نعم نحن نقرأ القرآن الكريم، نعم نحن نحفظ القرآن الكريم، نعم نحن نعتني بالقرآن الكريم، نعم نحن نقدِّس القرآن الكريم، كثيرةٌ هي “نعم” عن القرآن الكريم ، ومن أعظمها نعم نحن نسعى لفهم القرآن الكريم، لكن الملاحظ أن القلة هم مَن وُفقوا لذلك. نعم نحن نسمع الكثير والكثير ممن يرغب في فهم القرآن الكريم ويحرص على ذلك، والنادر مَن يدرك الطريق للفهم الصحيح، ومن أسرار ذلك الحرص على القراءة ابتغاء الأجر دون التركيز على المعنى والحِكم الربانية في هذا الكتاب المعجز.
وقبل الدخول إلى عالم القرآن الكريم لابد من قوانين وإرشادات عامة تعتبر الركيزة الأساسية التي تعينك -بعد الله – على فهمه والاغتراف من معينه الصافي، وبفضل الله جمعت مجموعة من القوانين المهمة والتي ستكون مفتاحاً لفهم القرآن، وبدونها سيكون الفهم صعباً وربما ملتبساً. وبعد النظر والتأمل لاحظت أنها تكون كثيرة وكبيرة، فاجتهدت في تلخصيها واخترت أهمها ودونتها هنا لتكون عقداً يسهل لبسه لكل راغبٍ في فهم كتاب ربه، والله أسأل ان تكون خالصة لوجهه، معينة لعباده على فهم كتابه، وإليك إياها:
كلنا نشأ في بيئة معينة لها عاداتها ومعتقداتها والتي نتشربها منذ الصغر ونتربى عليها ونؤمن بها ، وهي تصاحبنا فتلقي بظلالها على ما نقرأ من القرآن فنفسره أو نفهمه بناءاً عليها لا على ما يريده القرآن، نعم قد يتوافق الاثنان لكن القيادة يجب أن تكون للقرآن لا لغيره مهما كان.
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض هو تحريك العقل دون القلب أو العكس مما يسبب خلل في التوازن في فهم النص ما بين تفخيم العقل وتعظيم القلب، فالذي قال “أفلا يتفكرون” ويعقلون وغيرها هو الذي قال ” تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ” وهو الذي قال” إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ”. فنحن بين أربعة أصناف: تعطيل العقل والقلب والثاني تعطيل العقل وتشغيل القلب، والثالث تعطيل القلب وتشغيل العقل، والرابع وهو المطلوب تشغيل العقل والقلب.
وهكذا في بقية القضايا، والشاهد هو أنه لابد من جمع الآيات التي تتحدث عن الموضوع والنظر إليها بشمولية للخروج بالحكم النهائي، وإلا ستكون نظرتنا قاصرة بل غير صحيحه، وربما فاسدة ومنكرة، ومَن تأمل العديد من المحاورات والمناقشات يرى أن بعض المتحدثين يقتطع من الآيات من يوافق رأيه، وهذا ينطبق عليه ماذمَّه الله في كتابه حيث قال :” الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ” أي جزّءوه فجعلوه أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. ومن أخطر القضايا في هذا القانون قضية كسر الإلتباس أو رد الشبهات والتي تناولها القرآن الكريم بشكل بديع ولكن بجمع الايات في القضية الواحدة دون بترها أو فصلها عن بعضها.[3]
ومن صور الجمع أيضاً الحديث عن الصفات البشرية للممدوحين والمبغوضين أو للصالحين والطالحين، من أجل توضيح الطريق للسالكين ليجتهدوا في اكتساب سمات أهل الصلاح والفلاح وتجنب سمات أهل الطلاح والخسران. والمتأمل في القرآن سيدرك أنه يعرض صفات الفئتين بأكثر من مكان وبعدة أساليب، مما استدعى لطالبي تحقيق تلك الصفات جمعها من مواطنها المختلفة للخروج بالصورة الكاملة لأهل تلك المنزلة سواء في الفلاح أو الخسران.
فالمؤمنون والمتقون والمحسنون وغيرها من أهل الثناء في القرآن، تكرر ذكر صفاتهم في عدة مواطن، وهذا استلزم جمعها وتصنيفها تمهيدا للتخلق بها و الحصول على درجة أهل تلك المنزلة، وفي المقابل الكافرون والمنافقو والفاسقون وغيرهم من أهل الذم في القرآن ذكرت سماتهم في عدة مواطن، وهذا تطلب جمعها للسعي في التخلص منها إن وجدت أو عدم التخلق بها من الأصل. وسأكتفي بمثال واحد وهو صفات المؤمنين، ذكرت في القرآن الكريم في خمس مواطن وأربع سور، وفي كل موطن تذكر صفات قد تختلف وقد تتفق، والجدول التالي يوضح ذلك:
م | السورة | الصفات | ||||||
1. | الحجرات | آمنوا بالله ورسوله | لم يرتابوا | جاهدوا بأموالهم | جاهدوا بانفسهم | |||
2. | النور | آمنوا بالله ورسوله | يستأذنون | |||||
3. | الأنفال | آمنوا | هاجروا | جاهدوا في سبيل الله | آووا | نصروا | المؤمنون حقا | |
4. | المؤمنون | في صلاتهم خاشعون | عن اللغو معرضون | للزكاة فاعلون | لفروجهم حافظون | لأمانتهم وعهدهم راعون | على صلاتهم يحافظون | |
5. | الأنفال | وجلت قلوبهم عند ذكر الله | اذا تليت آياته زادتهم ايمانا | على ربهم يتوكلون | يقيمون الصلاة | مما رزقناهم ينفقون | المؤمنون حقا |
ومن اليقين أنك ستسأل ما السر في تغيير سمات المؤمنون من موطنٍ لآخر؟ اترك الإجابة لك لتطبق قانون “الملاحظة مفتاح”.
تذكر أن هذا التحدي قائم في كل سورة من سور القرآن كله (114 سورة). إنه النظم والسياق القرآني في صناعة الجمل من حيث الاختيار والتركيب والإبداع والبيان العربي الذي لايستطيع على مثله الإنس ولا الجن. ولمعرفة شيئ من هذا الإبداع لابد من التدريب على الملاحظة لكل النسق القرآني ابتداءاً من الحركات والأحرف ثم الكلمات والجمل ثم المقارنات في التعبير وغيرها كثير.
وهذا مقام يطول شرحه، فمثلاً قوله تعالى “عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ” وردت مرتين والملاحظة هنا أن القرآن الكريم استخدم حرف الباء وليس حرف من، والعادة أننا نعبر بالشرب بحرف من فنقول نشرب من، فما أسرار اختيار حرف الباء هنا دون حرف من[4]؟ وقد سطرت بعضه في كتابي: “مدكر”[5] و “ماسات قرآنية” يمكنك الرجوع إليها فهي مهمة جداً في هذا الباب، فبفضل الله جمعت فيهما أكثر من ثلاثين(30) اسلوباً مبنياً على الملاحظة.
فمن الخطأ الاعتماد على موطن واحد وبيان صفاته على أهل صفات المؤمنين وحدها، لكن جمعها بهذا الشكل يعطيك دلالة واضحة على عناصر الإيمان المذكورة في القرآن تجمعها وتنسقها لتخرج بحقيقة سمات المؤمنين[6].
تلك سبعة قوانين هي بوابة الدخول إلى العالم البديع عالم القرآن الكريم، والموفق هو الذي يجتهد في تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع، فيقرأ ويتدبر ويعمل لعله أن يحصل على تلك المنزلة الرفيعة التي أخبر عنها رسولنا الكريم ﷺ :”إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ ، من هُم ؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ“[7]
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وشفاء أسقامنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد