بين المطرقة والسندان – #الأردن

جندي غير مجهول

إذا فتحت “خرائط جوجل” وكتبت في البحث “الأردن” لوجدت الخريطة الجغرافية والإدارية تجعلها دولة طريق، وبامتياز؛ حيث تجمع شبكات الطرق الحيوية من وإلى المملكة العربية السعودية وسوريا والعراق وخليج العقبة، وكذلك من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ودولة الاحتلال.

لذلك كان وجود الهاشميين في إمارة شرق الأردن سابقاً والمملكة الأردنية حالياً ضرورة ملحة بالنسبة لبريطانيا ومن بعدها الإدارة الأمريكية؛ فالهاشميون الذين شكلوا علي مدار عقود حلقة وصل بين كل من بغداد ودمشق ومجلس التعاون الخليجي، والسلطات الإسرائيلية، وفلسطينيي الضفة الغربية ومليون لاجئ فلسطيني رفضوا التوطين في الأردن كوطن بديل لهم، ووصاية على الأماكن المقدسة في الضفة الغربية.

فالمفاوضات السرية التي لطالما أجراها الهاشميين مع سلطات الاحتلال – بدءاً من الملك عبد الله الأول وصولاً لحفيده الملك عبد الله الثاني- وصفها “دنيس روس” أحد وسطاء الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأب وكلينتون بأنها “تاريخ من التعاون المستتر”.

وعلي حدودها الشرقية تأتي العراق وخطوط النفط المزمع إقامتها، والتي ستبدأ من مصافي النفط والغاز في البصرة وصولاً إلى العقبة، هذا إلى جانب الشراكة الاقتصادية التي تسعي فيها عمَّان إلى المشاركة في السوق العراقية وغير ذلك من المصالح.

أما بالنسبة لقدرة عمان على التواصل مع دمشق فقد سبق وأن حصلت الأردن على حدود شمالية مستقرة نسبياً مع سوريا بعد إبرام إتفاقية لوقف إطلاق النار بين المليشيات المسلحة السورية وبين الحكومة السورية في محافظة درعا جنوب سوريا، وذلك بوساطات أردنية وبرعاية روسية أمريكية في التاسع من يوليو العام الماضي؛ وتم إنشاء غرفة عمليات واجتماعات في عمَّان لمراقبة تطبيق بنود الاتفاقية.

كلمة السر، طهران

إن الموقف الذي يقترب من مباركة مجلس التعاون الخليجي على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يأتي في سياق استرضاء واشنطن في سبيل البحث عن أمن دوله في مواجهة التمدد الإيراني، وذلك بعد أن هددهم في الخليج في البداية، ثم تغلغل في أوصال بغداد “مابعد صدّام”؛ وطغى حضوره من خلال التدخل دعماً لحكومة الأسد وكحليف لموسكو في المسألة السورية.

ولأن إعلان انسحاب واشنطن من “الاتفاقية النووية” مع طهران في الثامن من مايو الماضي لاقى تحفظاً وتحذيرا أردنياً؛ تبّدى في تصريح وزير الخارجية الأردني ” أيمن الصفدي” الذي ركّز على “خطورة فتح سباق التسلح النووي في المنطقة في المستقبل”.

ومن جانب آخر، ولأن الأزمة السورية تقض مضجع الملك عبد الله الثاني؛ فإن الانسحاب الأمريكي غير المرغوب فيه من جانب عمَّان -كما هو الموقف من جانب عدة أطراف دولية وإقليمية – قد يزيد من الاحتقان في سوريا، ويرفع من فرص التصعيد بين إسرائيل وإيران في جنوب سوريا، وهو ما بدا واضحاً غداة الإعلان، عن الهجمات الصاروخية المتبادلة بعد يومين من الانسحاب، مما يمسّ الأمن الوطني الأردني بقوة، ويهدّد بخفض فرص تسوية الصراع السوري.

كذلك؛ فالتعقد في الشراكات الأردنية الذي يجعل إيران طرفاً مهماً في تلك الشراكات في ظل الأوضاع الراهنة؛ حيث يمكن لطهران على سبيل المثال في حالة التطبيع الإيراني-الأردني أن تذلل كل العقبات التي تحول دون الدخول في السوق العراقي وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع بغداد؛ ليستفيد اقتصاد الأردن المتأزم في الأساس.

نقطة نظام

جاء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وما قد يستتبعه من مواقف حيال طهران في سياق تشكيل كتلة سياسية إقليمية ضد طهران تكون إسرائيل أحد المشاركين فيها، وتمهيداً للتصعيد الدولي الذي تريد أن تخلقه واشنطن ضد طهران؛ وهو ما يتطلب تقارب أكثر بين مجلس التعاون الخليجي وتل أبيب، والذي لن يتم -في الوقت الراهن على الأقل- دون حلقتا الوصل الأردنية والمصرية، وخاصةً عمَّان التي تحظى بجانب أكبر من الأهمية بحكم وصايتها على الأماكن المقدسة في الضفة الغربية.

وهو ما صرح به ترامب في حملته الانتخابية بخصوص موقفه حيال إيران، ويفسر ايضاً تعيين صقور مناهضين للنظام الإيراني أمثال “مايك بومبيو” و “چون بولتون” كوزير للخارجية ومستشار للأمن القومي، وهما بالمناسبة إدارتين من ضمن دوائر صنع واتخاذ القرار الأمريكي الخمسة، إلى جانب البنتاجون والبيت الأبيض والكونجرس.

وهي نفس رؤية “چون كرياكو” أحد ضباط الاستخبارات الإمريكية – الذي خدم في باكستان حتى مايو ٢٠٠٢ وعلم بالعزم على غزو العراق- في تصريحه ل”روسيا اليوم” في مايو ٢٠١٨م عن موقف واشنطن ضد طهران وتكرار السيناريو العراقي.

ولأن موقف عمَّان جاء في عكس الاتجاه، تخلَّى عنها حلفاؤها، وتركوا الأردنيين يغرقون في أزمة مالية واقتصادية خانقة؛ بينما كان صندوق النقد يضغط لتطبيق شروطه لمنح الأردن ٧٢٣ مليون دولار، مما دفعهم لاتخاذ سياسات اقتصادية وإصدار قرارات صعبة على الشارع الذي يواجه، منذ أعوام، ضغوطاً مالية كبيرة.

أي أن الملك خاض غمار مناورة سياسية لا علاقة لها بالشأن الداخلي، وكوسيلة للضغط عليه كان وضع عمَّان بين مطارق صندوق النقد وسندان الرأي العام الأردني الذي يعاني اقتصادياً في الأساس هو الحل.

فيديو مقال بين المطرقة والسندان

أضف تعليقك هنا