الفكر التربوي هو نوع من الفكر العلمي والنظري الذي يدرس التربية وأثرها على المجتمع. يهدف الفكر التربوي إلى تحديد المعايير والمبادئ التي تدل على كيفية تربية الشباب والأطفال وإعطاءهم المهارات والقدرات اللازمة للمشاركة في المجتمع. يستخدم الفكر التربوي العديد من المنهجيات والأدوات العلمية لتحليل وتقييم البرامج والمنهجيات التربوية والمدارس وغيرها.
في العصر الحديث، قد أصبح الفكر التربوي واحداً من العلوم الإنسانية الأكثر اهتماماً وانتشاراً، وذلك لدوره الهام في تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية المستدامة. فإن الفكر التربوي يهدف إلى إعطاء الشباب العلوم والمهارات اللازمة للمشاركة في المجتمع وتحسين جودة الحياة للجميع.
وقام العلماء المسلمين باستنباط تلك الأسس من القرآن الكريم وسيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم- فقد كان خير معلمٍ لهذه الأمة، وقد ابدع علماء المسلمين في وضع أسس سليمة لأصول التربية من سيرته الشريفة وهذا ما نلاحظه فيما تم تناقله من العلماء الأجانب، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله-
أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه «المسند» من أشهر كتب الحديث وأوسعها.
نشأ ابن حنبل في بغداد وتربى بها تربيته الأولى، وقد كانت بغداد تموج بالناس الذين اختلفت مشاربهم، وتخالفت مآربهم، وزخرت بأنواع المعارف والفنون، فيها القراء والمحدثون والمتصوفة وعلماء اللغة والفلاسفة والحكماء، فقد كانت حاضرة العالم الإسلامي، وقد توافر فيها ما توافر في حواضر العالم من تنوع المسالك وتعدد السبل وتنازع المشارب ومختلف العلوم، وقد اختارت أسرة ابن حنبل له منذ صباه أن يكون عالماً بكل العلوم الممهدة له، من علم بالقرآن والحديث واللغة ومآثر الصحابة والتابعين وأحوال النبي محمد وسيرته وسيرة أوليائه الأقربين، وقد اتفقت هذه التربية أو هذا التوجيه مع نزوعه النفسي، وما كانت تصبو إليه همته من غايات، فقد وجهته أسرته إلى القرآن الكريم منذ نشأته الأولى فحفظه، وظهرت عليه الألمعية مع الأمانة والتقى، حتى إذا أتم حفظ القرآن الكريم وعلم اللغة، اتجه إلى الديوان ليتمرن على التحرير والكتابة، ولقد قال في ذلك: «كنت وأنا غُلَيم أختلف إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان وأنا ابن أربع عشرة سنة».
لا يعرف بين علماء الإسلام رجل أكثر صبرا على الأذى ومواجهة طغيان الفكر وصنمية السلاطين، ولا أكثر رسوخا في ذاكرة التاريخ، ولا أعمق رمزية من الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، فقد وقف في وجه التحالف القوي الذي أقامته المعتزلة مع ملوك بني العباس، وانتهى إلى استبداد فكري لا نظير له فيما عرف بعد ذلك بمحنة خلق القرآن، ليصنع بذلك واحدة من أهم معارك الفكر الإسلامي، وأقوى المواجهات بين المداد والعتاد.
كان الإمام أحمد على موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عمّ البلاء بها، وحمل الخليفة المأمون الناس على قبولها قسرًا وقهرًا دون دليل أو بيّنة. وتفاصيل تلك المحنة أن المأمون أعلن في سنة (218هـ = 833م) دعوته إلى القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات، وحمل الفقهاء على قبولها، ولو اقتضى ذلك تعريضهم للتعذيب، فامتثلوا؛ خوفًا ورهبًا، وامتنع أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح عن القول بما يطلبه الخليفة، فكُبّلا بالحديد، وبُعث بهما إلى بغداد إلى المأمون الذي كان في طرسوس، لينظر في أمرهما، غير أنه توفي وهما في طريقهما إليه، فأعيدا مكبّلين إلى بغداد. وفي طريق العودة قضى محمد بن نوح نحبه في مدينة الرقة، بعد أن أوصى رفيقه بقوله: “أنت رجل يُقتدى به، وقد مدّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك؛ فاتق الله واثبت لأمر الله”. وكان الإمام أحمد عند حسن الظن، فلم تلن عزيمته، أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته، فمكث في المسجد عامين وثلث عام، وهو صامد كالرواسي، وحُمل إلى الخليفة المعتصم الذي واصل سيرة أخيه على حمل الناس على القول بخلق القرآن، واتُّخذت معه في حضرة الخليفة وسائل الترغيب والترهيب، ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة، تؤيدهم فيما يزعمون، يقولون له: ما تقول في القرآن؟ فيجيب: هو كلام الله، فيقولون له: أمخلوق هو؟ فيجيب: هو كلام الله، ولا يزيد على ذلك.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :”إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب”، ويقول الإمام الغزالي –رحمه الله-: “من اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيماً وخطراً جسيماً” ونستنبط من الحديث الشريف ومقولة الامام الغزالي ضرورة اتصاف المعلم بالآداب والصفات الحميدة، نائياً بنفسه عما يحط من قدره.
لقد تحلى الامام بالخلق الإسلامي الرفيع قولاً وفعلاً، وتحلى في سلوكه بالقيم الرفيعة ليكون قدوة لغيره من العلماء من بعده، ومن آدابه وخصاله:
وأول هذه الأخلاق التقوى، حتى أنه كان يوصى تلاميذه بعبارة “الزم التقوى قلبك”، فالعلماء هم أشد خشية وخوفاً من الله، قال تعالى :” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.” (فاطر:28).
ومن أخلاقه الصدق، قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” (التوبة: 119)، وقد شهد أهل بغداد للإمام أحمد بالصدق عندما سئل الشافعي عنه، ومن صدقه أنه لا ينظر الى نصراني وفي ذلك قوله “لا أقدر أن أنظر الى من افترى على الله وكذب عليه”.
ومن أهم صفات الامام الصبر، وتحمل المشاق والمصاعب في سبيله، حيث أنه عند نفاد زاده ومتاعه في طلبه للعلم، كان يعمل بنفسه حتى يواصل الطلب، وحتى عند نفاد نفقته كانت نفسه عفيفة، كان يرفض أي صدقة من أصدقائه امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: “ازهد في الدنيا، يحبك الله، وازهد فيما أيدي الناس يحبوك”، وكان متواضعاً امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: “أن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد”.
واتصف الامام بالكرم والجود ومن إدراكه لمعنى الجود والايثار دون اسراف بقوله: “لو أن الدنيا حتى تكون في مقدار لقمة ثم أخذها امرؤ مسلم، فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفاً”، ومن أخلاقه اعراضه عن القول القبيح، فلا يقل إلا مذاكرة الحديث، وذكر الصالحين.
أي أن على المعلم المسلم اتباع آثر الصالحين في تدريسه للطلاب من خلال تعظيم نِعم الله عز وجل والتطرق والاستشهاد بحياة الرسول – صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه من الصحابة.
حتى تكون للعلم الفائدة المتوخاة، لا بد أن يقصد منه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يقصد منه حب الشهرة لمجاراة السفهاء، فلا يتنظر مديحاً أو ثناءً
حيث ترفع الامام عن عطايا الخليفة واعتبرها داء وأن المعلم طبيب ولا ينبغي لطبيب أن يجر الداء لنفسه، وفيه درس للمعلمين من بعده للابتعاد عن كافة الأمور التي تؤثر على أدائه مع الطلاب وتحيزه لطلاب دون غيرهم.
يوصي الإمام أحمد المعلم المسلم بضرورة الالتزام بالقيام بشعائر الله وحثه الطلاب عليها حيث ستجعله يرتقي بعلمه وفكره وأدائه العملي في العملية التعليمية لآنه سيضع مخافة الله في أدائه العمل التعليمي.
يوصي الامام أحمد بضرورة عدم مزاح المعلم في العملية التعليمية لكي يحافظ على احترام مكانة وقدسية الرسالة العلمية التي يقوم بها المعلم.
هنا يوصي الامام بضرورة تفرغ طالب العلم لاكتساب العلم حيث كان الامام زاهداً على نفسه في المأكل والمشرب من أجل ان يتفرغ لعلمه وعند نفاد زاده كان يعمل من أجل إكمال طلبه للعلم.
اهتم الامام أحمد بتنظيف ثيابه، وأكثر من العناية بنفسه، وبدنه وشعر رأسه، فهذا منهج تربوي عملي حيث أن المعلم قدوة للمتعلم فعليه أن يعطي انطباعاً له عن أهمية النظافة الشخصية من خلال قيامه بالاهتمام بمظهره أمام طلابه.
حيث أن الامام أحمد بن حنبل جلس للتدريس وعمره أربعون سنة ونستنج من ذلك أن من أهم خصال المعلم الجيد هو تمكنه من المادة العلمية التي سيقدمها للطلبة.
يرى الأمام أن على المعلم الاهتمام بجلسته، وهذه النقطة لأن المعلم في الماضي كان يجلس أمام الطلاب والطلاب يتلقون العلم مشافهة ويحفظون ما تحدث به المعلم وفي عصرنا الحالي على المعلم الاهتمام بكيفية وقوفه أمام الطلاب.
تناول الامام أحمد الزهد وبين معناه وبين زهد الأوائل من الأنبياء والصحابة، وفي كتابه “الورع” أجاب على عدة أسئلة مدللاً على بعض اجاباته من القران الكريم والسنة النبوية وقد وصفه ابن كثير بقوله:” لم يسبق الى مثله، ولم يلحقه أحد فيه”.
بدأ الامام أحمد بمعالجة النفس الإنسانية، فكان اهتمامه بالجوهر والداخل، ونقى النفس من الادران والفساد، ليتصل بالله عز وجل، فاعتبر الزهد هو طريق للآخرة كما واعتبر الزاهد افضل المؤمنين امتثالاً لما قاله عليه الصلاة والسلام عندما قيل له: “من يؤمر بعدك” قال: “أن تؤمروا أبا بكر رضي الله عنه تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا، راغباً في الأخرة”
إن جوهر الانسان هو قلبه فدعا الامام الى تطهير القلب، فالالتزام الامام بالتقوى لإصلاح القلب وتطهيره، وهي زاد المؤمن وراحة للقلب والبدن، لذلك فإن التربية السلوكية عند الامام بنيت على أساس التقوى، فلا بد أن يكون في حالة خوف وخشية دائمة من الله وهي تمام التقوى، ولكي يصل إلى تمام التقوى ابتعد الامام عن الشهرة، وحتى يبتعد الامام عن الشهرة ومزالقها التجأ في بعض الأحيان الى العزلة والخلوة فهي أروح القلب، فالخلوة تبعده عن مديح الناس لان مديحهم استدراجهم له، فكر الامام اللقاء لأنه يشغله عن أمر الآخرة.
اهتم الامام احمد بتوافر النية في طلب العلم، فالعالم المسلم يتحلى بتربية خلقية في طلبه العلم، ولا بد لطالب العلم من الخشوع والخشية لله وكان الامام يتشدد في إسناد الأحاديث المتعلقة بالحلال والحرام ويتساهل في إسناد الأدعية التي تتحدث عن الترغيب والترهيب.
لم يقبل الامام أحمد صلة السلطان وهداياه وابتعد عما له علاقة بأمواله وقد رفض الإمام الصدقات وابتعد عن كل مظهر من مظاهر الغنى معظماً الصبر على الفقر، فالغنى غالباً ما يجعل الإنسان يبطر وينسى نعمة الله عليه فيتنحى به عن الإيمان الحقيقي.
إن أكل الحلال هو أساس لاطمئنان القلوب وليونتها، ولا يسلم للإنسان الحلال حتى يكون هناك حاجز من الحلال بينه وبين الحرام، وكان الإمام أحمد يبتعد عن الشبهات فلا يطعم عياله إلا طيباً وترك الإمام اللبس تواضعاً، ففلسفة الإمام في الزهد الابتعاد عن الدنيا ولفظها من رئاسة وأموال متعففاً.
تشكل المناهج التعليمية دوراً كبيراً في العملية التربوية، فلا يستطيع المعلم القيام بواجبه دون معرفة المناهج التدريسية التي سوف يقوم بتعليمها وكانت المناهج مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية أو عن الصحابة أو تابعيهم.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد