مبرر للغدر - #قصة

مبرر للغدر – #قصة

بقلم: سناء جبار

كان يتناول غدائه متأخرا بعد عودته من الواجب

حين طرق الباب، نادته امه من المطبخ: لا تبرح مكانك أكمل غدائك (يمه) انا سأفتح الباب

– مرحبا خالتي

– هلة يمه هله

– وليد موجود؟

– لا يمه هو في محل والده

– نحن اصحابه ونحتاجه ضروري عندنا واجب، سنحتاج الى من يدلنا على مكان محله..

ناداها من الصالة:

– من بالباب يا أمي

– اصحاب أخيك يريدون من تدلهم على مكان المحل..

ترك زاده بسرعة وكأنه كان ينتظر شخصا مهما وقام الى الباب..

– السلام عليكم تفضلوا تفضلوا سأغسل يدي وآتي معكم..

دخلا وأحدهما ينظر للآخر بابتسامة مصطنعة وريبة غريبة

– أمي ضيفيهما ريثما اغير ملابسي..

– تفضلوا يمه عصير برتقال طبيعي والجو حار..

مدا يديهما وتناولا كأسين ينضبان ندى لشدة برودتهما

– شكرا خالتي عاشت يداك

وعادا يتبادلان النظرات وكأنهما يراجعان أمرا ما أو يتعاتبان أو يبيتان ما لا يمكن ان يقال.

عاد الأبن بأبهى صورة وأجمل هيئة وعيناه العسليتان تلتمعان طيبة ولهفة..

– هل شربتما العصير؟

بادر أحدهما

– والدتك طيبة وعصيرها بارد ومنعش

– لننطلق اذن

ودع والدته على استعجال دون ان يلتفت

صاحت من المطبخ:

– لا تتأخر على العشاء يمه

اغلق الباب خلفه وانطلق معهما ……….

كان هذا آخر ما دار بين الأم الطيبة وابنها الشاب ذو العشرين ربيعا العسكري في الجيش العراقي السابق.

حل المساء وعاد الأب من عمله وعاد وليد بعده بدقائق

سألته الأم أين أخوك لماذا لم يحظر معك..

رد وليد باستغراب.. لم أر أخي اليوم ألم يعد للبيت؟

تجمدت عيناها،

تغير لونها،

خوى قلبها ثم غابت عنهم باسترجاع ما حصل منذ عودته من الواجب وحتى خروجه مسرعا دون ان يكمل تناول غداءه…

خارت قواها والتفتت الى الأب، فهم بدوره ان مصيبة كبيرة حلت على عائلته الصغيرة..

جر وليد نفسه الى حجرة أخويه

ليداري دموعه التي انفجرت كبركان غاضب دون ان يسيطر عليها..

انتظروا يومين.. ثلاث وأربع دون جدوى

قرر بعدها والده ان يغامر ويبلغ الشرطة عن اختفاء ولده مهما كانت النتائج فقد صار قبل أمه فارغا على فقد ولدها..

بعد أيام من الانتظار الثقيل والمرير جاء مبلغ من الشرطة الى محل عمل الوالد..

– انت مطلوب في مركز الشرطة..

صعق الوالد لا يدري هل يستبشر خيرا ولو ان هذا امر مستبعد في ظل النظام الظالم المتعسف لكن لا زال متمسكا بالأمل…

بكر بالعودة مساء الى بيته فاستقبلته زوجته متسائلة..

– أخبرني ما الذي أعادك باكرا هل حصل شيء هل سمعت خبرا عن ولدي؟ لم انت صامت هكذا..

– لا ترفعي صوتك وتكتمي على ما سأقول..

بعثوا يطلبوني لمركز الشرطة فأخبرني الضابط المسؤول قائلا: إياك ان تسأل عن ولدك ثانية فقد نال جزاءه العادل …….

مرت السنين وتعاقبت الفصول وكل فصل منها يعادل عمرا من الألم والحنين ابيضت خلالها عينا الأم الطيبة

حتى تغير الحال فراح الأخوة يبحثون عن أثر لأخيهم وبعد عناء طويل وجدوا رقما…!

نعم مجرد رقم على قبر مهجور قد تساوى مع الأرض.. رقم على خشبة يرقد تحتها شاب كان كالقمر في الليالي الظلماء كل جريمته انه كان حرا يبدي آراءه بكل حرية وهذا ما كان يعتبر من أكبر الجرائم في عهد ما…

بقلم: سناء جبار

أضف تعليقك هنا