غيره كل فرد يتميز عن غيره بميزات معينة تجعل منه شخصية فريدة عن غيره , وتلك الميزات نستطيع أن نسميها بالفروق الفردية التي يمتلكها شخص ما دون غيره . لذلك الإنسان بحد ذاته مخلوق مميز بذاته وبقواه وبحواسه الكلية.
ولكن هذا التميز تختلف نسبته من شخص لآخر, فمن كانت له موهبة وقدرة في مجال معين , فبالتأكيد غيره لديه موهبة وقدرة في المجال نفسه أو في مجال آخر, فليس من الضروري التشابه والتماثل , الضروري هو امتلاك المهارة والقدرة التي تشكل شخصيته وتخرج به للعالم الخارجي.
على الإنسان أن يدرك مميزات ذاته وعليه أن يعززها ويطورها ويزيدها إبداعاً, وكذلك عليه رصد سلبياته ويحاول تقبلها والعمل على إصلاحها وحلها. ومن أجل الوصول إلى حل للنقاط السلبية وكيفية التعامل معها فيجب أن نخفي نظرة الشخص الخاطئ (وهو صاحب المشكلة) التي تتمثل بالعاطفة في أغلب الأوقات, ونميل إلى المستشار الحكيم الذي يتحكم بأفعاله بحكمة وعقلانية و الذي يتمثل بالعقل.
لن تصل إلى السلام والأمن الداخلي بمجرد هروبك من المشاكل, فإن هربك من كل مشكلة تواجهك تلو الأخرى؛ فستتراكم تلك المشاكل وستشكل جبلاً من العقبات ستعاني منها كثيراً في المستقبل . فمن خلال مواجهة الصعاب ستفتح المجال لنفسك لاكتساب خبرة وبالتالي ستتخلص من الأذى الذي سيلحق بك في حال عدم صد تلك المشاكل .فما تخشاه اليوم سيكون عقبة في طريقك غداً.
وفي ختام الأمر , ننصح الجميع بضرورة سؤال النفس على الدوام, والشخص الذي يتمكن من معرفة ذاته ينتقل إلى مرحلة فهم الذات ومن ثم ينتقل إلى مرحلة تقبل الذات , ثم يتبعها مرحلة إدارة الذات, وفي النهاية يصل إلى مرحلة قيادة الذات . وهي المرحلة العظمى التي يبتغي الجميع الوصول إليها.فابدأ بمعرفة نفسك بنفسك , لتصنع نفسك من نفسك.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد