نشأة المقامة العربية وتطورها

بقلم: إسلام محسن أبو الحارث

أثارت مقامات بديع الزمان اهتمام الأدباء و الكتاب بها .  و هيّجت عواطفهم و ذهب الكثير منهم يقلدونها و لكن لم تاخذ مقاماﺗﻬم الشهرة التي نالتها مقامات بديع الزمان، باستثناء الحريري الذي نالت مقاماته شهرة واسعة. وهو من أوائل الأدباء الذين تاثروا بمقامات الهمذاني هو أبو محمد قاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري (ت ٥١٦ هـ). يقول ابن خلكان عنه :(كان الحريري أحد أئمة عصره و رزق الحظوة التامة في عمل المقامات)([1])

الشيء الذي يدل على أن الحريري تأثر بالهمذاني هو اختيار الراوي للكثير من مقاماته وهو الحارث بن همام و البطل أبو زيد السروجي و بذلك اتبع الهمذاني في انشاء المقامات في الشكل و المضمون مع اختلافها من حيث الصياغة و طريقة ايرادها . وقد سبق الحريري ﺑﻬذا التقليد: شاعران هما أبو نصر عبدالعزيزي بن عمر السعدي (ت ٤٠٥ ه) المعاصر لبديع الزمان و هو من أهم الشعراء عند سيف الدولة. و أبو القاسم بن محمد بن ناقيا الذي لم تشتهر مقاماته بين الناس , ولذلك يعد الحريري 

أول وأهم المتأثرين بالهمذاني 

و كتب عبدالله بن محمد بن حسين في القرن الخامس مقاماته ولكنها تختلف من حيث الأسلوب    و الصياغة عن مقامات البديع.  أخذ فن المقامة في الانتشار و شاع في كافة البلدان العربية و في القرنين الخامس و السادس قام الكثير بانشاء المقامات على نسق المقامات الهمذانية و الحريرية منهم أبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطي (ت ٥٣٨ هـ) أنشأ خمسين مقامة معارضة لمقامات بديع الزمان. وأبو العلاء أحمد بن أبوبكر بن أحمد رازي حنفي ألف ثلاثين مقامة على نسق الهمذاني و الحريري . وتعتبر مقاماته من أحسن المقامات في القرن السادس من حيث الأسلوب و الموضوع.

اتسعت المقامات من حيث الموضوع في القرون التالية و قد دخلت عليها موضوعات جديدة كالحديث و الفقة و النحو كمقامات ابن الصيقل الجزري (ت ٧٠١ ه) ووصف الحيوانات في مقامات ابن حبيب الحلبي (ت ٧٧٩ ه) ووصف البلدان في مقامات ابن الوردي (ت ٧٤٩ ه).

الكتّاب الذين اتبعوا الحريري

و من الكتاب الذين اتبعوا نسق الحريري هو محمد بن عفيف الدين التلمساني المعروف و الملقب بالشاب الظريف في « مقامات العشاق » التي فيها أنشودة الحب و من أهم كتّاب المقامة في القرن الثامن أحمد بن محمد بن المعظم الرازي (ت ٧٠٣ ه) أّلف مقاماته المعروفة بالاثنتی عشرة . وأّلف أبوالفتح محمد بن سيد الناس « المقامات العلية في الكرامات الجلية » موضوعها مدح النبي و اصحابه و اّلف شمس الدين محمد بن ابراهيم الدمشقي« المقامات الفلسفية و الترجمات الصوفية » في مجال التصوف.

مقامات السيوطي

و ربما كانت « مقامات السيوطي » (ت ٩١١ ه) من أشهر المقامات التي صنفت في العصور الوسطي في مجال المواضيع الدينية وهي تشبه الرسائل. و ليس لها بطلٌ و لا راوٍ و إنما هي رسائل مسجوعة . و قد تتحدث في موضوع خيالي مثل أنواع الطيب و فوائد كل نوع منها و أنواع الرياحين  و الزهور و دفاع كل نوع من نفسه.

تطوّر فن المقامة

وقد انتقل فن المقامة إلى الأندلس بمن رحل إلى الشرق طلبًا للعلم و من الأدباء الذين اهتموا ﺑﻬذا الفن هو أبو عبد الله محمد بن شرف القيرواني الذي أّلف مقاماته في زمن المعتضد بن عباد (ت ٤٣٤ – ٤٦١ هـ ) و أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم (ت ٤٢٠ ه) و الحسن بن علي البطليوسي (ت ٥٦٦ هـ) و أبو الحجاج يوسف القضاعي (ت ٥٤٢ هـ).

أهم كتّاب المقامات

واستخدمت المقامات في القرنين الحادي و الثاني عشر في مواضيع متعددة. من أهم كتاﺑﻬا : أبو الفتح علوان القبلاني و عبدالله بن الحسين بن البغدادي السويدي في مقاماﺗﻬما الأمثال السائرة التي تشتمل علی الأمثال القديمة و الحديثة . واتبع ابن أبي الخير عبدالرحمن هذا الطريق و أّلف كتابًا عنوانه « المقامة الجامعة للأمثال الغريزة » و من الذين اتبعوا طريقة الحريري هو أبوبكر بن محسن ابن بعبود العلوي الذي أّلف خمسين مقامة فيها بطل و راوٍ واحد . وأّلف شهاب الدين محمود ألوسي (ت ١٢٣٧ هـ) في القرن الثالث عشر مقاماته , و في أخريات هذا القرن ألف عبدالله باشا فكري مقاماته « الآثار الفكرية ».

المراجع

  •  ([1]) وفيات الأعيان لابن خلكان , ج 4 , ص 63

بقلم: إسلام محسن أبو الحارث

 

أضف تعليقك هنا