اثنان رفضا عرش مصر

إنه العرش الذى تسيل من أجله الدماء وتُحاك بسببه المؤامرات
إنه الملك الذى يتنافس فيه المتنافسون ويتباغض فيه الأحياء.
وليس أى عرش إنه عرش مصر وملكها الذى وقف فرعون مزهوًا به وهو يقول “يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي” عرش الكنانة التى قال عنها عمرو بن العاص: “ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة”

“ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة”

هكذا هو حكم مصر مصدر فخر واكتفاء لصاحبه وكم من حروب ومؤامرات جرت لأجل كسب عرش مصر الذى تقلبت عليه الدول وتتابع عليه الحكام وليس غريبًا أن نكتب عن تلك المؤامرات التى حاكها الكثيرون للوصل إلى هذا العرش وعن عن هؤلاء الطامحين الذين حاموا حوله فناله البعض وفقده الكثير لكن الغريب أن نكتب عمن رفض هذا العرش مع أن العرش جاء إليه على طبق من فضة والحقيقة أننا فى موكب التاريخ لانجد أمثالاً كثيرة لهؤلاء فى التاريخ عامة وفى تاريخ مصر فقد وجدنا اثنين رفضا هذا العرش أحدهما مملوك والآخر أمير  من أسرة محمد على الأمير المملوكى أزبك من ططخ.

هو الأمير أزبك من ططخ اشتراه تاجر رقيق يسمى ططخ فنسب إليه وباعه فى مصر فألتحق بخدمة ملوكها وترقى فى وظائفاها وإماراتها حتى وصل إلى منصب أتابك العسكر والأتابك فى هذا العصر هو قائد الجيش وأعظم أمراء الدولة وهو المرشح لتولي السلطنة إذا ما مات السلطان الموجود أو خُلع عن العرش.

الأزبكية

وإلى الأمير أزبك يعود بناء حى الأزبكية المشهور والذى يُنسب إليه فبعد أن كان مكان الحى مجرد بركة كبيرة ردمها الأمير وعمر حولها قصرًا ومسجدًا جميلاً فبنيت حوله القصور والمساجد ورغب الكبراء والعظماء فى سكنى المنطقى لطيبها وجمالها حتى صارت حى الطبقة الراقية لهذا العصر وكان الأمير أزبك زوجًا لبنت السلطان المملوكى جقمق وبحكم تلك المصاهرة فقد وقف مناصرًا للسلطان عثمان بن جقمق ضد خصومه الذين أرادوا خلعه عن السلطنة وقد نجحوا بالفعل فقبض على أزبك وحبس مدة إلى أن أفرج عنه وترقى فى المناصب حتى وصل إلى منصب نائب الشام أى حاكم بلاد الشام ثم أصبح أتابكًا للعسكر فى أوائل سلطنة الملك قايتباى وظل فى هذا المنصب حوالى سبعة وعشرين عامًا.

وقد اشتهر الأمير بشجاعته وخلقه الكريم وكان أتابكًا للجيش وقت أن هاجم العثمانيين بلاد الشام للاستيلاء عليها وأرسلوا ثلاث حملات لهذا الهدف فى عهد السلطان قايتباى وقد قاد أزبك جيوش المماليك فى تلك المعارك وتصدى للعثمانيين بشجاعة وكان ينفق على الجند فى تلك الحروب من ماله الخاص وحقق النصر وحفظ البلاد وفى أواخر سلطنة قايتباى وبسبب الفتن التى كانت سائرة فى هذا الوقت طلب الأمير التقاعد من منصبه والإقامة بمكة المكرمة وقد أجابه السلطان لطلبه وتولى بعده منصب الأتابكية أمراء لم يكونوا فى مهارته ولا حسن تصرفه فاضطربت الأمور وكثرت الفتن فأُعيد إلى الأتابكية مرة أخرى فى عهد السلطان محمد ابن السلطان قايتباى وقد كان السلطان محمد عكس أبيه فقد كان مستهترًا غير كفؤ للسلطنة وإدارة شئون البلاد كما لم تكن له كياسة تجعله يحسن التعامل مع أمراء المماليك العصاة بطبعه بل لقد جاءت منه تصرفات جعلته مكروهًا منهم ولم يسكتوا له إلا بعد أن قتلوه …..

أتابكهم أزبك

وهكذا طويت صفحة سلطان من سلاطين الدولة المملوكية بالقتل وجرى البحث عن سلطان جديد وهل للسطنة إلا أميرًا داهية يحسن تدبير ومن لها أفضل من أزبك فعقب قتل السلطان اضطرب الأمراء فيمن يتولى السلطنة لكن وقع إتفاقهم على تولية أتابكهم أزبك فما كان منه إلا أن رفض المنصب رفضًا قاطعًا ولم يهرع إليه كما فعل غيره بل أعرض عنه حتى أنه حلف بالطلاق أنهم إن أصروا عليه فى ذلك أن يعود إلى مكة ويترك الأتابكية أيضا وهكذا رفض المملوك عرش المحروسة لأنه عرش ورائه كدر البال والمعاناة من الأمراء المارقين والمماليك العصاة فضل المملوك راحة باله وهو أمير وسطوته وهو قائد للجيوش عن عرش سيجلب له المتاعب ويجعله فى خوف من مؤامرات الجند وشغب العسكر.

الأمير كمال الدين حسين

فى سنة 1882م احكمت بريطانيا قبضتها على مصر المحروسة وعاد الخديو توفيق إلى عاصمة البلاد مع رجال الجيش الانجليزى وقام اللورد دافرين بوضع نظام لادارة المستعمرة البريطانية الجديدة وكان من معالم هذا النظام أن تظل مصر تحت السيادة الاسمية للدولة العثمانية كما هى والباب العالى هو من يعين الخديوى وكل تلك الشكليات وكان ذلك تفاديًا لمعاداة الدول الكبرى التى كانت تحلم هى باحتلال مصر وخاصة فرنسا.

وبالتالى ظل نظام ولاية العهد الموجود فى مصر ساريًا بحيث يرث الأريكة الخديوية أكبر أبنا الحاكم سنًا بموجب فرمان تولية يصدره الباب العالى وبذلك تولى عباس حلمى الثانى خديوية مصر بعد وفاة والده محمد توفيق وقد كان الخديو يفكر غير والده  ولم تكن علاقته بالأنجليز طيبة على أى حال ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى كان الموقف الدولى قد تغير فقد عقدت اتفاقات وفاق بين الدول الأوربية المختلفة ومع دخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا وفرنسا انتهزت إنجلترا الفرصة وأعلنت الحماية على مصر فى الوقت الذى كان فيه عباس فى زيارة لاسطنبول فتم خلعه عن العرش وهكذا فقدت مصر استقلالها الاسمى وحاكمها المعين من قبل الخليفة.

ولم يكن الانجليز ليعينوا على عرش البلاد ولى عهدها الشرعى الأمير محمد عبد المنعم فهو نجل الخديوى المخلوع والذى كان يتمتع بكراهية المحتلين وبذلك لم يُعين ولى العهد الشرعى وكان طبيعيًا أن تبحث بريطانيا عن حاكم من الأسرة العلوية ليجلس على عرش محميتها ووجدوا ضالتهم فى عم الخديوى المخلوع الأمير حسين كامل والذى مُنح لقب سلطان ليكن موازيًا للقلب السلطان العثمانى ووافق حسين على منحة الأنجليز وظل المصريون يحلمون بعودة عباس حلمى على رأس جيش عثمانى ليحرر مصر ويسترجع عرشه حتى أن الأطفال –وحتى وقت قريب- كانوا يرددون الهتاف قائلين “الله حى عباس جى”وهو ما لم يحدث.

وقد رشح حسين نجله الأمير كمال الدين ليتولى العرش خلفًا له غير أن الأمير قد رفض ذلك وأرسل لوالده خطابًا بذلك ؛ الأمر الذى جعل مقعد ولاية العهد شاغرًا وبعد وفاة السلطان حسين عُرض العرش على الأمير أحمد فؤاد الذى وافق وبسرعة على تولى عرش تحت حماية الانجليز.

هكذا رأينا أنه هناك من يرفضون العروش ويبتعدون عن السلطان وهم قلائل جدًا لأن للعرش بريقه الذى يعمى العيون لكن هناك عيون لم تحرم من النظر حتى مع بريق العروش.

فيديو المقال اثنان رفضا عرش مصر

 

أضف تعليقك هنا