ما المقدس ؟

أصبح الإبهام سمة من سمات الكتابات والأبحاث التي تحاول تحديد وتعريف المقدس نظرا لعلاقته المتداخلة مع مجموعة من المفاهيم،ولعل هذا المقال المتواضع هو محاولة أخرى للكشف عن ماهية المقدس.

وقد اعتبر ماكاريوس أن ”البحث في المقدس هو في ذاته إبطال لمفعول قدسيته، بل إنه شكل من أشكال الانتهاك المحرم”([1]) (Macarius, le sacré et la violation des interdits, P :8  )، ألا يكون قوله هذا تعبيرا فقط عن شكل من أشكال التورط في فضاء المقدس،” من حيث هو ما يعرف ولا يعرف ولا يحدد، ما يفارق عالمنا الإنساني ونرغب في نفس الوقت بضبطه”([2])( نفسه، ص:17. )؛إن هذا الكلام يحيل على صعوبة حصر مفهوم المقدس من وجهة نظر وحيدة أو داخل حقل معرفي معين من حقول المعرفة الإنسانية؛ لأن هذا المفهوم يتجاوز ما هو محسوس إلى ما هو مجرد، أو يجمع بينهما، لكن إذا كان المقدس مرغوبا فيه، ما الذي يميزه؟ وأين يتمظهر؟

إن كلمة مقدس دائما ما ارتبطت بالإنسان المتدين؛ “فالطبيعة ليست طبيعية على وجه الحصر: إنها مثقلة دائما بقيمة دينية، ويفسر هذا، لأن الكون إبداع إلهي: خرج من يدي الآلهة، وأن العالم يبقى مغرقا بالقداسة”([3])(مرسيا إلياد، المقدس والمدنس، ترجمة المحامي عبد الهادي عباس، ص:89.) وفي نفس السياق يعرف كايوا Caillios المقدس بوصفه مقولة الحساسية catégorie de la  sensibilité، تلك المقولة التي تعتبر ركيزة للديني وكذا للإحساس بالإحترام الذي يغمر المؤمن، إنها الفكرة الأم للديانة كما يقول Hubert، فالأساطير والمعتقدات تحلل مضامينها بطريقتها الخاصة والطقوس تستعمل خاصيتها، أما الأخلاق الدينية فإنها مشتقة منها بينما الكهنوتية تُمنحها والقبور والأمكنة المقدسة وكذا الآثار الدينية تتبثها في المكان وتجذرها. إن الديانة هي إدارة المقدس”([4])(Caillois (R) ;L’homme et le sacré, P : 18.) كما أن المقدس كممارسة يسمو بالإنسان إلى مستوى الروحية، فمثلا البوذية أو الصوفية  تمارس مجموعة من الطقوس قد تكون في نظر إنسان عادي بدون قيمة لكنها في نظر المتصوف تحمل طابعا قدسيا، لكن هل هذا يعني أن المقدس مرتبط فقط بنوع معين من الطقوس؟
يوضح مرسيا إلياد، ”أن كل من الزمان والمكان يمكن أن يصبحا مقدسين ويعرف الأسطورة على أنها شيء يرتبط بالتاريخ المقدس ويقترح أن الأمر ذو الأهمية الشديدة لمحللي الثقافة هو أن العديد من الأشياء التي يقوم بها الناس المعاصرون ما هي إلا نسخ عمياء من الطقوس المقدسة القديمة”([5])(أرثر أيزا برجر، النقد الثقافي، ص: 206.).
هناك نماذج متعددة لأزمنة وأمكنة مقدسة فلنأخذ على سبيل المثال لا الحصر (الأعياد، ودورات الفصول، رأس السنة…) والأمكنة (كالمسجد، الزوايا، الأضرحة، الكنيسة…)
إن المكان والزمان هما بمثابة جزء يسير من المجالات المتعددة التي يحضر فيه المقدس؛ إذ لا يمكن حصرها فقد نجده في الوجود الطبيعي (الأمكنة، الأنهار، الأشجار)، وما فوق طبيعي(الكائنات السماوية، الآلهة…) وكذا الزمان والأشخاص( كالأنبياء، والصلحاء أو الأولياء) وأخيرا وليس أخرا اللغة، والأساطير، والشعائر، والمعتقدات، والرموز…الخ.

من خلال هذا يتبين أن المقدس يحضر بشكل قوي ووازن في حياة الإنسان” فمعظم ما نفعله له بعد مقدس ولكن بدون أن ندرك ذلك ولقد اقترح بعض المفكرين أمثال جربنرGerbner أن التلفزيون ووسائل الإعلام بصفة عامة لها بعدها الديني أو المقدس”([6])(نفسه، ص: 207.  )، ولعل حضوره هذا هو ما يميزه فهو يفرض نفسه واحترامه ويجعل الإنسان يمتثل لضوابطه وقوانينه.
وتأسيسا على ما ذكرناه أنفا يمكن القول، أن المقدس بكل تمظهراته جزء لا يتجزأ من ثقافة كل شخص في هذا العالم.

      فيديو ما المقدس ؟

 

أضف تعليقك هنا

عبد الغني جطيوي

عبد الغني جطيوي