تطبيقات مبادئ الحوكمة في القطاع العام

تقديم عام

يحتل موضوع الحوكمة اليوم أهمية كبرى على مستوى العالم وخاصة بالقطاع العام أو ما يعرف بحوكمة الحكومات بشكل تطبيقي واول ما تم في القرن الحالي في نقاشات وزارة المالية الهولندية عام 2000 حيث عقدت عدد من الاجتماعات وورش العمل بهدف تفعيل دور حوكمة القطاع العام في هولندا أو محاولة الإجابة عن ماهية هذه الحوكمة وكيفية تطبيقها حيث أن أهم ما عنيت به حوكمة القطاع العام هو تكريس تضافر الجهود مع كافة القطاعات الحكومية لدرء حدوث الأزمات الإدارية التي تؤدي بشكل عام إلى هدر الأموال الحكومية العامة ، وإلى فقدان التحكم في النظام الإداري ، وفقدان المسؤوليات عند حدوث خلل في تطبيق الأنظمة والمشاريع المختلفة ،أو تشغيل العمليات العامة بشكل يعرف بالأفقي بين دوائر القطاع العام، وإن تطبيق وتطوير مبادئ ونهج حوكمة القطاع الحكومي هي مسؤولية الجميع بلا استثناء ويتطلب تفعيل برامج التوعية سواء للإدارات الحكومية نفسها أو للمواطنين مع تفعيل الرأي العام المساند والسماح بالمشاركة في صناعة القرارات وإعداد التشريعات، حيث تعد حوكمة القطاع الحكومي مشروعاً وطنياً يبدأ بالإرادة السياسية والعزيمة لتكريس الشفافية في القطاعات المشتركة بنظرة أفقية لا عمودية وأن يعمل المشروع على محاور أساسية أهمها معالجة حالات تعارض المصالح وانعدام المسؤوليات وتقليل المخاطر والخسائر المتوقعة في كافة أوجهها، وأن يعتمد اعتماداً جذرياً على قياس وتقييم الأداء المشترك بين الدوائر الحكومية ،فلا يجوز مثلا النظر لدائرة دون أخرى، وهنا فإن تقييم الأداء لا يقصد به الأداء المالي من حيث دراسة وتحليل ميزانيات القطاعات المختلفة فقط، بل يعتمد على قياس وكفاءة الخدمة العامة وعلى مقدار المعرفة والنضج الناشئين من جراء تطبيق حوكمة القطاع الحكومي.
إن المال كان وقود المجتمع الصناعي أما في مجتمع المعلومات فإن المعرفة هي الوقود، وهي السلطة. لقد ظهر هيكل طبقي جديد يميز بين من يملكون المعرفة ومن يجهلونها ، وتستمد هذه الطبقة قوتها ليس من المال والأطيان بل من المعرفة”… جون كينث جالبريت”.
وتعد حوكمة القطاع العام في أغلب دول العالم مطلبا ملحاً في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى، فقد أولت الدولة جل اهتمامها للتطوير والتحديث بشكل عام من خلال المبادرات والمشاريع المختلفة والتشريعات المتطورة التي ينصب جلها في إصلاح الأنظمة الإدارية والتشغيلية في القطاعات العامة المختلفة وصولاً إلى التنمية والإدارة الرشيدة (الحوكمة)، وتعود أهمية الحوكمة إلى أهمية تفعيل دور وحدات الرقابة الداخلية في القطاعات العامة والحكومية والتأكد من استقلالها وعدم ارتباطها تنظيمياً بالإدارات التنفيذية المباشرة ، ولا تخضع لسلطة الرئيس التنفيذي وهذا يعد مطلباً أساسياً لدحض تضارب المصالح عند تطبيق الخطة العامة المرتبطة ، بما يصدر من تقارير التدقيق الداخلي أو الخارجي ،منوهين إلى أن تطبيق حوكمة القطاع الحكومي يرتبط بتوفر محددات خارجية تشير إلى المناخ العام للاستثمار ، ووجود قوانين ناظمة للنشاط الاقتصادي مثل قوانين سوق المال ، وقانون الشركات ، وقانون تنظيم المنافسة ، ومنع الممارسات الضارة بالاقتصاد من الاحتكار ،والإفلاس ، بالإضافة إلى قانون مكافحة الفساد.

يثير تساؤلا ” هل الحوكمة مكون حيوي من مكونات الأعمال الناجحة أم إنها مجرد بدعة أخرى سوف تضمحل وتتلاشى عبر الزمن ؟ ” ، والواقع إن هذا المصطلح اوجد ذاته وفرض نفسه قسرا أو طواعية ، حيث أوجدته ظروف غير مستقره ، واضطرابات قلقة وحوادث عنيفة اجتاحت بعض المناطق والاقاليم والأعمال ، وألقت عليها بظلال من الشكوك ، وألوان من القلق والهواجس ، ونشرت معها الكثير من التساؤلات الحائرة حول مصداقية البيانات التي تصدر ، ومدى إمكانية الاعتماد عليها بصفة خاصة في اتخاذ أي قرار ، أو التعويل على المعلومات المنشورة بصفة عامة ، وصدقها في التعبير عن حقيقة ألاوضاع .

ولا تقتصر أهمية الحوكمة على أولائك المتعاملين في أسواق رأس المال ( بائعين ، ومشترين ، و وسطاء ، و شركات معلومات ) ، والموردين ، و والمقرضين ، والممولين من المصارف وشركات التمويل ، بل امتدت إلى منشات الأعمال ، والحكومات والدول ، والمؤسسات الدولية ، خاصة بعد الانهيارات التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، المملكة المتحدة ، و روسيا ، و اليابان ودول شرق آسيا . وكان لظهور هذه الفضائح آثار ونتائج مدمرة ، أدت إلى بروز أهمية الحوكمة من جديد.

وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل صالحاً ولوجهه خالصاً.

أضف تعليقك هنا

د.خلف عبدالله الوردات

خبير ومدرب واستشاري دولي للتدقيق والمحاسبة