طوفان التفاهة _سخافة عامة

نحن حاليًا نتعرض إلى طوفان لم يمر علينا من قبل، يسمى (طوفان التفاهة) لِما يحمله من سخافة عامة على جميع الأصعدة دعت إلى دمار أخلاقي وثقافي للفرد وللمجتمع، وجميعنا دون استثناء يسبح في ذاك الطوفان بكل قوته، إلا أن الكثير من الأشخاص يبحرون مع التيار وربما سبقه، أما الباقي القليل ما يزال يقاوم ما وصل إليه من تفاهة، محاولًا ألا ينجرف مع التيار الجاري.  

مَن يملك مالًا أكثر يكون ناجح أكثر!

الاعتقاد السائد بأن المال هو المعيار الأول للنجاح، دفع فئة كبيرة من الشباب إلى الاتجاه نحو صناعة التفاهة، كونها الوارد الأقوى في الوقت الحالي على الكسب السريع، وبمجهود لا يقارن به مع أي مجهود يفعله المرء وهو يعمل لساعات طويلة في وظيفة ما أو في حرفة معينة تتطلب بذل جهد كبير.

هناك مَن يهز كرشه فقط لعشرين ثانية في اليوم، ويكسب مئات الآلاف من الدولارات شهريًا، ولديه الملايين من المتابعين على مواقع التواصل جمعهم في فترة وجيزة، بالإضافة إلى الدعوات التي يتلقاها لهز كرشه في المطاعم الفاخرة، والشركات الكبيرة ذات الاسم اللامع!

هذا الشاب البسيط الذي كان يعمل فلاح في حقل لزراعة البطاطا، اكتشف موهبته التافهة في هزّ الكرش أثناء عمله، وقام على تصوير مقطع لا يتعدى الدقيقة، ثمّ نشر الفيديو للحصول على المرح لا أكثر، وإذ طاقة الأرباح فُتحت له من أوسع أبوابها بأسرع وقت، فدخل عالم الشهرة من خلال عمل تافه لاقى إعجاب شريحة كبيرة من المجتمع، عادت له بمردود خيالي لا يحلم به لو عمل بكد وتعب طوال حياته!

ومثله الكثيرون الذين يقومون على نشر التفاهة مقابل أرباح مالية تأتيهم عبر البث المباشر، من خلال إقامة تحديات خطيرة، ونشر يوميات عائلية خاصة لا تمت للمحتوى الهادف بأي صلة!

بينما غيرهم مثلًا ما يزالون يعملون في مكان العمل ثمانية ساعات بكد وجهد، وقد تصل أحيانًا إلى عشرة ساعات أو أكثر، وربما يكون العمل في ظروف سيئة، وتحت ضغوط مختلفة من كافة المستويات، ينتظر الشخص الكادح منهم الراتب آخر الشهر لينفقه على ضروريات الحياة، وقد يستدين مبلغ من المال إذا احتاج الأمر من أجل سد حاجاته العائلية وغيرها…. 

كل عشرة منشورات تافهة واحد هادف!

أينما توجهنا هناك ما يدفعنا إلى مشاهدة التفاهة، ففي كل وسائل التواصل الاجتماعي ترى التفاهة حاضرة بقوة، سواء من حيث المحتوى الغير المفيد، أو الصور المنشورة التي تحاكي المستوى الضئيل من التفكير، تشعر من خلالها أنك أغبى الأغبياء، والغريب في الأمر أن التفاعل وعدد التعليقات والمشاركة على مثل تلك المنشورات تفوق أي منشور علمي أو ثقافي هادف! 

للأسف نحن من يجعل تلك الفئة التافهة تستمر في صناعة التفاهة وتصديرها لنا، وهم يحصدون الشهرة والأموال! نحن نعيش عصر التفاهة شئنا أم أبينا، بحيث قامت مواقع التواصل المختلفة على تسريع  انتشار الأعمال التفاهة، وفرضها علينا لرؤيتها أينما توجهنا! مع كل منشور هادف تراه عليك أن ترى عشرة منشورات تافهة، وإن تعثرت بأحد المنشورات الهادفة تتساءل مع نفسك مندهشًا: من أين لي بهذا؟! 

هناك خطأ في المنظومة الاجتماعية في البلاد العربية، حيث مع تتابع الأجيال طاف التفكير التافه على التفكير الثقافي والعلمي، وبات الشخص المثقف، الجاد والملتزم يطلق عليه صفة ذو تفكير قديم رجعي، بينما أصحاب المحتوى التافه الذين نراهم على مواقع التواصل باتوا ذو شأن وحضور لافت، بالرغم من عدم وجود أي فائدة أو منفعة فيما ينشرونه على المنصات!  

التفاهة في كل مكان

هنالك الكثير من القنوات والصفحات متخصصة للأعمال التافهة التي لا قيمة لها، هدفها تضليل العقول وتشويش الأفكار، من خلال القيام بعملية تشجيع جماعي لممارسة مثل تلك الأعمال، وحثّها على الأفعال التافهة لما تجنيه من أرباح مالية، الغاية من ذلك كله هدم البنى الأخلاقية والعلمية لمجتمع بأكمله، وجعل الحياة بلا ضوابط أو موانع سواء كانت دينية أو أخلاقية، لتسود فيما بعد الفوضى الاجتماعية والانحلال الثقافي، ثمّ ينعدم الإبداع وتموت الاختراعات رويدًا رويدًا، فتتلاشى الحضارات مع مرور الزمن.   

إنه لأمر مؤسف أن تقوم وسائل الإعلام أيضًا بالتركيز على التفاهة من خلال إعداد وتقديم برامج ومسابقات لا يزيد على المشاهد أي معلومة ثقافية أو علمية! مما يسبب تثبيت ثقافة التفاهة في عقول أطفالنا، وزرع بذورها في أفكارهم، فلا عجب إن نما جيل كامل من الشباب على عدم اللامبالاة في أمور الحياة، والاستهزاء من كل ما هو جدّي سواء في مجال العمل أو الدراسة!

خدمة المجتمع واجب وطني

ثمة أسئلة تتكرر إلى الأذهان: ما الذي يقدمه صاحب المحتوى التافه للمجتمع الذي يعيش فيه؟! ما الأشياء المفيدة أو الأمور التي يقدمها في حياته تصلح لأن تكون ذو مردود نافع؟ كل واحد منّا عليه واجب تنمية شخصيته على مبادئ جيدة وأخلاق فاضلة، وتقديم الإفادة له ولغيره، والسعي الدائم وراء المنفعة المشتركة لبناء عقول سليمة من شأنها مواجهة تحديات العصر، عبر التغلب عليها بالعلم والمعرفة.   

يبقى صاحب المحتوى التافه مجرد من أي قيمة اجتماعية أو بعيد عن أي مستوى ثقافي رفيع، مهما بلغت ثروته المالية وشهرته بين الناس، سيبقى مثله مثل البهلوان الراقص، يفتعل المقالب وينشر السخافة كي يحصل على ما يريد من مال، ولا بد من يوم يأتي ويكتشف فيه أن تلك الشهرة رخيصة من الناحية المعنوية، وذاك النجاح مزيف لا قيمة له، والاسم الذي صنعه لا يمكن توريثه لأولاده، فيحل الندم على عمرٍ أضاعه بعيدًا عن التحصيل الدراسي أو العمل الجاد، لينتهي به المطاف خالي الوفاض من أي مكانة اجتماعية لائقة.

توقفوا عن صناعة التفاهة!

 هذا الغزو الخطير الذي نتعرض له علينا محاربته بالتدخل السريع للقضاء عليه والتخلص منه، علينا كأفراد بالتوقف عن التفاعل  أو مشاركة المحتوى التافه، والتبليغ عن أي منشور سخيف يمر أمامنا، وعلى الجهات المختصة سن العقوبات وفرض غرامات مالية باهظة على كل من يحاول الترويج للتفاهة أو التشجيع على نشرها.  

ولقد بدأ بالفعل كل من المنظمات الاجتماعية والثقافية في  أستراليا وأوروبا وأمريكا، رفع شعار (توقفوا على جعل الأغبياء والحمقى مشاهير) عبر دعوة الناس على القيام بتجاهل كل محتوى تافه يُنشر على الانترنت، وعدم متابعة أو تقليد أي عمل لا يعود بالمنفعة الشخصية أو للمجتمع على حدٍ سواء.  

بالرغم من التطور التقني والتكنولوجي الذي وصل إليه العالم، نحن نتراجع إلى الخلف بعقود بدلًا من استغلال ذاك التطور والمضي قدمًا! لقد آن الأوان خلع رداء التفاهة هذا! لأنه في الحقيقة لا يليق بنا نحن أصحاب الحضارات القديمة التي أشرقت على البشرية، والاكتشافات الطبية والعلمية المهمة التي ما تزال معتمدة إلى وقتنا الحاضر، ونحن أصحاب المخطوطات الأدبية والكتب الفلسفية من عصور مضت، حين كانت القارة الأوروبية تغرق في عصر الانحطاط والظلمات.

فيديو مقال طوفان التفاهة _سخافة عامة

 

أضف تعليقك هنا