رسائل تربوية (الفجوة بين جيلي الآباء والأبناء)

لطالما لعبت الأسرة دورا أساسيا في تكوين ثقافة ومدراك الإنسان لعقود طويلة، بل ساهمت في تحديد معالم ومقومات السلوك الاجتماعي بما فيها علاقة الآباء والأبناء، ونذكر هنا قول الرسول- صلى الله عليه وسلم “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته“، فالرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها.

دور الأسرة في التربية

وظلت الأسرة في الأسرة تلعبان دوراً أساسياّ في تكوين مدارك الانسان وثقافته وتسهمان في تشكيل القيم والأخلاق التي يتمسك بها ويتخذها كمقومات للسلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء بالأبناء.

اما الآن فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة والألعاب الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي حل محل التكنولوجيا وتأثيرها على العلاقات الأسرية والحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة، وأدى إلى توسيع الفجوة والصراعبين الآباء والأبناء. فأصبح الأبناء أكثر انخراطاً مع وسائل التواصل المختلفة

هذه التحولات التقنية أفرزت تفاعلات جديدة للعلاقات الأسرية وأدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها و اضمحلت قيم التواصل الأسري و استبدل الأبناء الإنترنت بآبائهم كمصدر للمعلومات و فقدوا الترابط الأسري و التصقوا بالحوار مع الغرباء لدرجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة، و أدى إلى اتساع الفجوة بين جيل الآباء و الأبناء.

ومن خلال تجاربي الواقعية وبحكم وظيفتي كقائدة تربوية،وجدت أن أكثر شكوى الآباء من الأبناء هي الغالبة و المتصدرة، وهي في مجملها تدل على انفصام حقيقيّ بينالجيلين؛ مما أدى إلى فشل متعدد الأشكال في مواجهة الحياة أو العلاقات الاجتماعية أو التحصيل الدراسي .وهذه الفجوة بين الأجيال هي أمر طبيعيّ نتيجة عدة متغيرات انعكست على شخصية الفرد وهويته.

وفي البداية عزيزي القارئ دعني أصطحبك في جولة تعريفية لبعض المصطلحات المهمّة وأسباب ودوافع هذه الفجوة و كيف تؤثر على حياتنا اليومية والأسرية ورسائل مهمّة للتعامل معها.

جولة تعريفية :قبل أن ننطلق علينا توضيح المقصود ببعض المصطلحات المهمّة :الجيل :المجموعة الاجتماعية غير المحددة التي تمثل فترة معينة أو دورة تاريخية، وهو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن.

الفجوة بين الأجيال

وتعرف بالفجوة الجيلية أو صراع الأجيال، وهي الهوّة الفاصلة بين أفكار ومعتقدات وآراء جيلين أو أكثر، والتفاوت في المعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية والعرفيةوطرق التفكير، وذلك نتيجة تباين التطور والتقدم بين الأجيال مما ينتج عنه اختلافات سلوكية.

وتُعدّ الفجوة من أخطر القضايا التي تعاني منها المجتمعات بل هي سبب في تفكك أي مجتمع، والأخطر من ذلك أن هذه الفجوة لا تجعل أي ترابط ولا تقارب بين جيل الآباء والأبناء .وعلى الرغم من ظهور تلك الفجوة على مر الأزمنة والعصور إلا انها اتسعت وتباينت بشدة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين.

ما أسباب الصراع بين الأجيال؟

تتعدد أسباب ودوافع الفجوة الجيلية ونذكر منها:

معدل التغيير المتسارع

يعد معدل التغيير المتسارع في المجتمع أحد العوامل التي أثرت بشكل كبير على فجوات الأجيال، حيث كانت التطورات في المجتمع بطيئة في القرن التاسع عشر؛ لذلكعاش جيلان أو ثلاثة أجيال أنماط حياة كانت متشابهة جدا مع بعضها بعضا، فلم يكن هناك اختلاف كبير عبر الأجيال، ومع ذلك ، نظرا للتقدم التقني والاجتماعي الذي حدث في القرنين العشرين والحادي والعشرين ؛ أدّى ذلك إلى اختلاف جذريّ في أنماط حياة الأفراد .

التقدم التكنولوجي (التقني)

دعونا نتأمل كل التغييرات في التكنولوجيا التي حدثت في العشرين سنة الماضية، يواجه العديد من الأفراد من الأجيال الأكبر سنًّا صعوبة في مواكبة التقنيات الحديثة التي اعتاد عليها جيل الألفية ، وقد يعلّم طفل من الجيل الحالي شخصًا بالغًا كيفية استخدام التكنولوجيا .

الانفتاح العالمي ووسائل التواصل الاجتماعي

من العوامل المهمة والتي لها أثر كبير في الفجوة هو الانفتاح العالمي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي حيث تعاظم دورها في الآونة الأخيرة، فلم تعد تقتصر على كونها نافذة التواصل بين الأفراد، وإنما باتت تشكل أهم أدوات التأثير في تشكيل وتنشئة الجيل الرقمي وتثقيفه،واعتماد قيم ثقافية جديدة تختلف عن قيم الأجيال السابقة وأدى ذلك إلى اختلاف بين الأجيال.

الفجوة بين الآباء والأبناء

واحدة من أكثر الأطر التي تتجلى فيها الفجوة بين الأجيال بوضوح هي الأسرة، وإذا سلطنا الضوء في محيط أسرة واحدة عادية، سنرى الجدّ والجدّة اللذين ينتميان إلى جيل الطفرة السكانية، بينما ينتمي الأب و الأم إلى جيل الألفية وأخير الأبناء الذين ينتمون إلى الجيل الرقمي.

إن اختلاف مقومات كل فترة والأحداث المحلية والعالمية التي شهدها كل جيل تؤثر تأثيرًا كبيرًا في تكوين شخصيته،كذلك تشكل صفاته الفريدة التي تميزه وتؤهله لمواكبة عصره.

أسباب الصراع بين الأجيال في الأسرة الواحدة

القصور في فهم الاختلاف

تظهر فجوة الأجيال جليّة في الأسرة الواحدة بين الآباء وأطفالهم ، ليس فقط بسبب الاختلاف في العمر ولكن أيضا بسبب الطريقة التي يتفاعل بها الآباء مع موقف معين ، كون الأبناء صغارًا وشبابًا غير ناضجين لا يفهمون طريقة تفكير والديهم ، وتحدث هذه الهوة بسبب الآباء أنفسهم ، فهم لا يتحدثون مع أبنائهم ولا يشاركون في حل مشاكلهم مما يعطي هذا السلوك انطباعا بأن الآباء هم أشخاص ذووسلطة ، لا يميلون لفهم المشاكل التي يواجهها صغارهم ،

نتيجة لذلك ينفر الأبناء من والديهم ويصبح الأبناء معزولين عقليا عن والديهم ، ينشغل بعض الآباء بأعمالهم لدرجة انهم لا يقضون وقتا ممتعا مع أسرهم ، مما يجعلهم غير مدركين تماما كيفية نمو أطفالهم وتكوينهم العقلي ؛ مما يؤدي إلى خلق فجوة كبيرة بينهما لا يدركونها إلا بعد فوات الأوان.

التسامح مع أخطاء الأبناء

التسامح قيمة سامية تعزز الثقة بالنفس وتساهم في بناء شخصية سليمة متوازنة، ولكننا نجد أن بعض الآباء لا يتسامحون مع أخطاء أبنائهم ويميلون إلى معاقبتهم في حين يحتاج الأبناء إلى الأخطاء ليتعلموا الصواب وتنمو تجاربهم الحياتية. إن معاقبتهم كلما أخطأوا دون فهم احتياجاتهم إلى ذلك هو بداية لخلق ذلك الصراع بين الأجيال وتناميه المطّرد.

الرغبة في نسخ متماثلة

يرغب العديد من الآباء في تنشئة أبنائهم ليصبحوا نسخًا منهم معتقدين أن أسلوب مواكبتهم عصرهم هو ما ساعدهم على النجاة وتحقيق ذواتهم، ظانّين في أنفسهم الكمال ويرغبون في خلق نسخ من نجاحهم، متجاهلين متغيرات عصر الجيل الرقمي.

المقارنات اللامحدودة

حين يقارن الآباء بين أبنائهم عندما كانوا صغارًا أو بأقرانهم وزملائهم يعتقدون أنهم يحمّسون صغارهم ويحفّزونهم ليخرجوا أفضل ما لديهم، والحقيقة أنها أقصر الطرق لفقدان الأطفال ثقتهم بأنفسهم وتحجيم ذكائهم وتشكيل عقد نفسية وخلق فجوة كبيرة بينهم وبين أبنائهم.

رسائلي لكم أيها الآباء

لا توجد مشكلة دون حل، المهم هو أن تفهم وجودها وتسعى إلى حلها.وبعد أن استعرضنا عزيزي القارئ أسباب الصراع المتزايد. إليك رسائلي لتقليص الهوة والتعايش بين الأجيال المختلفة:

  1. كن ذا ذهن منفتح ومتفهم وما يعد خطأً أو غير مقبول في فكرك، ربما أصبح مقبولا الآن! فقط تقبّل اختلاف طريقة تفكير أبنائك وشجّعهم على التعبير عنها دون خوف.
  2. كن مستمعًا جيدًا.. خصص وقتًا للاستماع لأبنائك ولآرائهم وأفكارهم، فذلك يعزز ثقتهم بأنفسهم، ويقلل شعورهم ببعد آبائهم الفكري والجسدي عنهم.
  3. كن محبًّا لهم بغير شروط أو قيود، فالحبّ الحقيقي ّغير مشروط لقواعد أو تعليمات، إنما هو وسيلة لعبور الحواجز وتآلف الناس فأظهره لأبنائك، وشجعهم على إظهاره لك في المقابل، فذلك يخلق جسرًا قويا يعبرون به تلك الفجوة بين الأجيال.
  4. كن متقبّلا لمتغيرات العصر ومحاولا لمواكبتها ومُوجدا لحلول وسطية يشعر فيها جميع الأفراد بأنفسهم وعدم تخلّيهم عن حقيقتهم أو شخصياتهم منطقة وسط ليشعر فيها الجميع بتقبّلهم آباء وأبناء دون إصدار أحكام.
  5. كن مُحاورًا جيدا وافتح حِوارًا بنّاءً بينك وبين أبنائكيتسم بسمة الطرفين (مرسِل ومستقبل) لا مرسِلَ فقط ،يكون حوارًا متبادلًا بينك وبينهم ، وليس مجرد نصائح تلقيها عليهم.

هكذا سنتجاوز الصراع المتفاقم والمتسارع بين الأجيال ونبني جسورًا متينة من التواصل والعلاقات القوية الحقيقية عبر العصور وبذلك نسدّ الفجوة العميقة بين الأجيال المختلفة. ختاما عزيزي القارئ: عليك التحلّي بالحبّ الحقيقيّ والصبر والفهم المتفتح لتردم اتساع الفجوة بين الأجيال وتحمي أبناءك من الأخطار الخارجية المحدقة بهم.

فيديو مقال رسائل تربوية (الفجوة بين جيلي الآباء والأبناء)

https://youtu.be/MqCmbQMhjVM

 

أضف تعليقك هنا