كلام في السياسة (2/5) ؟!

الجمود باسم الشرع والسياسة ؟!

كتب الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار * : العبرة التي يجب أن يفهمها عامة المسلمين هي أن الجمهور إذا عرف كيف يطالب الحكومة بالإصلاح فإنها لا تجد لها مندوحة من إجابته إلى طلبه ، وأن استمرار الحكام والعلماء على شيء وإصرارهم على الجمود عليه باسم الشرع أو السياسة ، ليس برهانًا قاطعًا على كونه حتمًا لا مرد له ولا مصرف عنه ، وأنه يمكن تقويم العامة للخاصة كما يمكن العكس

آفة العامة والخاصة !

ولكن آفة العامة الجهل ، فهي لا تدري ماذا يجب أن تطلب من إصلاح أمرها ، وآفة الخاصة فساد الأخلاق فهو الذي يحول بينها وبين العمل بما تعلم من إصلاح أمر الأمة .

إلى الله نشكو مرض عامتنا وخاصتنا جميعًا ، وعلاج هذا المرض – أو الأمراض – يتكلم فيه الناس ، فيخلطون الخطأ بالصواب ويعز من يعرفه معرفة تفصيلية تامة ويعرف كيفية تنفيذه ، وهذا العارف العزيز يعز عليه أن يفرغ معرفته في قلب غيره ؛ لأن مسائل العلوم الاجتماعية يدعيها جميع الناس ، وقلَّ أن يعرف حقيقتها منهم أحد .

العبرة ليست بالصورة والأشكال

يقولون : التعليم ، ويقولون : التربية ، ويقولون : الجرائد والمجلات ، ويقولون : الأحزاب والجمعيات ، وأكثرهم لا يعرف حق ذلك من باطله ، فنحن نرى فسادًا كبيرًا دخل على الأمة من قِبل هذه الأشياء ، فالعبرة بروح التربية والتعليم والصحف والأحزاب والجمعيات ، لا بصورها وأشكالها ، وهذه الروح لا تكون صالحة مُصلحة إلا إذا كان القائمون بهذه الأشياء صالحين مصلحين ، فهل من السهل أن تعرف الأمة مَن عساه يوجد فيها من هؤلاء الرجال فتكل أمر الإصلاح إليهم ؟ أنَّى ذلك وعوامها جاهلون ، وخواصها يخافون من كل مصلح على جاههم الذي يستغلون به جهل العامة ، فينفرون وينفرون منه ، وينهون عنه وينئون عنه .

جمود المتدينين!

ليس هذا الموضع بالذي يسع الإطناب في هذا البحث – والمغرور بجهله المركب الذي يَحسبه علمًا لا يفيده إيجاز ولا إطناب – وإنما نريد أن نذكر المستعد للفهم والاعتبار بأن دون ما يشتهون من حكومة لهم تحكم بينهم بشريعتهم عقبات أمنعها على المقتحم جمود المتدينين ، وأهونها جحود المتفرنجين ؛ لأن هؤلاء لا يزالون هم الأقلين ، وإذا دام هذا الجمود فسيكونون الأكثرين ، ويعم سلطان ما ينسخ به الشرع من القوانين ، ويتبع ذلك انحلال عقدة الدين ، فأما الوسيلة لحياة الإسلام وحفظ شرعه فهي واحدة لا تعدد فيها ، ولا يمكن الجمع بين الدين الحق والمدنية الصحيحة بدونها ، ألا وهي المبادرة إلى تربية طائفة عظيمة من خيار نابتة المسلمين ؛ ليكونوا دعاة ومرشدين ، ينهضون بهذه الأمة ، ويخرجون بها من هذه الغمة { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } ( غافر : 44 )

*نقل بتصرف

فيديو مقال كلام في السياسة (2/5)

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان