الإرهاب الهدام بين الواقع العام والحرب على الاسلام.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كثيرا ما نسمع صيحات تتوالى من كل حدب وصوب من قبل الإنسانية جمعاء في المنتديات والمؤتمرات ، منكرة التطرف والغلو في الحياة.
فمن نعم الله تعالى على عباده أن بعث رسلا مبشرين ومنذرين ، مبشرين باليسر ومنذرين من العسر الذي سببه العصيان.

النهي عن التطرف والغلو و الإرهاب

فتأصل هذا المفهوم قاعدة التعامل في الدنيا : عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» رواه مسلم

وهذا ما أوصي به مُعَاذُ وَأَبُو مُوسَى رضي الله عنهما لما بعثا إلى اليمن : عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» رواه البخاري.

لذا نجد في كل مراجع الإسلام النهي عن الغلو والتطرف والشذوذ الفكري والعملي ، فاستنارت قلوب وقرائح الناس حبا لهذا الدين ونجاة به من هموم الدنيا بمذاهبها المختلفة ، وأفكارها الهدامة ، وايامها الشديدة ، لكن لما تركه الناس وولوا ظهورهم نحوه وقعوا في أسر العسر والضيق والضنك ، فراحوا يحلون إشكالاتهم بكثير من المخالفات الشرعية والعقلية المنطقية ، ومنها العنف اللفظي والفكري والمادي وغيرها ، إلى أن أطلق على ذلك لقب “الإرهاب” ، فانبرت المنظمات والدول والعالم محاربين هذا الوافد الجديد ، إلا أنها ضلت الطريق في كثير من الأحيان عندما استعملت العنف المضاد بدل الفكر المضاد.

ولحاجة في نفس الكثير نسب هذا الولد غير الشرعي إلى الإسلام والمسلمين ، حتى غدت الحرب على الإسلام مقصد الحرب على الإرهاب والغلو ، فكلما حدثت عمليات أوتفجيرات أواعتداءات أوهجومات أوغيرها بواسطة مهيئين مورطين ، اتهم الإسلام وتم تمهيد السبيل لحربه ردا على ذلك.

صحيح ! قد يصدر شيء منه عن بعض المسلمين استنادا إلى أعذار غير مبررة ، لكن لنلتفت إلى ما يصدر من كثير الطوائف ضد الإنسانية. لماذا يصدر من العلمانيين ضد الإسلام فكر رهيب وكلام جبار ولا يلحق بالإرهاب ؟ ، لماذا ما يصدر من اليهود تجاه الإنسانية لا يضم إليه ؟ ، لماذا ما يحصل من منظمات غربية مسلحة لا صلة لها بالدين لا يعزا إليه ؟

أذيع يوما خبر متلفز عن تفجيرات في أحد فنادق تركيا فضحكت وتأسفت وأنا أسمع المعلق يخبر عن اعتقال الفاعل وأن التفجير لا يتعلق بعمل إرهابي ، ولم أسمع عن عقوبة له ، سألت نفسي : ما الذي يقصدونه بالإرهاب إذن ؟ لكن حين فتشت الواقع وجدت أن كل مجرم غير مسلم لا يسمى عمله إرهابا فأيقنت أن الإرهاب في نظر هؤلاء هو كل جريمة صادرة عن مسلم ولو لم تكن لها صلة بالدين.

الدعوة إلى المجون والخلاعة مخالفة صريحة للمجتمعات وعاداتهم وتقاليدهم ـــ إن آمنا بالتقاليد ـــ ولا تعتبر غلوا ولا إرهابا.

محاربة فكر الإرهاب

مسؤولون في حكومات عربية أومسلمة يجتمعون ويحثون على محاربة الفكر الهدام ويقصدون به التطرف والغلو الديني ولا يعرجون على التطرف والغلو الأخلاقي والعلماني وغيرهما.

لم أر في حياتي غلوا مقتصرا على مجال واحد ، فكل تصرف وقول وعمل وفكر وتصريح وقرار وأكل وشرب وغيرها من مسلم أوغيره تتراوح بين الاعتدال والغلو ، إلا أن القوم يصرون على تخصيص ذلك بمجال الإسلام ومحيطه فقط ، لتبرير حربهم عليه بحجة محاربة أصحابه ، بل وأحيانا نشهد سيناريوهات لتوريط الإسلام ثم تسهيل المعركة عليه.

فإذا تلفظ الناس بالعنف ، أوتعاملوا بالتي هي أخشن ، اتهم الإسلام بها ، وإذا ارتكبت المنكرات المعسرة على الناس حياتهم ، المفسدة سبلهم ، المعكرة صفو حياتهم لم ينظر إليها ، ولم تحارب نشرا للمجون وزيادة في وسائل حرب الإسلام ، وإذا نشر أحد رأيه الحر اتهم به ، وإذا التزم شخص بهيئة أوزي معين اتهم به ولو لم يلزم غيره به ، وإذا خالف شخص أحدهم في موقف اتهم به.

حتى غدت برامج التعليم في بلادنا إذا خصصت دروسا عنه قصد بها الإسلام فقط ، وكتبت جميع الأدلة على تحريم الشذوذ والغلو في الطاعات والهيئات ويحذف منها ما يشمل جميع العادات.

إن الفكر الهدام والتطرف والغلو أمر عام يشمل المسلمين وغيرهم ، إلا أن خلل الميزان في العين يعميها عن النظر إلا إلى الإسلام فقط.
وقديما كتبت عن الكيل بمكيالين في الأخلاق وهذا مجال منها ، إلى أن وجدنا القوى المتغلبة في العالم تستعمل كل أساليبها ووسائلها ، حتى حشرت دولة إيران المحسوبة على الإسلام في حربها له بهذه الحجة الواهية ، فأصبح كل ما يمت إلى السنة بصلة يحارب ، فحدث التحالف الغربي الشيعي ضد الإسلام.

فهذه المذابح والمجازر ضد الإنسانية في بورما لكن لا تنسب للإرهاب والغلو.

نسمع في كثير من البلدان المسلمة التي يحكمها العلمانيون إذا قربت الانتخابات المختلفة التحذير الشديد من أوصاف ينعت بها الإسلام علوا واستكبارا خوفا من اعتلائه كرسي النجدة.

ومن يدري قد يؤديهم جنونهم مستقبلا إلى اتهام الإسلام بالمجون والخلاعة والدعارة ويلبسون رداء التقى ليحاربوه تحت غطائه ؟
إني أنصح القوى الغربية وموالييها من العرب والفرس أن تتحلى بما تدعيه من الديمقراطية والشفافية والعدالة والمساواة والأخوة العالمية والإنسانية البشرية ، وأن تنبذ التعسف والجور في فكرها وتصرفاتها ، وأن تكف عن استعمال الشبهات المادية والبشرية لإثارة الحرب على الإسلام ، وأن تكف عن اللف والدوران حول مصالحها في حربها عليه كما حدث في العراق أكبر مشروع غربي فارسي ضد أشرف مشروع في المنطقة وقوفا في وجهها.

إني أحذرهم من فتنة عالمية قد تأتي عليهم لأن عقول البشر ليست نائمة وإنما صابرة الصبر النافد ، أحذر من مغبة البحث عن الذئب في جحر الأرنب فتضل السبيل.

إنهم يتوجسون خيفة من قفزة مرتقبة للإسلام تكسبه قوته الجديدة ، وتمنحه أستاذيته المجيدة ، لذلك يبذلون كل المهج لوأدها في المهد.
لذلك أدعو علماءنا إلى مزيد من توعية الغرب عن سماحة الإسلام وأنه لم يأت أبدا لحرب أحد بل لتهيئة حياة كريمة لكل الناس ، ومواطنة سعيدة لكل البشر تحت ظلاله الشريفة ، فيطمئن غيرنا من الغرب والفرس ، فيكفوا عن حربهم الشعواء.

إننا في حاجة إلى العيش في أمن وسلام ، تحقن فيه الدماء الآدمية ، يحترم كل واحد منا الآخر ، لا يجبره على فكره وعقيدته ، نبحث ونتناقش ونتحاور بالحجة والبرهان البريء لا بالقوة المدمرة بعد التهمة الباطلة ووسيلتها المجهزة.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير