تجيير المرجعيات الدينية فتاواهم لتسقيط العلماء المخالفين

المرجعيات الدينية الشيعية والخلافات الفقهية فيها 

من يطلع على منهج العديد من المرجعيات الدينية الشيعية سواء في النجف الاشرف او في قم فانه يستطيع ان يميز بوضوح ان الخلافات الفقهية قد امتدت لتتحول الى خلافات شخصية لأبعاد طرف ما عن ساحة المرجعية مهما كانت الوسائل المعتمدة .

وبالرغم من عدم تخصصي في دراسة شؤون المرجعيات الدينية ولكنني اطلعت بالجملة على سير عدد من العلماء العاملين من المرجعيات الدينية الذين شهد لهم الاعم الأغلب من العام والخاص بحسن السيرة وعلمية النهج والتأثير الايجابي على الامة ، من خلال السيرة الذاتية والاطروحات العلمية والتحصيل الحوزوي فضلا عن السمعة الطيبة بين الوسط الحوزوي والعام ، فكانوا مثالا رائعا للمرجعيات العالمة العاملة بعلمها والمؤثرة في الامة من ناحية التغيير والتجديد في الفكر الاسلامي بصورة عامة وفي الفكر الشيعي بصورة خاصة.

وفي هذه السطور ساحاول – مختصرا – استعراض ما عاناه بعض هؤلاء العلماء من معاداة ومحاربة وابعاد واقصاء وتشهير وتسقيط بدون وجه حق، واطرح ثلاثة امثلة منهم يشتركون في العديد من المشتركات وهم ( السيد الشهيد محمد باقر الصدر، والسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، والسيد الصرخي الحسني ) كما ساستعرض – قدر الامكان – اهم اسباب تلك المعاناة وايجاد الرابط المشترك بين هؤلاء العلماء الذي ادى الى محاربتهم ومعاداتهم كما ابين الرابط المشترك بين الجهات التي حاربتهم وعادتهم وسعت لتسقيطهم بين الامة، واقسّمها الى ثلاث جهات رئيسية وهي :

  1. النظام الحاكم .
  2. الحوزة العلمية.
  3. المجتمع الجاهل.

السيد الشهيد محمد باقر الصدر (الصدر الاول) 

عاش المرجع باقر الصدر حياة مليئة بالصراع ومن اكثر من جانب ومحور، فقد واجه المرجع الصدر الضغوط التي مارسها ضده الجهاز الحاكم آنذاك بحكمة ورويّة دون التخلي عن اهم مبادئه التي ترفض الظلم وترفض الرضوخ للحاكم الظالم ، فتحمل الاعتقالات وتحمل السجن وتحمل الجلوس في البيت وهو مصر على مبادئه الانسانية والاسلامية والتي اودت به في نهاية المطاف الى الاعدام على يد النظام الحاكم انذاك.

اما ما لاقاه من الحوزة العلمية فكانت اكبر بكثير مما لاقاه من النظام الحاكم ، بسبب انه رضوان الله تعالى عليه – كان همه وسعيه الدؤوب ان تكون الحوزة العلمية هي القائد الحقيقي للامة من خلال توحدها وتوحيد خطابها وخلق منهج اسلامي صحيح لمواجهة كل التحديات التي تواجه الاسلام ، لكنه جوبه بتسقيط من قبل مراجع دين معاصرين له ، حتى وصفه احدهم بانه ” عميل ، واسرائيلي ، ولا يملك علمية “، ويذكر لنا ربيبه الشيخ النعماني في كتابه ” سنوات المحنة وايام الحصار” انه عندما اصدر الصدر رسالته العملية جاءه ابن المرجع السيد الخوئي وحذره من التصدي للمرجعية وهدده، فطمانه السيد الصدر انه لن يتصدى ويعلن مرجعيته في ظل وجود السيد الوالد، وهذا اخطر تهديد يمارس ضد مرجع ديني ومن مرجع ديني اخر.

امام ما لاقاه المرجع الشهيد من المجتمع والامة فلعل سكوتها وخنوعها للظالم وتصديقها بالاشاعات واساليب التسقيط هي اكثر ما تالم منه السيد الصدر ، حيث سجن السيد الشهيد ثلاث مرات اخرها تم اعدامه فيها وخلال تلك الفترة انسحب منه الكثير من الناس وتركوه لمصيره المحتوم دون اية ردة فعل

السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( الصدر الثاني) 

نفس المحاور التي عانى منها الصدر الاول، عانى منها الصدر الثاني، فقد استخدم النظام الحاكم اسلوب اختلف نوعا ما عن اسلوبهم مع الصدر الاول، حيث قربوا محمد الصدر منهم وجعلوا بيده حوزة النجف واعطوه اذن الاقامات للطلبة الاجانب والتصرف بشؤون الحوزة العلمية في النجف الاشرف.

هذا الامر اعطى اشارة الى المجتمع بان محمد الصدر هو مرجع النظام الحاكم وحاربوه بشتى الاساليب واطلقوا عليه ابشع الاشاعات، ربما النظام الحاكم نفسه اراد ان يسقط محمد الصدر بتقريبه منه ولكن الصدر نفسه اراد ان يستغل هذه الميزة في بناء مجتمع صالح يامر بالمعروف وينهى عن المنكر فاقام صلاة الجمعة التي كانت معطلة منذ امد بعيد واحدث بذلك ثورة جماهيرية فاجا بها النظام الحاكم والحوزة ايضا التي اعتبرت اقامة صلاة الجمعة “باطلة” متعذرة باعذار غير قائمة انذاك.

واستمر محمد الصدر في ثورة الوعي الاصلاحي وكون حوزة اطلق عليها “الحوزة الناطقة” مقابل الحوزة الاخرى التي اسماها ” الحوزة الصامتة” فاشتد عليه الجميع وحاربوه لكنه اثبت بصورة علمية انه اعلم من المتصدين بالدليل العلمي الذي طرحه للساحة الحوزوية ، ومع هذا الارتقاء العلمي والشعبي لمحمد الصدر شعر النظام بضرورة تصفيته والتخلص منه ، وفعلا اغتالوه في وسط مدينة النجف وقيدت الجريمة ضد مجهول.

السيد محمود الصرخي الحسني

وهو احد طلبة السيد الشهيد الصدر الثاني ، عرف بذكاءه ومواضبته على الدراسة واستطاع بفترة وجيزة ان يدرس عند اغلب العلماء المتصدين للمرجعية ، وبعد استشهاد السيد الصدر اعلن تصديه للمرجعية واعلميته على من في الساحة وطرح دليلا علميا يناقش فيه اساتذته المتصدين للمرجعية ومنهم السيد الخوئي والشيخ الفياض واستاذه السيد الصدر الثاني ايضا معتبرا ان بحوثه تلك دليل اجتهاده واعلميته مالم يتم ردها وتفنيدها.

هذا التصدي واعلانه المرجعية اغاضت العديد من المتصدين للمرجعية واعتبروه صدرا ثالثا نزل للساحة الحوزوية ، فاستخدموا معه نفس الاساليب التي استخدمت مع الصدر الاول والصدر الثاني، حيث شن عليه النظام الحاكم انذاك حملة من الاعتقالات طالته وطالت اتباعه ومقلديه، تعددت تلك الاعتقالات التي كانت بوشاية وتحريض من قبل اتباع “الحوزة الصامتة” التي حاربت من قبل استاذه الشهيد الصدر الثاني، حتى كان الاعتقال الثالث له ولاتباعه وتم الحكم عليه وعليهم بالاعدام ، وقبل تنفيذ الحكم تم اجتياح بغداد من قبل قوات التحالف فتم اطلاق جميع السجناء ومنهم السيد الصرخي واتباعه، وبذلك عاد لمزاولة واجباته المرجعية وسط تحشيد حوزوي ضده وضد اتباعه

معاناة السيد الصرخي الحسني من الأمة 

عانى السيد الصرخي الحسني من الامة اشد مما عانى الشهيدين الصدرين من قبل ، حيث كان التاثير الاعلامي للحوزة المقابلة اشد مما سبق نتيجة الانفتاح الذي جاء بعد سقوط النظام السابق، ومن هنا بدأت “الحوزة الصامتة” بشن هجماتها من بث اشاعات واكاذيب واصدار فتاوى مغرضة ومزورة لتسقيطه في نظر المجتمع الذين تاثروا كثيرا بالاساليب الدعائية والاعلامية المتوفرة ، حتى جاءت الظروف الى ظهور المرجع الحسني الصرخي مرة اخرى بعد غياب دام قرابة ثمان سنوات انتج خلالها العديد من البحوث العلمية والتاريخية والعقائدية التي ابرزت قيمته العلمية بين اقرانه الذين بقوا دون اي تقدم سوى التحشيد الاعلامي لهم وزج اغلب الناس في دوامة مرجعيات لا تمتلك اي دليل علمي يقابل ويضاهي دليل السيد الصرخي الحسني المطروح للساحة.

ولكن لك تمض سوى سنة او اكثر بقليل قضاها السيد الحسني في لقاءات متواصلة مع الجماهير والقاء محاضرات عقائدية وتاريخية حتى قامت عصابات ومليشيات الحوزة ورجالاتها من الداخل والخارج بمحاولة تصفيته هو واتباعه في ابشع جريمة حدثت في كربلاء استخدمت فيها كل الوسائل والاسلحة الخفيفة والثقيلة استشهد على اثرها عدد من اتباعه ولم تتمكن تلك العصابات من النيل من السيد الصرخي الذي فضل الابتعاد لحين توفر الظروف المناسبة.

لقد مثلت مرجعية السيد الصرخي الحسني خلاصة العلم الاصولي والفقهي الذي تميز به السيدان الشهيدان محمد باقر الصدر و محمد محمد صادق الصدر فضلا على انه اتبع منهجا علميا اخلاقيا في توجيه الامة وارشادها في كثير من المواقف التي بانت فيها ركاكة نهج المرجعيات الاخرى فضلا على انه كشف زيف وخداع بقية الرموز الدينية التي استغلت جهل الناس وبساطتهم لتتربع على كرسي المرجعية دون حق وبالتالي اودت بهم الى مصير مؤسف من التقتيل والتهجير والتطريد وانتهاك الحقوق، ومكاتبه اليوم زاخرة بتلك البحوث العلمية التي عجز جميع اقطاب الحوزة المقابلة في النجف او قم من ردها او تفنيدها او حتى بيان اشكالات فيها لتثبت للجميع ان السيد الصرخي هو المستحق لمقام المرجعية ومنصبها الالهي، ولعله ياتي يوم ويكتشف المجتمع العراقي انه ظلم هذا المرجع بشكل كبير وانه فقط طيلة السنوات الماضية مصلحا ومرشدا من الممكن بل من اليقين انه يسير بالامة الى طريق التعايش السلمي والوحدة الانسانية التي ينشدها النهج الاسلامي الحقيقي .

فيديو مقال تجيير المرجعيات الدينية فتاواهم لتسقيط العلماء المخالفي

أضف تعليقك هنا