“كذابوا المجلس”

في كثير من المجالس تجد فئة تسمى فئة” كذابو المجلس”  هذه الفئة تجدها دائماً تزيف الحقيقة، وتسوق للأكذوبة، وتتحدث عن الخداع كنوع من الدهاء، و الكبر والدنائة نوع من العزة، والخوف شجاعة والغدر صفة من صفات الرجال ، والبخل حرص ، والكرم اسراف ، وقس على ذلك من عكس للمفاهيم و احتقارٍ للقيم العالية ، وتمجيد وتزيين  للأخلاق، والأفعال السيئة ونشرها بصبغة خبيثة، ودعاية ملعونة، والغريب أن تجد من يفتح لهؤلاء الكذابون المجالس والأذان والمنابر في كل بيت ونادٍ.

هل يوجد في زماننا الحالي أداب للمجلس؟

ليست المصيبة في ماذكرت سابقاً فقط، بل مايزيد الطين بلة، أن البدبل لايوجد في تلك المجالس وإن وجد فإنه لا يقوم مقامه، ولا يعمل عمله بل ينكب على نفسه، ويقول لسان حاله مالي ومال الناس لست مسؤول عن الجميع، فأنا لن أغير العالم ولن أصلح البشر، فتلك الكلمات والاعتقادات هي من سمحت لهذه الفئة بأن تبرز وتظهر وهذه الفئة ليست حديثة العهد، هي قديمة جداً، ولكن الفرق بين الحاضر والماضي في التعامل مع هذه الفئة أنها كانت تنبذ وتنهى في عصور مضت.

ففي تلك العصور كان للمجلس آدابه وقيمه، فلم يكن الصغير يتكلم قبل الكبير، ولم يكن الجاهل يدعي العلم، ولم يكن العالم يتكبر، ولم يكن أحد يتدخل ويتكلم في صنعة ومجال غيره، فغالبية الجميع عارفون لحدودهم، غير متدخلون ” حشريون ” في شؤون غيرهم، ولا يعني ماذكرته سابقاً خلو مجالس الحاضر من تلك الآداب والاخلاقيات والبروتوكولات الجميلة، ولكنها توجد في نطاق ضيق من المجتمع، فلو دخلت مجالس اليوم لوجدت أن من يتصدر غالبية  المجالس سفهاء القوم.

وفي أحسن الحالات يتصدر تلك المجالس القصاصون “كذابون محترفون ” ، يأتي بالقصة التي سمعها من شخص آخر أو قرائها وقد أضاف عليها كما يقال من البهارات والملح ما الله به عليم، وليضيف أيضاً مايطلبه المستمعون، وهذا مايفسر عزوف الكثير من العاقلين عن تلك المجالس، فلا يوجد بها لا علم ولا ذكر ولا أي فائدة تذكر.

دور المجالس في التأثير على المجتمع

يجب أن لا يستهان بأمر المجلس فللمجلس أثره الكبير على المجتمع، فهو المكان الذي يجتمع فيه جميع أطياف المجتمع من كبار وصغار، وهذه الاجتماعات لا شك أنها تشكل جزئاً كبير من ثقافة ووعي هذه المجتمعات، فهو أمر لايستهان بهِ.

ولهذه المجالس كما ذكرت سابقاً أثرها البالغ وخطورتها الكبيرة في التأثير على النشئ الصغير في المجتمع، فعندما ينظر الصغير في تلك المجالس إلى الرجل القدوة سواء كان أباً أو عماً أو أخأً كبير أي يكن ففي الأغلب أنه ينظر له بمثابة القدوة والدليل الذي سيسير على خطاه فإن رأى في كلام ذلك القدوة وفعله أمر حسن أو سيء فإنه سيتأثر به دون أدنى شك.

فأن رأه يتحدث بكلام حسن أو يقوم بفعل حسن سيتأثر بذلك ويرى أن ذلك هو الصواب الصحيح، وأن رأه أيضاً يتحدث بسوء  أو يقوم بفعل سيء فإنه سيراه  الصواب الصحيح، فإن رأى قدوته يجل الرجل الكبير ويحترمه ويحسن آداب الإنصات والاستماع ويفسح لمن يأتي المجلس ويكرم من يأتي من الضيوف ولا يتحدث إلا بصدق وحق وبصوت معتدل ووجه بشوش ومشاركة قيمة فلا شك أنه سيتأثر بكل مايراه والعكس خلاف ذلك.

أهمية اختيار الجليس في المجلس بعناية ودقة

خلاصة ما أريد أن أقول وما أعنيه أن للكلمة أثرها ولأن للكلمة أثرها فإن أكثر مكان يمكن أن تسمع فيه الكلمة “المجلس “بدون أي ضغوط، فالمجلس ليس كالمدرسة أو الجامعة تذهب إليها مغصوباً للاستماع إلى مايريد أن يلقيه عليك الأستاذ أو الدكتور لاجتياز مادته.

مجالس العلم والآدب والأخلاق الرفيعة لا يمكن أن تنتج إلا ما حصدت ومجالس الجهل والكذب والسوء لايمكن أن تنتج الا ماحصدت، فعليك أن تختار مجلسك بعناية، وتختار من تجالس بعناية أكبر وأكبر فالطيب لا يجالس إلا الطيبون والسيء لا يجالس إلا السيئون، وعليك أن تنتبه أنه يوجد في حياتك من يراك قدوة له فكن قدوة حسنة لمن يرى فيك قدوته.

قال صلى الله عليه وسلم : (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة).

فيديو مقال “كذابوا المجلس”

 

أضف تعليقك هنا