لماذا لم تنتجِ الحضارة المصرية القديمة ثورة علمية؟

ما أسباب عدم قيام ثورة علمية في الصين؟

تساءل المؤرخ “جوزيف نيدهام” (Josph Needham 1995 – 1900) صاحب الموسوعة الضخمة “العلم والحضارة في الصين” التي تؤرخ للعلوم والتقنيات الصينية القديمة سؤالاً صار يُعرف “بمفارقة نيدهايم”؛ إذا كانت الصين متقدمة بهذا المقدار عن الغرب في ميادين علمية وتقنية كثيرة، فلمَ لمْ تشهد ثورة علمية شبيهة بتلك التي شهدها الغرب؟ لم لم يوجد في الصين “جاليلي” ولا “نيوتن” بالرغم من أنها كانت تملك معارف واسعة في علم الفلك، ومعارف في علم الرياضيات، لم تكن تقل قوة وأهمية عن معارف علماء الرياضيات في عصر النهضة؟

اشتهرت فرْضيتان حاولتا إيجاد حلّ لهذه المفارقة، فأما الأولى، تتعلق بتحليل ماركسيّ حمّل البيوقراطية التي كانت منتشرة في الحضارة الصينية القديمة مسؤوليةَ خنق العلوم والتقنيات الصينية وإماتتها. وأما الثانية، تتعلق بفكر “فيبر” (Weber) -مؤسس علم النفس التجريبي- الذي حمّل رؤية الحضارة الصينية القديمة للطبيعة القائمة على عدّها نظاماً كبيراً تتحكم فيه القوى المتعارضة لليينغ (Ying) واليانغ (Yang) مسؤولية إعاقة الثورة العلمية الصينية القديمة، رؤية تختلف كلياً عن رؤية أوروبا الحديثة للطبيعة القائمة على التفسير العلميّ.

ما أسباب عدم قيام ثورة علمية في مصر؟

يسعى هذا المقال المختصر إلى إعادة إعادة طرح سؤال “نيدهايم” بالصيغة التي تجعله متعلقاً بالحضارة المصرية لا الصينية. فلماذا لم تنتج الحضارة المصرية القديمة ثورة علمية شبيهة بتلك التي شهدها الغرب الحديث؟
لا يُلغي سؤالنا الفكرة القائلة بأن العلم نتاج لتفاعل مختلف الحضارات البشرية، فهو مشترك إنساني وليس ملكاً لحضارة دون أخرى، كما أنه لا ينكر اختلاف الظروف الجغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤطرة لكل حضارة، إنما هو سؤال يحاول تأوّل السبب الذي أدى بالعلوم المصرية إلى الانحصار ومنعها من الانتشار. ولا يتمّ ذلك إلا باستحضار طبيعة العلوم في تلكم الحضارة ونمط تداولها.

برع المصريون القدماء في مختلف العلوم والتقنيات، في الهندسة والزراعة والرياضيات والفلك والطب… كما عُرفوا أيضاً بالأدب والفلسفة، إلا أنها كانت منحصرة بين جدران المعابد، رهينة بين أيدي الكهنة، “كان معظم علماء مصر من الكهنة، فهم الذين وضعوا أسس العلوم المصرية، غير منفصلة عن عقائد الخرافة والسحر، فعلم الطب -أكبر مفخرة علمية للمصريين- نبع من السحر، شأنه شأن كل العلوم في حياة مصر الثقافية” (ديورانت، قصة الحضارة)، ولم يكن تعلّم العلوم متاحاً لعامة الناس في الحضارة المصرية، بل إنه خاص بأبناء الأسر الغنية، فكان يدرس لهم في مدارس ملحقة بالهياكل (المعابد)، كما هو الحال في أبرشيات طوائف الكاثوليك الرومان. (ديورانت، قصة الحضارة).

شكل ارتباط العلوم المصرية القديمة بالشعوذة والسحر، وانحصار تعليمها وتداولها في المعابد حجرةً صلبة تكسرت عليها فكرة “الثورة العلمية المصرية”، فحينما سقطت تلكم المعابد واختفت، سقطت معها العلوم واختفت، إلا ما ورثه التلاميذ اليونانيون.

فيديو مقال لماذا لم تنتجِ الحضارة المصرية القديمة ثورة علمية؟

أضف تعليقك هنا