سيحدث الله بعد ذلك أمراً

إعصار اجتاح القرية وبدل أحوال أهلها

إحدى القرى الواقعة على مقربة من شاطئ البحر، حيث يسكنها أغنى اغنياء البلد، بيوت فاخرة، وأبنية عامرة، في وسط رفاهية العيش ورغد الحياة، وعندما كانوا يستمتعون بوجبتهم الصباحية عند الشاطئ، تراءت لهم غيمة سوداء عظيمة، وسكون مخيف، سكن البحر عن الحركة، وتوقفت الريح فجأة، كل العصافير طارت بعيداً، حتى القطط والكلاب بدأت تتقلب خوفاً وهلعاً، الناس وقفوا حيارى، وتركوا أكلهم ومتاعهم وانسحبوا إلى بيوتهم، ما كانت إلا لحظات حتى انقلب السكون إلى ريح عاصف، والماء فار من فوره وكأن تحته ناراً جعلته يغلي بلا هوادة، وفي لمح البصر إعصار لا يبق ولا يذر اجتاح القرية، صيرها أعواداً كأعواد الثقاب المتطاير، ولكن رحمة الله أمهلت اهل القرية دقائق معدودات ليفروا بأنفسهم من هذه المصيبة الكبيرة.

سارة من فتاة غنية إلى فقيرة محتاجة

سارة ابنة أحد أغنى تجار هذه القرية، وجدت نفسها وأهلها وخدمها على ظهر سيارة حمل عسكرية، أخلتهم إلى مكان بعيد عن قريتهم المنكوبة، وجدت نفسها كسائر أولئك العاملين عندها، تغطي نفسها بغطاءٍ كغطاء خدمها، وأثناء جلوسها على ظهر إحدى تلك المركبات العسكرية، لاحظت أولئك الخدم يحملون جوازات سفرهم وأموالهم معهم، بينما كل أهل القرية ضاعت أموالهم في وسط العاصفة، وكأنهم خرجوا أفضل حالاً منهم، فقراء الامس اصبحوا ميسوري الحال، والاغنياء تعلوا وجوههم نظرات الحسرة والخسارة، وبعضهم مات حسرة على ما ضاع من أمواله في هذا الإعصار المفاجئ.

التجاء سارة إلى منزل أحد الأغنياء

أبوها نقل إلى المستشفى لأنه أصيب بذبحة صدرية، لم يسطع تمالك نفسه وهو يرى خسارته الفادحة، الخدم ذهبوا إلى سفاراتهم ليعودوا لأوطانهم غانمين وفائزين، ومن تبقى من أهل هذه القرية المنكوبة كانوا ينتظرون وصول المساعدات، كمنظمات المجتمع المدني، أو الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر، ولكن تأخرت عليهم تلك المساعدات، وكان الجيش قد أوصلهم إلى منطقة زراعية كبيرة، تجمعوا امام سياجها الممتد على طول البصر، وكأنها جمعت الافقين، وكان لها باب كبير جداً، وما مضى على وجودهم إلا نصف ساعة، واذا بهذا الباب الكبير يفتح، ويخرج منه مزارعون جاءوا مع آلياتهم وسياراتهم يحملون الطعام والفراش، وكان يتقدمهم محمد مالك هذه الأرض الزراعية، أدخلهم إلى مزرعته، أفرغ لهم مستودعاً بالكامل، جهزه بكل ما يحتاجونه، ووقف في خدمتهم.

من يكون الغني الذي لجأت إليه سارة؟

لم يكن محمد يعلم من هؤلاء أو من أي مكان، لكنه كان يعلم بأن قريتهم قد دمرت لما ضربها الإعصار، وهم الآن بلا مأوى، ولم يعلم أيضاً بأنهم علية القوم، وإنهم من الأغنياء، وكانت سارة في تلك اللحظات تنظر اليه كثيراً، ولكنها لا تعرف لم تنظر إليه هكذا، ولماذا جذب انتباهها، وكأنها تعرفه منذ مدة طويلة.

محمد وأثناء تجواله لقضاء حاجات ضيوفه المنكوبين، تقدم نحو سارة وهو يحمل بيده كوباً من القهوة، قدمه لها بكل لطف، فاعتذرت منه وكانت تنظر إلى الأرض، فتركه على مقربة منها، وقال لها “إنه كما تحبينه، قهوة مرة مع بعض الحليب المخفوق”، وابتعد عنها، رفعت رأسها وحملت الكوب، وتذوقت القهوة، فكانت كما تحب، قامت ولحقت بمحمد، نادت عليه واوقفته، وقالت له ” أنا أشعر بأني أعرفك منذ دخلت مزرعتك، لكني لا أتذكر اين التقينا، وكيف لك أن تعرف قهوتي المفضلة؟ من أنت؟”.

صدمة سارة بمعرفة هوية صاحب المنزل الغني

تبسم محمد وتركها وسار عنها بعيداً يتفقد باقي الناجين، وبقيت في مكانها واقفة بلا حركة، تبعته إلى حيث يسكن، كان بيته كبيراً جداً، ووجدت زوجته تقف عند باب القصر تنتظر زوجها محمد، فاستقبلتها برحابة صدر، وأدخلتها إلى الدار، هناك رأت سارة صورة معلقة بالقرب من شجيرات مزهرة جميلة، توجهت نحوها وكانت هناك الصدمة الكبيرة، التفتت فوجدت محمد وزوجته واقفين خلفها مع ابتسامة طيبة، قالا “نعم يا سارة نحن زملاؤك في سنوات الدراسة الجامعية”.

بعدها استرسلت زوجة محمد بالكلام ” نعم يا سارة، لا تستغربي هكذا، انه محمد الذي لم تقبلي به زوجاً لأنه فقير، لم يكن يعلم أنك بهذا الغنى وقد تندم على تصرفه، كان يريد الارتباط بفتاة يحبها وتحبه، لم يكن في باله الأموال، كان يريد فقط امرأة تحبه لذاته”.

الرجل الغني هو ذاك الذي كان صديق سارة الفقير

بعدها سارت بها نحو صالة الضيوف وأجلستها، وجلست أمامها، حيث سارة ما زالت مصدومة، ثم امسكت زوجة محمد بيده، وقالت لها “بعد ان رفضت محمد، أصبحنا اصدقاءً مقربين، لكنه لم يكن يعلم ان ابي يملك نصف هذه المقاطعة، كان يظن أنى من طبقة كادحة كما هو، وفي أحد الأيام، تعرضت لحادث، وكنت بحاجة الى متبرع بكليته، ولم نجد في وقتها، وظن محمد أن عائلتي لا تملك المال الكافي لشراء الكلية، فتبرع بكليته لي مجاناً، قال لي هذا ابسط ما يقدمه الأصدقاء لبعضهم، نحن الآن نعيش بكلية واحدة، كليتيه إحداهما عندي والأخرى عنده، قررت أن أتزوجه، وأقبل بشرطه بعدما علم من أنا ومن هو أبي، كان شرطه أن نشق طريقنا بأنفسنا، ولا مانع من قبول مساعدة ابي”.

“محمد اليوم يا سارة يملك نصف المقاطعة الآخر، أنت الآن في أملاك محمد الفقير، لقد اعطى كليته لي لأنه كان صادقاً بصداقته، ولم يكن يفكر في الزواج مني، كان يخشى أن أرفضه لأنه فقير كما فعلتي أنتِ من قبل، ولكن الله أبدله عن فقره بالغنى، كان دائماً يقول لي أنه مؤمن بأن الله سيحدث بعد ذلك امراً، وسيأتي ذلك اليسر بعد العسر”.

عادت سارة الى فراشها المتواضع في ذلك المستودع، تنتظر مصيرها، وبعد مرور عدة أشهر عادت طارقةً باب محمد، ترجوه أن يوظفها عنده، فلم يبق لها لا مال ولا تأمين، حتى زوجها هجرها وطلقها، لأنها لم تعد غنية، ولكنها وجدت باب محمد الطيب مفتوح، وهو يشجعها ويقول لها “سارة، لا تخافي ولا تقلقي، سيحدث الله بعد ذلك أمراً”.

فيديو مقال سيحدث الله بعد ذلك أمراً

 

أضف تعليقك هنا

نجم الجزائري

السيرة الشخصية:
نجم عبد الودود الجزائري، ولدت في العراق في محافظة البصرة عام 1980، من ابوين عراقيين، حصلت على شهادة الدبلوم في تقنيات الهندسة المدنية عام 2000، وفي عام 2007 حصلت على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة البصرة، وظفت في جامعة البصرة وما زلت اعمل فيها.

مهاراتي:
* اجيد استخدام الحاسوب وصيانة الحاسبات
* اجيد استخدام البرامج الخاصة بالطباعة والتصميم والرسم الهندسي
* اصمم مواقع الكترونية بسيطة
* كاتب مقالات عامة
* اجيد تصميم البرامج الحسابية وقواعد البيانات باستخدام برامج المايكروسوفت اوفيس
* اجيد فنون الدفاع عن النفس واستخدام السلاح الابيض والخفيف والمتوسط
*