غرابُ البين

حاولتُ ثـنيهُ كثيراً عن رغبته في الهجرةِ والاغتراب في أرضٍ ليس لهُ فيها أحد.. أرض لا يعرف عنها وعن أهلها شيء, خصوصاً وقد أصبحت للمسلمين في الغرب معاملة خاصة وقاسيه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. لكن جوابه كان مقنعاً ومفحماً على رغم اقتضابه.. حيث رد عليَّ بنبرةٍ جمعت بين تفاؤله بالمستقبلِ وتشاؤمه من الماضي وذكرياتهِ.. بين فرحهِ المُصطنع وحزنه الكامنُ والمتغلغلُ في حنايا صدره.. بين ابتسامتهِ الحانية ودموعه التي لم يستطع حبسها تلك اللحظة.

نهاية السعادة

لم تبق مدينةٌ في الوطن إلا ولنا ذكرياتٌ فيها,.. كنا ثلاثةً.. طفلينِ ووالدُنا الذي كان الأب والأم والأخ والصديق, كان أنيسنا وســميرنا ونحنُ كنا كذلك بالنسبةِ له, لم نطلب منهُ شيئاً أو نتمناهُ في يــومٍ إلا أحضرهُ.. حتى لو كان صعبَ المنال ولا أبالغ ُ إذا ما قلتُ أننا لو طلبنا لبن العصفور لأحضرهُ لنا.. لا أتذكر الكثير عن تلك المرحلة لكن الشيء الذي لا أستطيع نسيانهُ أبداً أننا كنا أسعد أسرةٍ في العالم حتى دخل علينا غراب البين الذي فـرق جمعنا, وحــطـم أمانينا, وقلب أفراحنا حُزناً, وسعادتنا بؤساً, وأحلامنا كوابيس.. ففي أول ليلةٍ جثم على الأسرة ضُربتُ لأول مرةٍ من والدي لسببٍ كنتُ أجهلهُ ولم أُدركهُ إلا بعد أعوام.. ذلك أني ظننت أن غراب البين هو الأم التي لم نسأل عنها أبداً.

رحلة البحث عن أم

كان ذلك ما بنيت على أساسه أحلامي وأمنياتي المستقبلية, فأردتُ أن أُداعبها كما يداعبُ الأطفالُ أُمهَاتهم!.. إلا أن النتيجة كانت أقسى من تـصور طفلٍ لم يجاوز الـتـاسعة…. حزَّ ذلك في نفسي كثيراً وأثـَّرَ فيها أيـُّما تأثير. وبَدَأتْ على إثرِ تلك الحادثة رحلة البحثُ والتفتيش عن الأم و السؤال عنها كأي طفلٍ حنَّ إلى صدر أمهِ واحتاج للحظةٍ حانيةٍ منها.

الهجرة إلى المجهول

وعلى رغم توقف الرحلات التي كنا قد اعتدنا عليها.. منذ دخول غراب البين على الأسرة إلا أني لم أسـتـقـر نفسياً ولو للحظةٍ واحده.. فقد كنتُ في رحيلٍ دائم مع الأفكار.. لِذا لم أعُد قادراً على البقاء في مكانٍ واحدٍ.. حتى ولو في نفسي!.. كان ذلك آخرُ ما قالهُ أحمد قبلَ أن يرتقي سلم الطائرة ليبدأ ترحالاً جديداً فرضها قدرهُ… وغربةً لعلها تطول وقد لا تنتهي!… تبدأ في عاصمةِ الضباب…ولا يَعلمُ أين تنتهي؟!!.

فيديو مقال غرابُ البين

 

أضف تعليقك هنا