“ملامح الممدوح في شعر الشاعرين المتنبي وابن دراج القسطلي.”

بقلم: أرياف فرج سلمان العمراني

عندما كتبتْ رسالتي في مرحلةِ الماجستير تحتَ عنوانٍ (فنُ المديحِ بينَ المتنبيْ وابنَ دراجْ القسطلي – موازنةٌ بلاغيةٌ -) حول الشاعرينِ منْ بيئتينِ مختلفتينِ وزمنينِ مغايرينَ، فالشاعرُ المتنبيْ منْ العصرِ العباسيِ (303 ه / 354 ه)، والشاعرُ الآخرُ ابنْ دراجْ القسطلي (347 ه / 421 ه)، فاتخذتْ ديوانهما مادةً دراسيةً حتى وصلَ الأمرُ إلى الغوصِ في مكنونِ الديوانِ، أدركتْ أنَ ما بينهما ليسَ مجردَ شبهةٍ في البيئةِ أوْ شبهَ في مصاحبةِ حاكمٍ، قدْ عرفا بهِ.

مصاحبة المتنبي لسيف الدولة

فصحابَ المتنبيْ سيفْ الدولة الحمداني، وأجادَ بهِ في شعرهِ، حتى رسمهِ كصورةِ البطلِ المسلمِ المغوارِ الذي يحمي شعبهُ، ويذودُ عنْ أرضهِ ضدَ الغازينَ منْ الرومِ، وفي زمنٍ آخرَ ومكانٍ آخرَ نجدُ شاعرا أندلسيا، وهوَ ابنْ دراجْ القسطلي الذي أشادَ ببطولاتِ المنصورْ العامري في قصائدهِ حتى واكبَ المتنبيْ في كثيرٍ منْ الصورِ الشعريةِ،

وأرتفعُ بخيالهِ في رسمِ مشهدِ حربِ الممدوحِ ضدَ أعدائهِ فجعلهُ مرةَ كالأسدِ يفترسهمْ وتارةً أخرى كالمحاربِ الذي لا يخشى الوغى، فمنْ وجهةِ نظرِ الشاعرينِ يمثلُ الممدوحُ لكليهما صورة البطلِ الباسلْ الصنديدِ المقدامِ الذي لا يهابُ الأعداءَ، ويذعرَ الغريمَ منهُ خشيةً وجزعا.

أبيات المتنبي

ومنْ هذا قولُ المتنبيْ:
أسدُ فرائسها الأسودَ يقودها أسدٌ تصيرُ لهُ الأسودُ ثعالبَ.

يؤكدُ المتنبيْ على صورةِ البطلِ المغوارِ في تكرارهِ للمفردةِ (أسدٌ) فجاءَ المتنبيْ بهذا التكرارِ على سبيلِ الإيجازِ البلاغيِ في الاستعارةِ التصريحيةِ، وليجسدَ دلالةُ تصويرِ الممدوحِ بالقوةِ والشجاعةِ، وأنهُ يقودُ قطيعَ الأسودِ فتصيرُ لهُ جميعِ الأسودِ منْ جيشهِ بمنزلةِ الثعالبِ، فلا شجاعةً فوقَ شجاعتهِ.

ويأتي ابنْ دراجْ القسطلي ببيتٍ يمدحُ فيهِ المنصورْ العامري قائلاً:

بكلِ مغالاةِ الشراعِ كأنها      وقدْ حملتْ أسدَ الحقائقِ غيلْ

تغني ابن دراج بالمنصور العامري

لا عجبٌ في أنْ يتغنى ابنْ دراجْ في المنصورْ العامري، فقدْ رأى فيهِ البطلُ الشجاعُ المدافعُ عنْ حمى المسلمينَ، ومنْ هذهِ الصفاتِ تأتي دلالةَ ابنْ دراجْ في هذهِ الأبياتِ لتوضحَ مشاعرهُ وتأثرهُ بشجاعةِ الممدوحِ التي توحي للمتلقي بقوةِ الإعجابِ منْ طرفِ الشاعرِ حينَ يرى ما يقدمُ الممدوحُ على فعلهِ يومَ الوغى ضدَ الأعداءِ.

الغرض من المديح عند كلا الشاعرين

ويبدو لي كلا الشاعرينِ ولدا في بيئةٍ شعريةٍ بالدرجةِ الأولى، أخذا منْ المديحِ مكسبا لهما ليعبرا عنْ عاطفتهما تجاهَ الممدوحِ، وتميزَ كلُ منهما بممدوحٍ خاصٍ فالمتنبيْ مكثا في كفنِ ممدوحهِ فترةً منْ الزمنِ، فكانَ ممدوحْ المتنبيْ سيفْ الدولة الحمداني، وممدوحْ ابنْ دراجْ القسطلي المنصورْ العامري، وأخيراً يتضحُ منْ فنِ المديحِ لغرضِ عند الشاعرينِ أنَ كلا منهما كونَ أسلوبهُ الخاصُ منْ صورٍ بيانيةٍ في سياقِ الحربِ.

بقلم: أرياف فرج سلمان العمراني

 

أضف تعليقك هنا