بعد 3 أشهر على التعويم ” جاء وقت التقييم” – نتائج تحرير الجنيه

لم يكن قرار تحرير سعر الصرف بالسهل ، بعد أن خضع لسنوات طويلة لقرارات إدارية ، حيث كان يدير البنك المركزى سعر الصرف وفقا لتوازنات الأهداف الاجتماعية للسياسات الاقتصادية ، مع تحقيق الاستقرار فى الاقتصاد الكلى فى الوقت ذاته ، وليس خافيا أنه فى كثير – وربما فى غالب الوقت – ما كانت تحظى الأهداف الاجتماعية بأولوية متقدمة ، بما يؤثر سلبا ويحدث تشوهات بالسوق.

لا يعنى هذا الأمر أن تحرير سعر الصرف خير كله ، أو بعبارة أخرى أمر إيجابى خالص ، بل من الإنصاف أن نقول إنه لم يكن خيارا بقدر ما أملته الأوضاع بسبب التراجع الكبير فى مصادر النقد الأجنبى ، مع اتساع الفجوة فى الميزان التجارى ، والتى ظهرت بوضوح فى زيادة العجز فى الحساب الجارى بميزان المدفوعات ليصل إلى 20 مليار دولار بالتمام والكمال فى العام المالى 2016/2015، كما انخفض تدفق العملات الأجنبية بالبنوك جراء اتجاه 90% من تحويلات المصريين بالخارج للسوق الموازية ، بعد زيادة الفجوة بين السعر الرسمى بالبنوك ونظيره بالسوق الموازية ليصل إلى نحو 100% قبل التعويم.

نتائج إيجابية لقرار تحرير سعر صرف الجنيه

هذه مقدمة تبدو ضرورية ، قبل رصد الآثار المترتبة على تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر الماضى ، التى يمكن رصدها فى الآتى:

أولا – ارتفاع الاحتياطي الأجنبي

ارتفاع الاحتياطى الأجنبى ليصل إلى 26.363 مليار دولار ، ليغطى واردات 6 أشهر ، للمرة الأولى منذ نحو 6 سنوات، وهو وإن كان ناتجا عن طرح سندات دولاريه فى الأسواق العالمية بـ 4 مليارات دولار ، أو الحصول على قرض صندوق النقد الدولى ، فإن جانبا منها جاء بفضل زيادة الاستثمارات الأجنبية من الصناديق الدولية فى المحافظ وأدوات الدين الحكومى، حيث قفزت بشكل ملحوظ بعد قرار تحرير سعر الصرف لتصل إلى ما يزيد على مليار دولار خلال شهرى ديسمبر 2016 ويناير 2017 ، وبلغت 570 مليون دولار فى يناير الماضى، وهو لا شك نتيجة عودة الثقة بالسوق المصرية ، لعل الدليل على ذلك تغطية السندات الدولارية فى الأسواق العالمية 3.1 %.

ثانيا – زيادة تحويلات المصريين بالخارج

زيادة تحويلات المصريين بالخارج لتصل إلى 1.6 مليار دولار فى ديسمبر الماضى بزيادة 15.4% مقارنة بالشهر نفسه من 2015 حيث بلغت 1.4 مليار دولار، كما سجلت التحويلات 4.6 مليار دولار فى الربع الثانى من العام المالى أكتوبر/ ديسمبر 2016 مقابل 4.1 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق عليه بزيادة 11.8%، المهم أن 72% من هذه التحويلات جاءت بعد التعويم فى شهرى نوفمبر وديسمبر، ولا شك أن هذا أمر إيجابى، وتتزايد أهميته بالتنازل عن هذه التحويلات وبيعها بالبنوك بعد أن كانت تتسرب إلى السوق الموازية، ووفقا لرئيس بنك مصر محمد الأتربى فإن حجم الإيرادات من العملة الصعبة بالبنك يوميا، كان يتراوح بين 500 ألف دولار إلى مليون دولار قبل التعويم ليقفز إلى 50 إلى 80 مليون دولار بعدها، زيادة تدفق النقد الأجنبى بالبنوك ساعدتها على القضاء على قوائم الانتظار فى فتح الاعتمادات وتمويل الاستيراد.

ثالثا – معالجة التشوهات بسوق الصرف

معالجة التشوهات بسوق الصرف، من خلال القضاء على السوق السوداء بشكل واسع، ويرتبط بذلك تراجع استخدامات كروت الائتمان فى الخارج حيث كان يلجأ البعض إلى إساءة استخدامها للاستفادة من فروق الأسعار والفجوة الكبيرة بين السعر الرسمى بالبنوك والسعر بالسوق الموازية، بما يحقق أرباحا طائلة، حيث تشير بيانات البنك المركزى إلى أن انخفاض مدفوعات الفيزا كارد بالخارج شهرى نوفمبر وديسمبر الماضيين بنحو 55% بما قيمته 223 مليون دولار مقارنة بنفس الشهرين فى 2015 .

رابعا – السماح للشركات الأجنبية بتحويل أرباحها إلى الخارج

السماح للشركات الأجنبية بتحويل أرباحها إلى الخارج، وهو الأمر الذى أدى إلى انتهاء مشاكل متراكمة، ولا سيما لدى شركات الطيران الأجنبية التى كان بعضها يستغلها فى تشويه الثقة بالسوق المصرية، كما أسهم هذا الأمر فى تعزيز الثقة بالسوق المصرية، وربما يفسر هذا الأمر بالضغط على السوق خلال الشهور الماضية على سعر الصرف، حيث بدأ سعر الدولار يتراجع أمام الجنيه خلال الأسبوع الماضى ليفقد نحو 70 قرشا.

خامسا – تشجيع المنتج المحلي

تشجيع المنتج المحلي، من خلال ارتفاع أسعار السلع والمنتجات المستوردة، ولا سيما بعد رفع الرسوم الجمركية على السلع غير الضرورية، وارتفاع الدولار الجمركى، وهو ما ظهرت نتائجه بوضوح فى تراجع فاتورة الواردات بنحو 7 مليارات دولار فى العام المالى  16/15 .

سادسا – تأثير إيجابي في رفع تنافسية الصادرات

تأثير إيجابى فى رفع تنافسية الصادرات، خاصة فى ظل استراتيجية تنمية الصادرات التى أقرتها وزارة الصناعة والتجارة التى تستهدف الوصول بها إلى 30 مليارا عام 2020، وربما يدعم التفاؤل بذلك ارتفاع الصادرات بنحو 2 مليار دولار العام المالى الماضى لتصل إلى 20.2 مليار دولار، بفضل انخفاض قيمة الجنيه، حيث اعتمد كثير من المنتجين على تدبير احتياجاتهم من العملات الأجنبية من السوق الموازية.

نتائج سلبية لقرار تحرير سعر صرف الجنيه

يبقى أن نشير إلى أن آثار تحرير سعر الصرف، ليست كلها إيجابية، خاصة إذا ما تمت الإشارة بشكل خاص إلى ارتفاع معدل التضخم، وانفلات الأسعار بعد القرار، ولكن الإنصاف يستدعى القول إن جانبا ليس بسيطا من الانفلات يعود إلى جشع بعض التجار وضعف كفاءة الأجهزة الرقابية على الأسواق، إضافة إلى الممارسات الاحتكارية التى تسيطر على الأسواق، كما أن معدلات التضخم يتوقع أن تتراجع خلال النصف الثانى من العام الحالى وفق تقرير البنك الدولى.

لكن من المؤكد أن إيجابيات قرار تحرير سعر الصرف تفوق كثيرا الحديث عن الآثار السلبية، وكان قرارا صائبا.

فيديو بعد 3 أشهر على التعويم ” جاء وقت التقييم”

أضف تعليقك هنا

د. أحمد عادل محمد بخيت

متخصص في مجال التسويق