فتنة الدهيماء

بقلم: مريم فايز محمود عوض

سرُع الزمان وتطور المكان، قرُب البعيد وبعد القريب، ذلك بأن نهوض العصر أمر عُجاب، ولعل أعجب ما فيه هاتف يجول العالم في لحظات، استبدلناه بـ النايل سات والعرب سات، واستغنينا به عن المعاجم والمكتبات، ولا داعي للمدارس ومجالسِ العلم في وجود المنصات، ولكن أبي ما زال في العالَم الغريب.

يعمل أبي عشرة ساعات من اليوم، ويقول: هل من مزيد؟ فأما أنا فأعمل ساعتين في مَبيتي وأكسِب أضعاف ما يكسبه أبي، وأستطيع أن أعمل وأنا في المطبخ، أو بين أحضان أمي، وإذا استَضَفتُ، أو استُضِفت. وأما أبي فما يزال يرد ( نقوط ) فلان وزيارة فلان، وأنا لا أعرف أبناء فلان ولا فلان.

أتساءل: كيف ستكون عشيرتنا بعد آبائنا؟

وأتعجب من أمر الآباء حين يلتقون؛ إذ أرى الشيب يشتعل في رؤوسهم، ولكن أقدامهم واقفة، وأيديهم صُلبة، وظهورهم شامخة، وأتساءل حينها وأنا أتثاءب وأشعر بالإرهاق والملل:

هل سنصير يوما إلى العمر الذي وصلوا إليه؟

ثم يشعرني هاتفي بشيء فأنشغل به، ثم أعود لهم إذا لفت انتباهي شيء من كلامهم، فأبتسم أنني أدرك ما يعنونه في كلامهم، فأشعر بأني خبرة مثلهم. لو أني أستطيع مناقشتهم!

في تقرير لباحثين اجتماعيين: قد يُعاني مستخدمي الهاتف المحمول نوعًا من أنواع القلق الاجتماعي، ومشاكل مرتبطة بالتعلّق العاطفي بالهواتف المحمولة كالإدمان تؤدي إلى تدمير المهارات الحيويّة والاجتماعيّة؛ إذ أصبحت الهواتف المحمولة الوسيلة الوحيدة التي يتم التواصل من طريقها، وبذلك يفقدون مهارات الاتصال بينهم.

فوائد ومضار الهاتف

نعم، إن للهاتف فوائد عظيمة، ولكن مضاره أعظم، وإن مضاره لا تقتصر على الناحية الاجتماعية -كما أسلفت-، بل تعلمون أنه سبب في إلحاد مسلمين، وأفقد كثيرا من الناس حياءهم ومروءتهم، وأنه أثر في نشاط الأسواق المحلية في بلادنا؛ لذا ترى مؤشر البطالة يرتفع، ومؤشر الفقر يتدنى، فضلا عن انتشار الجهل وكأن العلم ينقبض!

ما المقصود بفتنة الدهيماء؟

روى الإمام أحمد وأبو داود حديثا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “ثم تكون فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة ـ أي كل المسلمين ـ إلا لطمته لطمة.

وفي صحيح البخاري أقتبس من حديث شريف “ثم فتنة لا تدع بيتا من العرب إلا دخلته”

فقد نبأ الرسول -عليه السلام- بواقعنا، وقد رجح بعض أهل العلم أن مقصود الحديثَين إنما الهاتف. لذلك فإن الهاتف فتنة عظيمة -دونما شك- ينبغي أن نربي أنفسنا على حسن استخدامه في ما لا يضر في ديننا ودنيانا صحيا، ونفسيا، واجتماعيا، واقتصاديا.  الدهيماء تصغير أدهم، وتعني: المائل إلى السواد.

بقلم: مريم فايز محمود عوض

 

أضف تعليقك هنا