طريق الحرية – #المعصية

يرى فى منامه رؤيا غيرت مجرى حياته  يرويها فيقول ” رأيت كأنى في بلادٍ ضيِّقة جدبة ، فخرجت إلى بلد أخضر واسع ” , فلمَّا قَدِمَ المدينة ذكرها لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال له: « مخرجُكَ هو أن هداك الله للإسلام، والضيقُ الذي كنتَ فيه من الشرك » , إنه الذى أصبح فيما بعد سيف الله المسلول وتقدم فيما بعد على أصحاب السبق فى الاسلام وهو الذى عز به الاسلام وانتشر وهو الذى قضى على كتلتى فارس والروم وهو الذى عجزت النساء أن يلدن مثله إنه خالد بن الوليد الذى عاش أكثر من شطر حياته فى خيمة الشرك إنه الذى رفع الله اسمه وأبقى ذكره بين العالمين , فى حين أن غيره ممن سبقوه لم يحظوا بعشر ما حظى به .

تأتى هذه اللفتة فى بدء حديثى عن ” أَسر العادة ” فخالد – رضى الله عنه – وغيره من المشركين أسرتهم العادة فهكذا ألفوا آبآءهم ضالين.

فعل المعصية

الواحد منا حينما يعصى ربه معصية متكررة يعتادها الحين بعد الحين ويقارفها الفينة بعد الفينة تنغص عليه لذة الاستمتاع بحاضر لحظته , ويزيده غماً أنه يفكر دائماً فى ماضيها وكيف حصلت وأين كان عقله الذى من شأنه أن يزن الأمور وأن يعرف الصحيح من السقيم , ويرهقه هماً قلقه على مستقبله وعلى قلبه وخوفه من أن يموت على لا شئ وتظل هذه الأسئلة تتردد فى خلجات ضميره وتزيده حيرة على حيرته وتخبطاً على تخبطه بعد كل نوبة من نوبات عادته .

وإنه لحبه لربه واستحيائه من خالقه يشعر أنه فى سجن سجين وفى قاع غريق وفى نفق مظلم يود لو عاد من جديد نظيفاً طاهراً يود لو أن أحداً أخذ بيده وصبر على علته وأوصله إلى مراده لأنه مؤمن محب يطلب النجاة بفطرته ويفر من الطرد بخلقته يريد السعة يريد الأمن يريد أن يعيش فى دفء مولاه , يحاول جاهداً لكنه يفشل فى كل مرة , فما الحل ؟!

ابتداءاً أذكر هنا طرفاً من ألوان هذه العادات السيئة المتعبة لتقريب الصورة أكثر ليتم المراد من كلامى , فمنها اعتياد الكذب ومشاهدة الحرام ومقاربة الفواحش والتعلق بالأغانى أو الفاسقين والاقتداء بالكفرة والفسقة والظلمة وتقليدهم والتشبه بهم والتدخين وشرب الخمر والمخدرات وقراءة الروايات المحرمة والقصص الخليعة ومصاحبة الفارغين التافهين والاعتياد على سماع الأفلام الماجنة والتعلق بها وزنا الكلام فى الالتليفون والشات والسوشيال ميديا واعتياد اخذ الرشوة لقضاء حاجيات الناس أو التأخر عن العمل أو أو أو وكل منا على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ولكل منا علة تختلف عن علة أخيه .

ولا أرى سرعة الغضب أو التعصب بلا معنى على الوالدين والمحبين وكثرة الجلوس على السوشيال ميديا وقطع الأرحام وسوء خلق دابتك وإمرأتك وزوجك إلا نتيجة لذلك , ولولا الألم لما أحس المريض بالمرض ولاستفحل وأعيا علاجه ولكن الله لطيف يرسل لك التنبيه بعد التنبيه والتحذير بعد التحذير أنك تمشى على الطريق الخطأ فتوقف وعدل مسارك وكما قال أحد الصالحين حين كان يمشى فى طريق فوقع عليه ورق محروق ( رماد ) فابتسم وقال : ينبغى على من كان حقه النار فصولح على الرماد ألا يغضب ., أى منا ينتبه إلى رسائل الله فى حياته , ولو صح ايمانك وطهر قلبك لفهمت الرسالة واعتبرت من كل إشارة .

العاصي

ويكفيك أيها العاصى المحب أنك حرمت من ربك طول فترة معصيتك المتكررة وتعذبت طويلاً ,  لأنك أصلاً تحبه ويعز عليك مخالفته , لكنها النفس إذا أسرتها العادة تجعل العيش مراً أيما مرار ومنغصاً أيما تنغيص ومكدراً أيما تكدير .

إنما مثلك كمثل جماعة فى فلاة وقد مات قائدهم , ولكنه ترك لهم كتاباً فيهم بقاؤهم وأوصاهم بالصبر حتى يوافوا المقصد , فبينما هم يواصلون السير إذ نفد ماؤهم واشتد عطشهم وتشاغلوا عن كتابهم وتفرقوا كل منهم يبحث عما ينجيه , فبينما أحدهم يمشى متثاقلاً فى مشيته من طول البحث يلهث إذ وجد سور هوة سحيقة حسبها ً بئر ماء فنحا إليه ومال عليه ومد يده ليشرب فإذا بخلق من خلفه دفعوه فيها فسقط فى قاع البئر فوجدها بئر منتنة مظلمة لا ماء فيها , ولكنه لا يستطيع الخروج فكلما تفكر فى حيلة ليخرج لا يلبث إن يصل إلى سور البئر فيدفعوه فيها , وهاجمته الخواطر بأن أصحابه قد وصلوا إلى مقصدهم وأنه تأخر عنهم ولن يستطيع اللحاق بهم , ثم تذكر الكتاب الذى معه فأخرجه وشرع يقرأ فوجد فيه دليل نجاته ” وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ” فحاول مرة أخرى فوصل إلى السور فلم يجد الشياطين فحمد الله أن نجاه من هذه البئر النتنة المظلمة وهؤلاء الأعداء الحاسدين , فواصل السير وكانت الرحلة طويلة لكنه كان متيقظاً هذه المرة فجمع همه على قطع الطريق وعدم الالتفات إلى ما دون ذلك وتيقن أن ربه لن يتركه وأنه سيبلغه مقصده وسيرويه ولكن بماء عذب سائغ شرابه , فعزم على مواصلة السير والقراءة فى الكتاب واصطحاب الصبر وما لبث طويلاً حتى رأى الغيث وجاءته البشرى ووجد فى الطريق دلالاً عليه معهم الزاد والماء وأخذوا يرحبون به ويشدون على يديه ويبشرونه بقرب الوصول ويوصونه بالصبر وعدم الالتفات وهكذا واصل صاحبنا السير إلى أن وصل إلى بغيته وغفر له ربه ووجد نفسه من أصحاب السبق وقدم الصدق وسر باللقاء أيما سرور وكان خير أيام رحلته يوم لقى ربه ومولاه .

المؤمن

أخى المؤمن سر ولا تلتفت فتخطفك الطير أو تهوى بك الريح فى مكان سحيق مرة أخرى واصبر وأرح نفسك من التفكير قليلاً  ” فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ” فقط تب واعزم ودعك من المتفيقهين والمتكلمين , يقول ربكم ” الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم ” لكن كن على حذر فقد سئل حكيم عن الغباء فقال : أن تكرر نفس الفعل وتتوقع نتيجة مختلفة , أنت عبد الله وهو سيدك ولا شئ غير ذلك فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وقم وتوضأ وصلى واحرص دوماً على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أنى فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل , كما أمرنا بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتذكر دائماً ليست العبرة بمن سبق إنما العبرة بمن صدق , وأنت فيك الخير الكثير والإسلام ينتظر منك الكثير وتذكر دوماً أن ما لا يدرك جله لا يترك كله , فقط استدرك ما فاتك فقد فاتتك مواطن صالحة , والله الأعلم بقدر عباده وهو أعلم بمن يحبونه .

أخى كن مثل خالد خالد الذكر .

دخل عمر بن الخطاب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك يا عمر , قال يا رسول الله : بالباب شاب قد أحرق فؤادى وهو يبكى فقل رسول الله صلى الله عليه وسلم  : يا عمر أدخله على , فدخل الشاب وهو يبكى فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك يا شاب فقال يا رسول الله أبكتنى ذنوب كثيرة وخفت من جبار غضبان على , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أأشركت بالله شيئاً يا شاب , قال : لا , قال : أقتلت بنفسً بغير حق , قال : لا , قال : فإن الله يغفر ذنبك ولو كان مثل السموات السبع والأراضين السبع والجبال الرواسى . أخرجه البخارى

وفى حديث أن رجلاً أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، ولم يترك حاجة ولا داجة ( يعنى ما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا أتاها ) فهل له من توبة؟ فقال: “أسلمت؟” فقال: نعم، قال: “فافعل الخيرات، واترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلها”. قال: وغدراتي وفجراتي؟! قال: “نعم”. قال فما زال يكبر حتى توارى.

وفى رواية أخرى , جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه، فقال: يا رسول الله، رجل غدر وفجر، ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه، لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم ( يعنى لأهلكتهم ) ، فهل له من توبة؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أسلمت؟” قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “فإن الله غافر لك ما كنت كذلك، ومبدل سيئاتك حسنات”. فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ فقال: “وغدراتك وفجراتك”. فولى الرجل يهلل ويكبر .

والله من وراء القصد وهو الجدير بالحمد وصلى ربى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين والسلام .

فيديو طريق الحرية – #المعصية

أضف تعليقك هنا

د. محمد فرحات

طبيب أسنان من مصر

كاتب عربي - مصر