حسن تدبير التعامل مع المخالف

وجود المخالف

إن وجود المخالف قائم على مر العصور، وهذا لا يتناقض مع الوحدة البشرية وإنما هو أكبر دافع نحو البحث عن القواسم المشتركة إنسانيا؛ فلا يقتضي وجوده حمل أي نوع من العداء للآخر المختلف معه بل يفضي إلى التعارف الذي يؤدي إلى العمران البشري السلمي الذي لا يَنتُج عن إقصاء أي طرف كان، وذلك بالسعي إلى بناء مجتمع إنساني متماسك رغم اختلاف أفراده، والارتقاء بالأسرة الإنسانية عن طريق إعمار الأرض، والقيام بأمانة الاستخلاف على أكمل وجه.

وفي مقابل ذلك تكاد تكون الجهود العملية المنصبة نحو احتواء المخالف وحسن تدبير التعامل معه شبه منعدمة مما يعكس ظهور الصورة الحقيقية للواقع الإنساني المعاش الذي يكثر فيه معاداة المخالف ومصادرته، ويرجع ذلك بالأساس لسوء تدبير التعامل مع الآخر المختلف معه، والذي يعد علامة من علامات التخلف والانغلاق الحضاري، فمن غير الطبيعي النظر إلى أن وجود المخالف ظاهرة مرضية ينبغي القضاء عليها، لأن وجوده أفيد للبشرية فبه مثلا تزاح كثير من الحواجز التي تمنع الحصول على الإنتاجات المتعددة والمتنوعة والتي تتم بواسطة من يحمل الأفكار الإبداعية المختلفة المحدثة للازدهار والرقي الحضاري.

والسؤال المطروح هنا: لمَ ينظر إلى المخالف على أنه عدو؟

إن مواكبة ما يبتغيه المجتمع الحالي ويحتاجه يستدعي العمل تربويا بكثافة من أجل ترسيخ قيم التعايش السلمي في ظل اتساع حجم الفرقة والشقاق، وهذا ما سيتطلب جهدا كبيرا في إحداثه على أرض الواقع بغية احتواء المخالف بالحرص على بناء الائتلاف معه خصوصا مع تصاعد خطابات الأحادية والإقصائية المتعصبة، فاستخراج آليات بناء المشترك البشري ليس بالأمر الهين، وتجاوز حالة العداء والصراع الذي يعيشه المجتمع الإنساني اليوم من الأمور الأكثر صعوبة.

ويعد التعديل السلوكي لمن يعتبر المخالف له عدوه ضرورة مهمة لتحقيق الارتقاء القيمي عنده؛ فبذلك يتم نهج السلوك السوي مع المخالف مما يعني قبول اختلافه والتعامل معه بشكل إنساني نبيل أي حسن تدبير التعامل مع المخالف بالعمل على بناء الائتلاف المتوافق عليه بعيدا عن كل أشكال الصدام والنزاع؛ وبالتالي سيحصل تضييق في مساحة المختلف عليه بالبحث عن أرضية خصبة صالحة للوفاق الإنساني.

حسن التعامل مع المخالف

ويكتسي حسن التعامل مع المخالف في حياتنا أهمية متزايدة يوما بعد يوم، لكون أن مجتمعات اليوم لم تعد قادرة على سد الثغرات التي يتركها سوء تدبير التعامل مع المخالف، ولذلك ينبغي البحث عن حلول تربوية فعالة وقادرة على تعميق معالجة صور المخالف عند الآخر من زوايا تربوية متنوعة وبأبعاد متعددة لرسم معالم واضحة ومتكاملة عن المخالف؛ مما يعني توصيف المشاكل القائمة على مستوى صورة الآخر المخالف، مما يعني القضاء على العداء الناجم عن سوء تدبير التعامل مع المخالف؛ أي اكتساب القدرة على إيجاد الحلول للإشكالات التي يعيشها المخالف مع الآخر، مما يعني تسهيل عملية إصلاح وتغيير الحالة المتردية التي تعرفها صورة المخالف عند الآخر في الوقت الراهن.

لذا تعتبر التربية القيمية رافداً أساسيا لتحسين صورة المخالف والارتقاء بها، ومما لا شك فيه أن الحرص على دراسة المخالف تربويا واعطائه حيزا جديداً في التحليل والمعالجة، يبين لنا إلى أي حد يعتبر هذا الرافد ليس فقط ضرورياً لتأطير المخالف، ولكنه مانع للاختلالات التي يمكن أن تفرزها التغيرات الحاصلة في المجتمعات بفعل العداء المتكاثر للمخالف.

وتبقى عملية البحث عن المخرج الإجرائي مع التركيز على ربطه بالمنظومة التربوية الهدف الأكبر الذي يمكن من خلاله إيجاد القواسم الإنسانية المشتركة مع العلم بأنها ليست بالمهمة السهلة، إلا أن المدخل القيمي يمكن له تيسير العملية قليلا من خلاله العمل على ضبط صورة المخالف عند الآخر بإحكام.

من المؤكد أن لحسن تدبير التعامل مع المخالف تأثير كبير في إصلاح الأفراد خاصة والمجتمعات عامة، وهذا مما يدفع إلى زيادة الاهتمام به، لما يحدثه من تأثير في واقع الناس، ولذلك تم اعتبار التربية القيمية من أسباب الارتقاء بتدبير التعامل مع المخالف، وكذا تطوير آلياته الإجرائية بهدف تحقيق نوع من التحسين المتواصل، وهذه من أهم الوظائف التي ينبغي أن تفعل، فالمجتمعات تزداد تعقيدا كلما زاد فيها الصدام مع المخالفين الذي يرفع من حجم الفرقة والنزاع مع تقدم الزمن الذي يحمل معه تحديات كثيرة، أي أن المخالف معرض خلال مسيرته الحياتية لتغيرات عديدة، منها ما هو دائم وما هو مؤقت، ومنها ما هو سيء وما هو جيد.

أمام هذه التحديات ينبغي لحسن تدبير التعامل مع المخالف الخروج من أسره في سياق تنظيري ضيق وغير فعال إلى سياق تربوي عملي وفعال، وهذا ما يجعله في حاجة ملحة إلى حمولة قيمية تفعل من خلاله وظائفه بشكل تام من خلال إيجاد المخرجات الإجرائية الناظمة لتيسير الوصول إلى الأهداف المنشودة منه والتمكن منه أي ضبطه بإحكام.

إن تحقق ما تم ذكره سلفا فلن يصير كل مخالف عدوا، بالخصوص إن صرف النظر عن الصراعات الأيديولوجية المؤدية إلى العداء والتشرذم وإبقاء التدافع السلمي الحضاري المؤدي إلى تلاقح الأفكار، لأن ذلك من بين أهم منطلقات النهضة الإنسانية والحضارية وبدون ذلك لا يمكن الوصول إلى النتائج المنشودة، ومن المؤكد أن حسن تدبير التعامل مع المخالف من الدوافع الجوهرية التي تمكن من إحداث التغيير الفعال والإيجابي والتي تحتاج للعمل المتواصل للارتقاء بصورة المخالف نحو الأفضل وكذا تطوير قدراته التعاملية مع الأخر، ومما ينبغي ذكره في الأخير أن قيم الإصلاح والارتقاء المجتمعي ثابتة ومتقاسمة إنسانيا وليست في ملك جهة معينة دون أخرى.

فيديو حسن تدبير التعامل مع المخالف

أضف تعليقك هنا