نسوية العصر

بقلم: أكرم عبد اللطيف

مطالب النسوية تتزايد وتأخذ منحىً آخر

في ظل الصّراع المُحتدم حولَ الحُريّات الّتي لا تكاد تخلو من التّخلّف والتّغابي على أنّهُ تحضّر لا سبيل من دونه إلى التّقدّم والتّجديد تيّسّرَ لنا أن نتحدّث حول واحِدةً من هذهِ الحُريّات الّتي أخذت سبيلاً مغايراً لهدفها الّذي تكوّنت من أجله في البداية _ و لعلّها _ كانت تُخفي وراء كُل تلك الشّكاوي غايةً لم تُصرّح بها في ذلك العصر لتمسكّه بعض الشّيئ بالفِكر السّليم والقويم فما هي إلّا سنوات وقدِ استنفذَ مِنَ الشّعوب ما كان يحميها من مثل هذِهِ الأفكار فصارت تقبل بكلّ غريب كما لو أنّهُ دلالةٌ على الحداثة.

عند التفصيل في تاريخ النسوية في العالم ستجِد _ كما ذكرنا _ أنّ الأهداف تطوّرت أو اتّخذت مجرى آخر غير الّذي تكوّنت من أجله، ففي مؤتمر سينيكا فولز سنة ١٨٤٨ كان الهدف الرّئيسي هو الحق في الإقتراع و التّعليم الّذي قد حُرمت منهُ المرأة آنذاك وبعد عِدّة جهود تمكّنّ من تحقيق أوّل أهدافهن بعد أن أذعنت لرأيهنّ بعض الدّول و هنا كانت المصيبة الكبرى، فالنّسوية كانت لتنقضي لولا أن تراخت تلك الدّول في منح ذلك الحق بعد أعوامٍ قليلة من صدور المؤتمر، فكأنّما كانت الشّمعة الّتي أشعلت فتيل الفتنة و منحت الثّقة لهولاء النّسويات حتّى يُبالغن في مطالبهن، فنحن لا ننكر حقّ المرأة في التّعليم والاقتراع _ بظوابط _  و لكنّنا نوضّح أنّ الموجة الأولى للنّسوية كانت لتسقط كما آن لها أن تقف بفعل من وافقوا على تلك المطالب _وإنِ اتّضح_ أنّها مطالب صغيرة يُفترض التّساهل فيها إلا أنّها تحمل في لبابها الكثير من الأهداف الخبيثة الغير معلنة و الّتي كانت تنتظر أوّل باب يُفتح لتجهر بتحرّرها المعروف في وقتنا الحالي ب “التّطوّر”.

ظهور مفهوم “المساوة” بين الرجل والمرأة في الحقوق 

إختلفت الآراء حول علّة ظهور الموجة النّسوية الثّانية أواخر السّتينات، فبعد أن توقّفت تلك الحركة بعد إتمام ما جاءت لأجله لم يوقف هذا العديد من الأديبات في الغرب من القيام بثورة حقيقية تكون فيما بعد ذلك سبباً في ظهور الموجة الثّالثة، اعتبر البعض أنّ انتعاشها قد عاد بعد صدور كتاب سيمون دي بوفوار بعنوان “الجنس الآخر” سنة ١٩٤٩ فيما قال آخرون أنّ كتاب “اللّغز الأنثوي” لبيتي فريدان الصّادر عام ١٩٦٣ كان هو الدّور الأساسي في إحياء الحركة بعد موتها، و لسنا هنا لنتحدّث عن هذِهِ الكتب الّتي كان هدفها استقطاب المشاعر و تليينها بالحديث عن سيطرة الرّجل على مختلف مجالات العمل و اكتفاء المرأة بالعمل المنزلي و تبنّيها لفكرة “طموح الزّواج” كمفهوم يجعلها تتغاىى عن أي أحلام أخرى خارج “بيت الزّوجية”، فالرّغبة هنا لم تكن في تحقيق و تيسير بعض ما لم تتمتّع بهِ المرأة من حقوق أو متّعت به غير أنّ وجوده من عدمه سيّان في كلاهما بل كانت في تفكيك الأسرة و الإحباط من قيمة الرّجل بمفهوم “المساواة” الّذي هو في الحقيقة “منح القوامة للمرأة وانتزاعها كليّاً من عند الرّجل”.

من المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة إلى محاربة الرجل 

غير أنّ هذا في حدّ ذاته احتقار للمرأة بذاتها وإجحاف في حقّ أنوثتها لأنّها منفصلة كليّا عن الرّجل إنفصالاً تامّاً لا شكّ فيه فما في المرأة لن تجدهُ عند الرّجل و العكسُ في ذلك صحيح أيضاً، بيد أنّ المرأة في الغرب و إن بلغت درجاتٍ لا تعدّ ولا تحصى من التّحرر فهي ستظلّ أسيرة الفكر مقيّدة الفهم، تنتقدُ مفاهيماً فتحت بصائر البشرية عليها و الأعجب من ذلك أنّ سبيل النّسويّات الّذي اتخذنه مذ أوّل موجةٍ تحدّثنا عنها أيقن العالم بعده أن لا هدف يسعون نحوه حتّى تنتهي كل هذه الملابسات اتجاه المرأة اليوم فهم يسعين إلى آفاقٍ لم يسعَ إليها أحد، و كأنّهنّ يرغبن في الحريّة المطلقة والكاملة الّتي لا يحدّها أي قيد، فمن حقٍّ في بعض الأشياء إلى طلبِ مساواة إلى انفصالٍ عنِ الرّجل بمحو فكرة الأمومة وضرورة الزّواج إلى حربٍ ضدّه إلى هدمه بدعم الحريّة الجنسيّة و الجندرية و لما لا نسمع فيما بعد بكون المرأة إلهة يخضعُ لها كل من ليس أنثى _ أو ليس برجل.

مَن يطالب بحقوق المرأة هم رجال!

الأعجب من هذا كلّه أنّ أشد الدّاعمين لهذه القضايا هم في الحقيقة رجال _في الظّاهر _ وهذا يدل على أمرين لا شكّ في أحدهما أو كلاهما و هو أنّ داعمي النّسوية إنّما يطالبون بحقوقٍ لا تشملهم إمّا لأهدافٍ أو مصالح بعضها قد تبيّن وبعضها لم يظهر للعيان غير أنّ أثرهُ موجودٌ بيّن، و الأمر الثّاني إنّما هو لتشابه هؤلاء مع النّسوة أكثر ممّا هم عليه كرجال فهم في ذلك غير محسوبين علينا وإن ادّعوا ذلك ظاهراً فقط.

تأييد ودعم النساء للأفكار المعارضة للشريعة الإسلامية

بعد أن حققت النّسويات جلّ أهدافهن على الرّغم من أنّ هناك الكثير ممّا لم يصرّح به ولا يزال بحاجةٍ إلى المزيد من التّقبّلات من هذا المجتمع المغدق بالإنحرافات الفكرية و العقائدية و المتفنّن في تزيينها و نشرها بمختلف الطّرق إلى مجتماعاتنا العربية الّتي باتت لا تكتفي بالاتّباع و التّقليد الأعمى لشتّى ادّعاءاتهم بل أصبحت تدافع وتحارب من خالفوا هاتهِ  الإدّعاءات كما لو أنّها تخصّ أمرهم فلو كان لنا ممّا لهم من عزمٍ نستنجدُ بهِ في نصرة هذا الدّين لما ضلّ أكثرهم، ومن آثار الفكر النسوي في مجتماعاتنا العربية مالا يقوى الأصغرين لا على ذكره ولا كتمه.. وهنّ في ذلك (رجالاً و نساء) لا ينكرون هجومهم على رجال الدّين بصفةً خاصّة و إنكارهم للأحكام الشرعية الّتي جاء بها الإسلام من إباحةٍ للتّعدّد و فرضٍ للحجاب و تحريم للتزيّن و التّعطّر إلّا للزّوج.. إلخ،  بل وانتقلوا من هاتهِ التّهجمات إلى ادّعاءاتٍ تقولُ بالتّعديل في النّصوص الإسلامية و الأحكام الّتي جاء بها الإسلام فنجد حينها انعداما للفروق بين الإلحاد و النسوية في أغلب الأفكار وهم يدعون إلى تعديلٍ في القرآن وأحكامه و فصله عن السياسة إنّما لانقيادهم لعواطفهم وشهواتهم الّتي لا تتناسب مع شرع الله.

جمحَت العديد من النساء عندنا في المنطقة العربية وهذا يوضّح بشكل كامل جهلهنّ بتعاليم الدّين الإسلامي و بمفهوم النّسوية فالكثير من روّاد هاته الحركة عندنا لا يدركن أنّ النّسوية هي ضد الإسلام في كلّ شيء بل ولشدّة بلاهتهن توصّلن إلى أن هاته النسوية لن تتحقّق في الشعوب العربية إلّا لو اتّخذت قالبا دينيا فيما يعرف اليوم ب “النسوية الإسلامية” وبهذا تصبح النسوية أكثر شمولية ممّا يجعلها غير قابلة للتّعارض، وعند الاستماع لأوّل مرّة لهذا المصطلح قد تظن لأوّل وهلة أنّ هاته الحركة إنّما جاءت لتعزّز الفكر الإسلامي اتّجاه المرأة إلا أن تنصدم بما يخالف ذلك تماما، فإنّ التسمية ما هي سوى وسيلة لتشويه صورة هذا الدين وإن الأفكار الّتي يحملها روّاد هاته النسوية لا تتّفق مع الإسلام في شيء فالإسلام في جهة والفكر النسوي الإسلامي _ بزعمهم _ في جهةٍ ثانية لا يجمعهم بينهم أيّ نصٍّ من النّصوص.

اختلاف المهام بين الرجل والمرأة ليس انتقاصاً من حق المرأة

المسألة ليست مسألة مساواة فالمساواة ظالمة في حقّ الجنسين، إنّما هي مسألةُ عدلٍ وإنصاف وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، فلا نزيدُ عليه ولا ننقص، يقول عبّاس محمود العقّاد: “إننا لانحتقر المرأة حين نقول ان بينها وبين الرجل فوارق في الأخلاق والتفكير، ولا نحتقرها حين نقول أن لها وظيفة مستقلة تغنيها عن الاشتغال بوظيفة الرجل، ولكن الذين يحتقرونها في الواقع هم أولئك الذين يحسبونها لغوا لا عمل له مالم تشبه الرجل في جميع أعماله، فهي عندهم لا شيء ما لم تكن كالرجل في كل شيء”.

بقلم: أكرم عبد اللطيف

 

أضف تعليقك هنا