فتاة مختلفة

بقلم سليمان الصوصي العلوي

نظرة المجتمع إلى المرأة المتحررة

هي تلك الفتاة التي تتراءى لهم وكأنها الخطيئة، يحسبونها مارقة ومتطاولة ومبادرة إلى تعدي حدود الحشمة والوقار، مختلفة في لباسها وحركاتها وآرائها، متهمة على الدوام، تتحلق بها الأعين، وتتوزع بين الإعجاب والحقد، هكذا كانت صورتها تتنقل بينهم. وتبدّى لي أن كل ما كانوا يحملونه حولها كان موقفا ضد الحياة. هي ثائرة على تحفظهم وبخلهم ووصايتهم. والحقيقة أنها مشرقة في عالمهم العاتم، ولعل ذلك كان سبب غيظهم وحنقهم، كانت تحب أن يبرز اختلافها، حتى وإن كان اختلافا بسيطا لا يتعدى حدود تغيير بسيط في تقاليد اللباس، وهي مزهوة بذلك، ومنسجمة مع رغباتها، جادة ومنتظمة في حياتها ومهامها. لم يكن يظهر عليها ما يظهر عليهم من فتور وسكون، مفعمة بالحيوية، متألقة بينهم، بيّن أنها كانت ذات رؤية مختلفة وطموح متّقد، لا ترغب في أن تكون فتاة بسيطة ومستسلمة لأحوالها، يبدو أنها عقدت العزم على تكسير الأغلال وتحرير ذاتها من مخالب العجز، تريد أن يكون لها مستقبل مختلف عن الاخريات، لا يروقها أن تعود إلى بيتها فتكون خادمة عند أهلها. كلهن مكبلات بسلطة قاهرة وقوية تستمد مشروعيتها من أعراف وقيم المجتمع، وهنّ راضيات بذلك، ومتواطئات في الآن نفسه، يعتبرن المبادرة وإبراز الكفاءة والمؤهلات جريمة أخلاقية، يقبلن دائما ويستصغن أن يكنّ خلف نظرائهم من الرجال في كل شيء، وفي كل مجال، كل شيء مباح إلا أن يأخذن مكانا ووضعا جديدا، لا يقبلن بمن يحدث التغيير، كل مختلف متهم.

ألسنة المجتمع تطال النساء المتحررات

حيويتها وأسلوبها خوّلا لها أن تحوز من الكفاءة والمهارة ما لا يتاح لغيرها من الفتيات، لقد وجهت ناظريها نحو مستقبل مشرق، ولا شك أنها ستدركه إن هي عززت قيم المبادرة والحرية التي تنعم بهما.. دائما ما يتهامسون حولها ويتربصون بها، ينبغي أن تدفع ثمن تطاولها، هكذا يرددون، وأنجع طريقة لذلك هي قذفها في عرضها وشرفها، لكي تتهاوى قيمتها ويحل عليها العقاب المجتمعي-الاخلاقي. “لقد تبادلت أطراف الحديث مع فلان أو علان، لابد أن تكون في علاقة غرامية معه، أو لعلها حظيت بلحظات حميمية رفقته، ولما الشك، إنها فاعلة لكل ذلك، ويجب أن يعرف الجميع”. هكذا يهمس الحانقون والحانقات على الفتاة، غيظهم يدفعهم إلى الاهتمام بتفاصيل الفتاة وكأنها قضية سياسية تستعري تفاعل وحزم الجميع، يعتبرون أن الوضع الطبيعي يلزمها بأن تكون مكبلة، وإلا فإنها خارج الشروط الاجتماعية والاخلاقية، أو حتى الإنسانية أحيانا.

كيف تستطيع المرأة التغلب على نظرة المجتمع التقليدية والسلبية اتجاهها؟

ومع الشوشرة التي تثار حولها، تواصل تقدمها بحرص شديد، هي متلهفة للتفوق والنجاح في تحقيق تطلعاتها، تريد أن تحصل على شواهد جامعية وأن تحوز عملا، وكلها أهداف وأحلام تصطدم بمجتمع يصعب على الفتاة حتى التحديق في الجغرافية التي تحضنه، إذ الأعين لا ينبغي في أعرافه إلا أن تكون منكسرة ووامضة للأسفل دائما. كيف يمكنها أن تتقدم أمام كل هذه الأشواك والحواجز؟ وأي ثمن يمكن أن تدفعه مقابل ما تريد؟

هي تعلم أنهم يرغبون في ترويضها، وإعادتها الى المسار الذي هم به راضون، يريدون أن تكون مهيأة لتصير زوجة ومربية لأطفالها وخادمة ومطيعة لأهل زوجها، هكذا وفقط تنال اعترافهم وقبولهم، والقفز عن تعاليمهم تمرد وجريمة. ومع كل ذلك فهي لم تنكسر بعد، ما زالت متشبثة بخياراتها، تجربة مختلفة، وحالة متفردة، تقطع طريقها بثبات. هي في سنة تعليمها الأخيرة بسلك التعليم الثانوي، بعد أشهر قليلة ستحصل على شهادة الباكالوريا التي تؤهلها لولوج الجامعة. واضح أنها تخطط لذلك، وبطموحها تجابه الحجر والوصاية، عزيمتها متّقدة، ومزاياها متعددة، بها تتفوق في دراستها.

بقلم سليمان الصوصي العلوي

 

أضف تعليقك هنا