لا يتسع مقام للمراء حول سحر الإعلام على المتابع، مسموعا كان أو مقروءا أو مشهودا مع العلم بأنه ليس من سيٍّ للأخير في مدى فعاليته من حيث التأثير على المتلقي.
وإن من المتعارف عليه أن لكل كيان اقتصادي كيان إعلامي موازٍ، حيث حرية الإعلان الدعائي والسيطرة على المجموعة الاقتصادية بأكملها، إضافة إلى جذب عملاء جدد تجاريا من خلال جذبهم أولا إلى ذاك الكيان الإعلامي المرموق والناجح تسللا إلى بيوتهم ثم عقولهم والهيمنة عليها بما يود صاحبه بشكل تلقائي وغير مباشر، وذلك النجاح لا يكون إلا بعرض ما هو الأقرب إلى رغبة المشاهد جذبا له واقتضابا من مساحة وقته ثم احتلالا لفكره، وهنالك يُخلط السمن بالزيت؛ فأي اقتصاد ينجح بلا إعلام؟ وأي إعلام ينجح كيفُه ويسحر المتلقي تأثيرا؟ تلكما السُئلان هما الأعمق والأدق عرضا لعنوان (الإعلام).
وكما أن الإعلام جزء لا يتجزأ من صناعة الاقتصاد فإن الإعلام لا تقوم له قومة بلا اقتصاد وميزانية ضخمة يحددها المسؤولون، ولا يجب أن تقيد حدودها بشح أو تقتير؛ فبقدر قوة الكيان الاقتصادي يكون نجاح الكيان الإعلامي وكلما قوي الأخير زاد من رسوخ جذور الأول وجُنيت ثمار ما بُذِر، ثم لا بد من قيادات ناجحة تسوق المؤسسة إلى هذه الغاية وتنتهي بها إلى النجاح المطلوب.
الإعلام الآن هو سبيل الاتصال الأوحد بين أطراف العالم أجمع بفعل العولمة العصرية الحديثة، ورُب أنه لا يخفى عليك أن الهيمنة الأمريكية على العالم وطغيان الثقافة الأمريكية على كل الثقافات المتباينة الأخرى هو الهدف الأسمى والمسعى الفريد وراء تلك العولمة الأمريكية المُحدَثة والتي جعلت من العالم بلدة واحدة لا تنفك متصلة ثقافيا بفعل الإعلام وإن حددتها حدود ووسعتها مسافات، فتنظر الآن إلى مختلف الثقافات لتجدها في تدهور وتحدر دائب، ومنها من قارب الانقراض ومنها من انقرض بالفعل؛ فالعولمة الثقافية -كما تسمح بالتبادل الثقافي بين مختلف الحضارات والأمم- تبث كذلك السم في العسل كيما تسحق كل خائر من الثقافات الأقل منها قوة وصمودا في مواجهة تحدياتها؛ فلو لاحظنا لوجدنا أن الثقافات الأبقى هي تلك التي تنتسب إلى الشعوب والأمم الأقدر والأكثر تمسكا بهويتها القومية متمثلةً بها ثقافتهم من حيث اللغة واللهجات المتشعبة فيهم والأمثال والحكم التي تمتد إلى أصول لغتهم، كما يندرج تحت هذا البند عاداتهم وتقاليدهم ودستورهم غير المكتوب الذي تسميه الفلسفات الحديثة (العرف المجتمعي السائد).
وإن كل كلامنا في صميم الإعلام التنموي حيث إنه يسهم -دون مغالاة- في الحفاظ على الهوية القومية وثقافة الأمة راسخةً ونامية أمام تحديات العولمة، أو ربما يقضي عليها سلبا في حال غياب وعي إدارته القيادية ويُحِل محلها ثقافات أخرى طاغيةً بقوتها واكتساحها كل حد فكري واهن وجغرافي متآكل.
ليس من إعلامٍ بلا هدف أو خطط يتم العمل عليها وفي ضوئها, وتكمن تطلعات الإعلام التنموي في خلق وسيلة تحقق ما يلي:
وعلى الصعيد الآخر يقوم بعمل رقابي على المسؤولين حيث يمنع أي خلل في النظام الإداري السليم عبر بث المعرفة ليجعل من الفرد وصيًّا على ذاته، وكذلك بفضل دوره البنائي بشكل عام؛ مما يبث الأمل ويعزز طموح الفرد للحفاظ على هوية والفخر بها، وأخيرا وبناء على ما سبق يقوم بحل قضايا ومشكلات المجتمع في ضوء الإصلاح المجتمعي الذي ينمي المجتمع بأكمله، ومن ثم تأسيس دولة قوية بفضل أبنائها ذوي الخبرات والمعارف وأصحاب مبدأ التمسك بالهوية القومية والحفاظ عليها ضد أي غزو ثقافي خارجي عبر الأقمار الصناعية والتلفزة أو عبر ملاحة الانترنت وترجمة الكتب والآداب الأخري؛ فبذلك يعمل كمصفاة للمعلومات والمستقبلات الخارجية ليستقبل منها ما يخدم مسلكه ويلقي بالآفات الضارة عُرض الحائط.
ولأن الإعلام التنموي يمس المجتمع مباشرة بمشكلاته ومختلف قضاياه ويعمل على حلها – فلا بد أن يعتمد على كوادر من الخبرات الإعلامية والتي ترغب في أداء الرسالة على أكمل وجه واختيار الوسائل المناسبة لتحقيق الغاية وذلك على المستويين:
الرسمي؛ حيث عرض المشكلات العامة وتقديم الحلول التي تخدمها، والشعبي؛ وذلك بمخاطبة الفرد الواحد بعينه من خلال ما تقدمه الشاشة من مواد هادفة تخدم الرسالة وفيها إرشاد للمواطن من حيث التحفيز على الإنتاج وترشيد الاستهلاك من خلال توعية المواطن بالدخل القومي ومصادره والناتج القومي ومصادره وتوعية المواطن بدوره في هذه العجلة الإنتاجية التنموية حرصا على المال العام -على سبيل المثال لا حصر- فالإعلام هو الوسيلة التي يتم بها إيصال فكرة -والتنمية فكرة- وكذلك يتلخص الإعلام التنموي في
إيصال فكرة التنمية للفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام للنهوض بكليهما وذلك من خلال ما يتم عرضه من مواد قريبة إلى نفس المشاهد وتحوي الرسالة بين طياتها.
لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نشير إلى مجلاتنا الأقرب إلى قلوبنا والتي مست عقولنا بالتوعية والتثقيف حتى أينعت، فهي مثالٌ لا مثيل لفضله في هذا المجال المثمر. وكذلك فإن الصحف والمجلات والمنصات الكتابية لا تقدم للقارئ خبرا فحسب، وإنما تزيد وعيه وترتقي بمعدل ثقافته، إذ إن القراءة لا تقتصر على معلومة أو بيان، بل تسمو بالمدارك وتُعمِل العقول وتُشغل العقل بما هو ذي مغزى وفائدة دون تشويش بمادة إعلانية أو آشعة تلفزية تؤثر على الدماغ صحيا وتزعج العين. أنا مثلا عادة ما أحبذ القراءة وقت الظهيرة والأصيل، وقبيل النوم، حتى عند الإفطار، فهذه الأوقات تتمتع بالهدوء النسبي وتصل فيها قوى الجسد إلى خوار وسكينة حركية، مما يذهب بكل التركيز إلى العقل ليتدبر ويتأمل هذه الأحرف البهية المنثورة فوق أوراق وصحفٍ نفائسَ في لحظات استرخاء وجَمام. والقراءة تصل بالعقل إلى أسمى درجات التأمل والتعلم معا؛ حيث لا ريب أن اكتساب المادة المُقدمة بالقراءة الصامتة أو الجهرية على السواء له أثره الذي لا يُجهل، كما أن بقاء المادة مكتوبة ومحفوظة لدى القارئ يضمن له الرجوع إليها مرارا كثيرة وقت الاقتضاء.
تتناسب زيادة معدلات التأثير على المتلقي طرديا وزيادة عدد الحواس المُستقبلة لتلك المؤثرات، ولعل من الدارج أنه كلما زاد عدد الحواس المستخدمة في الاستذكار زاد معدل الحفظ، وكلما زاد عدد الحواس المعتمد عليها في الخطاب الحجاجي -بشكل خاص- زادت نسبة الإقناع، وبناء على ذلك فإن لغة الجسد جزء لا يكاد ينفصل البتة عن الإعلام والمرئي منه على وجه الخصوص، فقد تكون الصحف والمقروء من المواد الإعلامية اليوم أقل تأثيرا على المتلقي من حيث الإقناع خاصة مع تطورات التقنيات الحديثة حيث يتمكن المشاهد من اقتياب ما يحلو له ويتلاءم مع تفضيلاته من وسائل التلقي والإعلام، فتجد بعض الصحف والمواقع اليوم توفر تطبيقات على الهواتف الذكية تحوي أخبارا مسموعة إلى جانب النص ومقاطع مرئية مختصرة تشرح الخبر بإيجاز، وتجد أن توجهات المتلقي تحولت إلى برامج التوك شو والتي تزايدت تزامنا مع تلك الوقائع العصرية الحديثة وتلبية لاهتمامات المتلقي المتطورة تطورا طبيعيا وتلقائيا مع التقدم الزمني والإحداث التقني المتنامي يوما بعد يوم. وفي ضوء ذلك نأتي على ذكر مدى ضرورة لغة الجسد من حيث تعبيرات الوجنات والأعين والحواجب والجبهة جنبا إلى جنب مع حركات الأيدي ونبرة الصوت من حيث حدته أو حنوه ومستواه.
إن هذا النوع من الإعلام يخدم رسالته، كما يحقق المدى المنشود من السحر والتأثير على المتلقي والإقناع المباشر وغير المباشر في أقل وقت وبأدنى جهد مبذول، إما بصدق الإيمان الداخلي لمقدم الرسالة، أو بإحترافية التزويق والتزييف، حيث أن العقل اللا واعي لا يسطيع سبيلا لأن يكذب كماً هائلا من التأثيرات المتحدة سمعية وبصرية وحسية، والتي تخدم الرسالة وتعمل جميعها في صف واحد على الغاية عينها بلا عدول أو تراخي، مكررة نفسها بنماذج عدة ومتلونة لتؤكد على المعنيَّ وترسخ كيانه في ذات المتلقي بلا طرح مساحة للتشكيك حتى يجد العقل اللا واعي نفسه أمام خيار التصديق مخافة الإرهاق ومجابهة التغريب، فالرسالة النابغة لا بد أن تهيء لتعميمها وسيادتها لتنقل إشارات غير حسية إلى المتلقي بأنها الحق المبين وألا مجال للتضليل وإنما ذلك كله من خلال لغة الجسد في التخاطب أو التقديم ولا يتوقف الأمر على المتصدر للكاميرات وإنما كل الفريق الذي يعد لهذه الرسالة عدتها مسئول عن نجاحها من عدمه وكلما تزايد مدى الإقتناع والإيمان الداخليين عند المقدم للرسالة بعد الدراسة والتمحيص زادت احتمالية الإقناع لدى المتلقي.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد