التطبيع في حياتنا اليومية

التطبيع الاجتماعي من أخطر أنواع التطبيع  

تتناقل كلمة تطبيع في الأخبار وعلى مواقع التواصل المختلفة بشكل شبه يومي، ومع ذلك تصيبنا تلك الكلمة بالرهبة والضيق كلما مرت على مسامعنا، بالرغم من أن مفهوم الكلمة ليس مرعبًا! لكنه ارتبط بتطبيع العلاقات السياسية التي تحصل بين البلدان المتنافرة.. إلا أنه حاليًا لسنا بصدد الحديث عن هذا النوع من التطبيع، فهناك أنواع عديدة للتطبيع تكاد تكون مرعبة أكثر من التطبيع السياسي، وأولها التطبيع الإجتماعي.

كلمة التطبيع بمفهومها العام مشتقة من طبيعي، وهو جعل أو تحويل الأمور من شكلها الغير طبيعي إلى الشكل الطبيعي في الحياة.. وبحسب ما نراه على أرض الواقع يوجد شكلان للتطبيع، وكل شكل له اتجاه عكس الآخر بصورةٍ أو بأخرى، وهما لا يتشابهان مع بعضهما إلا بماهية العمل، أي فقط المهمة واحدة وهي جعل الأمور طبيعية من خلال ممارستها بشكل طبيعي بعدما كانت غريبة وغير متداولة.

التطبيع الإيجابي للحصول على أفضل النتائج

الشكل الأول من التطبيع هو تطبيع إيجابي، ولعلّ أبرز ما مرّ من تطبيع إيجابي على البشرية جمعاء من خلال مجمل التغيرات التي شهدها سكان الكرة الأرضية عند اجتياح جائحة فيروس كورونا على أغلب دول العالم  في بداية فصل الربيع لعام  2020 فقد بات من الطبيعي أن تبقى الناس في بيوتها بعد فرض القيود على الحركة العامة بمختلف أنواعها، وحظر التجوال في الأماكن المزدحمة، ووضع القناع الطبي لتغطية الأنف والفم لمنع انتقال العدوى فيما بينهم، بالإضافة إلى تحويل بعض النشاطات الجماعية إلى نشاط فردي يقوم به الفرد لوحده في المنزل سواء كان العمل المكتبي أو الدراسة عن طريق التعليم عبر الإنترنت، بعدما كانت كل تلك الأمور من الأشكال غير الطبيعية إن حصلت مع أفراد المجتمع قبل تفشي الوباء.

الحقيقة هناك الكثير من الممارسات هي من الأمور الطبيعية بصورة عامة، إلا أننا أحيانًا نقوم بها أو نحاول القيام بها تحت بند التطبيع الإيجابي… أبرزها التطبيع في الحياة الصحية (ممارسة الرياضة- ترك عادة التدخين- الأكل الصحي- الهدوء النفسي…) فأنت مثلًا عندما تجعل من رياضة المشي أمرًا طبيعًا بالنسبة لك تمارسه كل يوم حتى لو كان بضعة دقائق فذاك تطبيع إيجابي، أي أنك قمت بتحويل رياضة المشي من أمر غير طبيعي إلى أمر طبيعي في حياتك الخاصة.

التطبيع السلبي يبدأ بالسير وراء القطيع

الشكل الثاني من التطبيع هو تطبيع سلبي، حيث يبدأ هذا الشكل من التطبيع بالسير وراء القطيع تحت مبدأ السباحة مع التيار! وأبرزه يتواجد في قضايا اجتماعية مهمة جدًا، ولا بد من التدخل السريع ومعالجة الأمر كونه يحمل مخاطر فادحة بدأت بظهور نتائجه في وقتنا الحاضر… مثال عنها الأعمال التي تتبنى السحر والشعوذة والتي باتت منتشرة بشكل مرعب وواضح في المجتمعات كافة، حتى وإن كان التعامل معها بشكل سري يوجد فئة كبيرة من الناس ومن جميع الطبقات الإجتماعية يؤمنون بها على أنها الحلول لمشاكلهم والتعامل بها من الأمور الطبيعية! 

أيضًا للأسف الشديد هناك ظاهرة طفت على وجه العلاقات الإجتماعية غزت عالمنا الإفتراضي وسارت نحو التطبيع بلا توقف كونها سهلة وسريعة الانتشار، المنشورات التي تقوم على  تشويه المبادئ المختلفة وتحويلها إلى فكر موحد ألا وهو اللامبالاة على جميع الأصعدة… مثال عليها المنشورات التي تستهدف المرأة لتقوم بالتمرد على مهمتها الأساسية في رعاية الأسرة من خلال تمرير عبارات الأنانية وحب الذات بشكل مبالغ فيه! وهذا برأيي خطير جدًا ويساهم في تسريع هدم المجتمع على كافة الأصعدة. 

والأخطر منها ما يفعله بعض دعاة الحرية الشخصية ممن يحاولون نقل طريقة الحياة الغربية كما هي، مثل المجاهرة بالمثلية الجنسية عبر مطالبة الإعتراف بها على أنها مسألة جينية ولا علاقة بقرار اختيارها، بالإضافة إلى نشر الزنا عبر المساكنة الغير شرعية واللعب بعقول الشباب على أنها حق لكلا الطرفين قبل الزواج تحت بند دراسة شخصية كل منهما للآخر لتفادي الطلاق فيما بعد على حسب قولهم!

أغلب العادات أتت من عملية تطبيع جماعي

بالنسبة إلى العادات الاجتماعية المتوارثة والبالية منها، نجدها قريبة إلى حد ما إلى التطبيع لأنها أيضًا تحصل بعد ممارسة أو فعل يقوم به مجموعة من الأفراد في وقت معين وتحت ظرف محدد يتحول فيما بعد إلى تصرف طبيعي!

إن أي أمر أو فعل كان غريب نوعًا ما، ثمّ بات مقبول بسبب تكراره بشكل منتظم قد يتحول إلى عادة يقوم بها المرء بشكل تلقائي ودون أي تذمر من ممارستها وأدائها، وإن أغلب العادات الفردية تأتي من عملية تطبيع جماعي مهما كان نوعها واتجاهها.

وإن ما نراه في مجتمعنا من تصرفات مكررة ليس إلا تقليد ملحوظ في الوسط الذي نعيش داخله، سواء تقليد محلي أو مستورد من الخارج عبر جهاز الهاتف النقال الموجود مع كل شخص… بعدها تحوّل إلى عادة أمسى من الصعب جدًا التخلص منها، وأي محاولة للابتعاد عن استخدامها هي بمثابة جهاد حقيقي، لكن المحزن في ذلك أن عقول معظم الشباب تتجه إلى الإستسلام عبر التمسك بعملية التطبيع الجماعي تلك!

تفريق الأمور الطبيعية عن الغير طبيعية وعدم الخلط بينهما 

ثمة حالات من التطبيع الاجتماعي السلبي على ظواهر عديدة نعيشها كل يوم، لدرجة أننا نراها طبيعية وهي غير ذلك البتة وبعيدة كل البعد عن الطبيعة… لذلك وجب الحذر من أي أمر يحمل أفكار ضبابية قد تصيب ضعاف النفوس في عقولهم مستغلة نقاط الضعف لديهم… فمن غير الطبيعي أن تنتشر أعمال منافية للدين والأخلاق بشكل كبير دون شن حراك اجتماعي لابطالها! والسكوت عليها كما لو كانت أعمال طبيعية، فذلك هو التطبيع السلبي بعينه! 

علينا الانتباه والتفكير قبل التشجيع والثناء أو المشاركة في أي تغيير يطرأ على المجتمع حتى لو كانت الشريحة المثقفة منه أو الجماعة الدينية تمارس ذاك التغيير فليس كل ما يلمع ذهبا ومضمون بعض الأفكار ليس كما يبدو، فهناك بعض الجهات المتطرفة تحاول إخراج المارد المتوحش المخبأ في الداخل من خلال زرع أفكار عنصرية وإحياء قصص مدفونة في التاريخ كانت السبب في اندلاع الحروب عبر الزمن.

فيديو مقال التطبيع في حياتنا اليومية

أضف تعليقك هنا