صورة القرية الأردنية (العالوك) في شعر حبيب الزيودي

 بقلم: سمر محمد خليف الزيود

المكان وحدة أساسية من وحدات العمل الأدبي والفني في نظرية الأدب ، عندما نقول أو نتحدث عن المكان في الأدب فهو يحظى باعتباره أحد المكونات الأساسية لأي عمل إبداعي بأهمية قصوى ، حيث يلجأ المبدع لهذه الوسيلة ، ليس فقط كمساحة تقع فيها الأحداث ، وإنما كفضاء لا يخلو من حساسية ورمزية. وغالبا ما تشدّنا القطعة الأدبية بأسماء أمكنتها  وأصنافها التي تحيل بقول التاريخ والثقافة على معالم محدده الشيء الذي يحفز على التساؤل : هل المبدع يتعامل مع المكان كمكان  واقعي أم مكان متخيل ؟ فالإجابة قد تجسد الأشكال المنهجية في نوعية تقديم المكان ( واقعي ، رمزي / متخيل ) وهذا ناتج عن اختلاف التصورات النظرية والمفاهيم الإجرائية.

أهمية المكان في النص الشعري

يعد المكان عنصرًا مهمًا في النص الشعري؛ إذ كثيرًا ما يشكل بؤرة دلالية مشعة، لا يمكن تجاوزها على مستوى تلقي النص والوقوف على أبعاد التجربة الشعرية. وسأحاول في هذا المقال تتبع عنصر المكان في شعر حبيب الزيودي، بمسمياته الحقيقية، ومن ثم الولوج إلى ما يحمل من سمات رمزية وفنية، في إطار تجربة الشاعر الخاصة، وقد ساعد على ذلك توافره بكثرة في شعره، ولا سيما قريته الوادعة ( العالوك )؛ مما شكل ظاهرة تستحق البحث والدرس، لاستبانة مدى تأثير هذا العنصر في بنية النص الشعري عند حبيب، سواء على المستوى الدلالي أم الفني.

له دور رئيسي في تحديدِ اتّجاه الرّؤية الأدبيّة للكاتب

عدُّ المكانَ من أكثرِ العناصرِ أهمّيّةً في تشكيلِ جماليّةِ النّصِّ الأدبيِّ؛ لأنَّ مؤلّفَ النّصِ الأدبيّ ارتبطَ ‏بهِ ارتباطًا وثيقًا منذُ ولادتِهِ الأولى، ومرورهِ بالمراحلِ النّمائيّة المتلاحقةِ، حتّى بلوغِه سنَّ القوامةِ ‏واشتدادِ عودِهِ؛ لذا تجدُ المكانَ حاضرًا في أدبِ الأدباءِ بشكلٍ لافتٍ بكلِّ صورهِ الجغرافيّة والفيزيائيّة ‏والواقعيّة والرّوحيّة والخياليّة، فلا يمكنُ الانفصالُ عنهُ أو اعتبارُه خارجًا عن المتنِ الأدبيِّ العامِّ ‏للنَّصِّ الأدبيّ الإبداعيّ بكافّةِ أنواعِهِ، كما أنَّ له دورًا رئيسًا في تحديدِ اتّجاهِ الرّؤيةِ الأدبيّةِ للكاتب؛ ‏إذْ على أرضهِ تشكّلتْ معالمُ الشّخصيّةِ الإنسانيّةِ، وارتسمتْ خطوطُ البداياتِ الأولى للتّجربةِ الأدبيّةِ.

حبيب الزيودي

حبيب حميدان سليمان الزيودي شاعر وأديب أردني، ولد حبيب الزيودي في لواء الهاشمية في محافظة الزرقاء سنة 1963م ، وترعرع في قرية العالوك. حصل على درجة البكالوريوس قي الأدب العربي من الجامعة الأردنية سنة 1987م، ثم شهادة الماجستيرفي الأدب العربي  من الجامعة الهاشمية . توفي – رحمه الله – إثر نوبة قلبية مفاجئة في 27 أكتوبر 2012م عن عمر يناهز 49 عامًاً. له العديد من القصائد الوطنية والغزلية ، والقصائد التي يحن فيها إلى مضارب أهله في البادية.

أعماله 

  • الشيخ يحلم بالمطر 1986
  • طواف المغني 1990
  • منازل أهلي 1997
  • ناي الراعي .

ديوان غيم على العالوك

الديوان الأخير للشاعر الراحل حبيب الزيودي «غيم على العالوك» الصادر عن المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، فهو بمثابة بطاقة حب ووفاء لقرية الصبا، ومراتع الشقاوة الأولى، هناك بين الظلال الوارفة لأشجار البطم والبلوط والزعرور والسنديان.

كان للمكان حضور بارز في شعر حبيب الزيودي ، وكان الحضور الأبرز لقريته الوادعة ( العالوك )، حيث ارتبطت الصورة الريفية عنده بالراحة والسعادة والأمل ، على خلاف المدينة التي عاش فيها رغم شعوره النفسي بالحزن والكآبة فيها .والقارئ لشعر الزيودي يلحظ العلاقة الوطيدة بينه وبين هذه القرية كعلاقة العاشق بالمعشوق ، علاقة حب أزلية حتى لو ابتعد عنها جسديًا فما زال مرتبطًا بها روحيًا ، تضا متجددة في ذاكرته وخياله فينسج لنا أجمل الألحان والصور لينقلنا إليها بذاكرتنا.

بماذا ارتبطت صورة القرية عنده؟

ارتبطت صورة القرية عنده بالسعادة والأمل فهي الملاذ الآمن الهانئ الذي يلجأ إليه الشاعر ليتحفنا بكل ما هو جميل فيها ، حيث تشكل العالوك ذكريات الطفولة ، وكلما استوحش في المدينة وعزلتها وكآبتها رجع إلى العالوك كمكان مضاد لهذه الوحشة .

فيقول في منازل أهلي

كلّما دندن العود رجّعني إلى منازل أهلي

ورجع سربًا من الذكريات

فربط الشاعر الذكريات بمنازل أهله ودندنة العود ، ويبدو من خلال شعره أثر هذه الذكريات في نفسية الشاعر وحياته وشخصيته.

ويقول في قصيدة: ( بأيّ معجزة ترضين يا أرم )

  أرنو وغيم على العالوك يأخذني

ويقول في قصيدة أخرى

والواردات على العالوك رهوجة

كان للقرية الأردنية مساحة واسعة في شعر حبيب الزيودي ، ولا سيّما قريته العالوك ، التي تعدّ نمزذجًا لقرى الأردن ، حيث قدّمها الشاعر بتفاصيلها الدقيقة وأبعادها المختلفة ، فعلاقة الأنسان بالمكان علاقة التصاق وارتباط .

القارئ في شعر حبيب الزيودي يجد حنينة المشوب بالحزن على ذكرياته الماضية لقريته وطفولته ، فيقف على الأطلال مستذكرا أيامه الخوالي على غرار الشعراء الجاهليين ، فنجده يقول:

                  قفا على النبع لي بالنبع حاجاتٌ                حلّت على القلب من ذكراه علّات

أتيته حاملا في راحتي ندمي                   وفي دمي شرشت لليأس غابات

في الأبيات السابقة ارتباط بالمكان وشوق محزن فيستتذكر رفاقه على النبع الموجود في هذه القرية فتهيج في قلبه الذكريات ، ويتحسّر على هذه الأيام وجمالها.

مما قاله حبيب الزبوري في قصيدة العالوك

توضح قصائد الشاعر ارتباطه بالقرية وجمال الطبيعة الخلابة ، فيعكس لنا مشاهد وذكريات عاشها في قريته ، فيقول في قصيدة ( العالوك ):

جِرارها الراعيات السمر فالية

على الرّوابي

بقطعان

وأجراس

جرارها

كلّ رمح شقّ خاصرتي

مهفهف

من رماح البدو ميّاس

في الأبيات السايقة تظهر الصورة الحركية ( جرارها ) ، واللونية ( السمر ) ، والصوتية ( أجراس ) ، تبعث هذه الصور الأمل والحياة في حروفه ، وجمال تصوير قطعان الغنم تسير محملة بالأجراس التي تطرب السمع  تعكس جمال البيئة الريفية وبساطتها وذكرياته الجميلة.

علاقة الشاعر بقريته

علاقة الشاعر بقريته علاقة العاشق بمعشوقته ، فلم ترد القرية في شعره إلّا مثالا للوداعة ورمزًا للسعادة والهناء ، وإن كان ينتقد بعض العادات الاجتماعية والقيود في قريته ، حيث أشار في قصيدته الموسومة بـ ( الحب فب العالوك ) ، فقال:

يا لتعاستي يا قلب

أزرع زهرة في الأرض

تنمو في دمي شوكة

فخان الحظ

يا لتعاستي يا قلب

ما جاءت

لأن الحب في العالوك

كالإلحاد في مكة

هنا يصف رؤية أهالي قريته للحب فصور كأنه الإلحاد في مكة المكرمة ، فالحب من المظاهر المرفوضة وكأنه جريمة في قريته ، ولا يجب البوح به فيبقى كأنه شوكة في داخله .ورغم ذلك فإني أرى تغني الشاعر الدائم  بقريته ،  وأن بعض العادات الاجتماعية فيه لن ولم تغيّر علاقة الحب الأزلية بينهما . حيث أظهر الشاعر العالوك بصورة فتاة معشوقة يتغزل بها، حيث يقول في قصيدة ( الحب في العالوك ):

ظننتك عندما شبت زغاريد الصبايا

عند أهل العرس

تختالين في الدبكة

أروي جفاف القلب

جمال التصوير في شعر حافظ حبيب

حافظ حبيب الزيودي في شعره على جمال التصوير ، فالصور الحركية والصوتية تضفي الفرح  في قلب القارئ والخيال في مخيلته ، فيصور جمال الدبكة والزغاريد وانضمام الفتيات إلى صفوف الدبكة الأردنية ، ويخاطب هنا العالوك وكأنها فتاة من فتيات القرية انضمت إلى صفوف الدبكة مع قريناتها ،  و يتمنى أن يضمها لتروي قلبه المتعطش والمتعلق بها حد الثمالة ، ليرتاح قلبه المتيّم عشقا بها.

 بقلم: سمر محمد خليف الزيود

 

أضف تعليقك هنا