المروءة في غرفة الطوارئ

عندما نتحدث اليوم عن أبرز المشاهد في الشارع المصري فإننا يجب أن نذكر تفشي البلاده والجمود في أبناءه بشكل ملحوظ . فقديماً لم نكن نلاحظ ذلك علي هذا النحو الذي يدعو الي الحسرة. مشاهد كثيره لا يمكن إغفالها, وتتكرر كل يوم أمام أعيننا وعلي مسامعنا. والغريب أنها تقابل حالات من الصمت. الصمت الذي لا يمكن معرفة أسبابه. وعندما حاولت تخمينها أحسست بالعار الشديد الذي يمكن أن يجعل شبابنا ورجالنا يتبنون مبدأ ((من تدخل فيما لا يعنيه سمع مالا يرضيه )).فماذا سيكون علامه الصمت سوي ذلك, أو ربما يقولون في أنفسهم ((أبعد عن الشر وغنى له ))

فعندما تسير بجوار زوجتك وابنتك في الشارع بينما تطلق بصرك علي النساء من حولك فأين مروءتك؟. ومع الازدحام المروري الشديد, وهرولة الشباب وتكدسهم داخل وسائل المواصلات غير مكترثين بالفتيات اللاتي لم يستطعن التزاحم معهم لحجز مقعد للجلوس عليه, وعند مطالبتهم بالنزول لكي تركب الفتيات أولا نجد الكثير من الأيادي التي تلوح بالرفض التام, والحناجر التي تصرخ بكل طاقتها وبدون أي ذره من المروءة والحياء لتقول (( الطقس شديد الحراره ومن العدل أن يلتزم كل فرد بمقعده ونحن جلسنا من قبلهم )).أي عدل هذا الذي تتحدثون عنه ؟أليس في بيتك وعائلتك نساء ؟كيف ستشعر وأبنتك تريد أن تركب سريعا لتصل لبيتها ماذا ستقول أنت لو واجهها رجل مثلك وقال لها ما تقول ؟.

أتذكر أنني في يوم ما هممت لركوب أتوبيس للعوده الي بلدتي وشاهدت امرأه عجوز تميل برأسها الي السائق لتطلب منه أن تجلس في الكرسي الأمامي لحالتها الصحيه الحرجه .ومن المخزي أن السائق قال لها (( اعمللك ايه ياست مش باقي في الأتوبيس إلا تلات كراسي, وأشار بيديه الي رجل ما وقال (( الرجل حجزهم من نص ساعه .أنا أسف مش هقدر اعملك حاجة )) لم تستسلم المرأه العجوز وعزمت أن تمشي الي هذا الشاب لتستأذنه في مقعد واحد لها .وهنا كانت المفاجأه .نظر الشاب لها وهو يضحك بصوت عال قائلا(( يا ست انا تعبان جدا, والجو حر شديد الحراره وعايز أرتاح  )) فأين ذهبت مروءتك أيها الشاب ؟ألم يأت في ذهنك -ولو لوهلة- أنها مثل أمك أو أختك أو زوجتك أو أبنتك ؟؟.

حينها تذكرت ما قال (ابن القيم)في المروءه فيقول إنها درجات؛ فالأولي /مروءة المرء مع نفسه وهو أن يحملها قسرا علي فعل ما يجمل ويزين, وترك ما يقبح ويشين, ليصير لها ملكة في العلانيه,ولا يفعل خاليا مايستحي من فعله في الملأ,إلا ما لا يحظره الشرع والعقل. (الدرجة الثانية)/هي مروءة المرء مع الخلق,بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل,ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه. و(الدرجة الثالثة)/هي المروءة مع الحق عز وجل ويكون ذلك بالاستحياء من نظره إليك.واطلاعه عليك في كل لحظة ونفس,وإصلاح عيوب نفسك قدر الإمكان فإنه قد اشتراها منك, وأنت ساع في تسليم المبيع, وليس من المروءه تسليمه مبيعا.(مدارج السالكين 368/2).

فالمروءه من أعظم الصفات التي يمكن أن يتوج بها الأشخاص في كل زمان وكل مكان. ودائما كان يقول الحكماء ((من تمام المروءة أن تنسي الحق لك وتتذكر الحق عليك, وتستكبر الإساءه منك وتستصغرها من غيرك)).فيجب أن نربي أولادنا علي المروءه لكي نزرع فيهم جميل الصفات الاخري من الشجاعه والصدق و التسامح وغيرها .

فيديو المروءة في غرفة الطوارئ

 

أضف تعليقك هنا