كلمات العجوز

بقلم : أميمة سعيدي

كُنتُ عَائدة مِن الكُلِية، المِحْفَظَةُ بِيدِي..رِجْلايَ تَسلُكانِ نَفسَ الطَرِيقِ، تَمّرانِ حِذوَ العُجُوزِ التّي لاَ تَمْلكُ مِن حَيَاتِها سِوى قِطَتّين وَ سَقْف، وَ تتَوقَفانِ كَالعَادةِ. يَنْطِقُ لِسانِي بِعِباراتٍ وَدُودَةٍ.أسْتَمّرُ فِي مَسِيري إِلى أنْ أصِل إلى مَحطّة ‘الحافلات’. أتّوقَفُ هُناكَ.

قصة الفتاة والعجوز

بَالِي لاَ يَزالُ عِند تِلك العَجُوزِ، لأنّنا رُوحَانِ اِخْتارتَا العَيْشَ كَيْ لاَ يَمُوت الظَلامُ. لِذَلكَ هِي ظّلتْ وَحِيدةً تَحتَ سَقفٍ مُتصَدِّعٍ وَ أنَا لَمْ أحْمِل مِن الحَياةِ سِوى الحُطامِ.

كَانتْ دَائِمًا تَقُول لِي: بُنيتّي أنتِ شَابةٌّ.. كَيْف لَكِ أن تَكُوني حَزِينًة إلَى هَذه الدَرجَة؟ كُنت أبْتَسمُ دَائِمًا عِندَمَا تَقُول هَذه الكَلِماتِ، لَكِنّي لَمْ أُجِبهَا لِمَرّةٍ، بَلْ أظّلُ أُدَاعِبُ قِطَتّيهَا إِلَى أنْ تَنْزِف يَدِي: لَطَالمَا كَانَتَا تُحِبّان عَضّ أصابِعِي، وَ لَطَالمَا كُنتُ أحبّ الألَم..فِي النِهايَة، كُلّنا يجنِي شَيئًا مِن الٱخَر.

ما سبب الحزن الذي تعيشه الفتاة؟

اليَومَ، لَمْ أُداعِبهُما..لَم أستَطِع النَظَر إِليهَا حَتّى. قَالتْ لي: بُنيتّي..بِكِ شَيءٌ غَرِيبٌ اليَومَ. الدُموعُ التّي تَشّقُ خَدّيكِ..لَم أرهَا يَوْمًا. هَذه الحَشرجَةُ فِي صَوتِكِ وَ هَذا الوجعُ البَارزُ الذّي اِفترَسَ عينيكِ.. مَابِكِ؟ تَكلّمي أرْجُوكِ.

تأخر الفتاة عن المنزل

أنْظُر إلى السَاعَة التّي بِيدِي، إنّها تُشيرُ للخَامسة مَساءً. كُنتُ قَدْ أخبَرتُ عائلتي عَلى الهَاتِف أنّي سَأتأخَرُ قَلِيلاً. أوْصونِي أنْ أعتنِي بِنفْسِي، لَكِنّ كِلينَا يَعرِفُ أنّي لاَ أفْعلُ ذَلك مُؤخَرًا. الحَافلَةُ تأتِي تَقريبًا بَعد عَشر دَقَائِق. نَظرتُ أمامِي؛ كُلّ مَقاعِد الإنتِظارِ شَاغِرة فَقررتُ أنْ أجْلس قَليلاً. كُنتُ أحاوِل إلهاءَ نفْسي كَيْ لاَ أتّذكَر .

حَاولتُ أنْ أنظُر إِلى الأُفق الذّي اِمْتزجَت فِيه ألوانُ الغَسقِ بِزُرقَة السَماءِ، لكِن كُلّما اِمتّد فِكْري هُناك، يَشّدنِي الصُداعُ إلى الأرْضِ مُجَدَدًا. حَاولتُ أنْ أُراقِب الأطْفالَ الذّينَ يَركُضُون عَلى رَصِيف الشَارع. كَانت ضَحِكاتُهم تَمْتَزِجُ بِضَوء الشَمْس الخَافِت بَاحِثة عَن الحَياة، لكن كُلما اِبتَسمْتُ مَعهُم كَانَ قَلْبي يَطْعنُ ضُلوعِي فَتخْرُج حَشْرجةٌ عِوض الضَحكة.

انهمار دموعها

فَشلتُ فِي عَدم التَفْكير.. فَنزلَت دُموعِي مُجَددًا بِصمتٍ؛ مِن الجَيّد أنّي أحْمل قِناعِي الوَاقِي، لِذلكَ لَمْ يَلحَظ أحَدٌ مِن المَارّة شَيْئًا.. –مثلما تقرأ أنت الآن –.

تَمّر العَشرُ دقائق..

لنْ أحتَملُ هَذا الصُداع أكثَر.

لَمْ أعُد أريدُ شَيْئًا.

سَئمتُ التفكيرَ لأنّه لاَ يَحْملُ مَعهُ سِوى الألم.

الوحدة التي تسلب الروح

سَئمتُ الوِحدةَ لأنّها تَسلِب، فِي كُلّ مرّة، الرُوح التّي يَنجَذبُ لهَا قَلبِي.

كُلّ مَا أرِيدُه الٱن هُو أن تأتِي تِلك الحَافِلةُ لأنّي لن أستَطيع الوُقوف مُجَدَدًا وَ لنْ أسْتطيع البَقاء.

الٱن أتذكَرُ كلِمات العَجُوز التّي كُنت أبتَسمُ لهَا..هِي الأخُرى صَارت تُحزنُني أكْثر.

كُل مَا يُمكنُني قَولُه هُو أنّه عليّ العَمل عَلى تَسويةِ الكَثِير مَع نَفسِي..

حَتّى ذَلك الوَقت، لَن يَكتُب قلمِي حَرفًا…

بقلم : أميمة سعيدي

 

أضف تعليقك هنا