قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية /2/ …. الولاة

في مدونته حوادث دمشق اليومية يذكر البديري تناوب عدة ولاة على الشام وهم (سليمان باشا العظم وأسعد باشا العظم وحسين باشا مكي وعبد الله باشا الشتجي ومحمد باشا الشالك وأخيراً عثمان باشا سردار الجردة)، فالفترة التي يؤرخ لها البديري تتوافق زمنياً مع ولاية آل العظم لدمشق متمثلة بالواليين (سليمان باشا العظم وأسعد باشا العظم)، مع أنه في مقدمة الكتاب يعود بالتاريخ للعام السابق للحوادث التي دونها أي لعام 1153 ه ما يعادل 1740 م ويذكر لنا ولاية عثمان باشا المحصل بشكل مختصر جداً.

أولا: ولاية عثمان باشا المحصل 1153ه – 1740م

يذكر البديري ولاية عثمان باشا المحصل في بضعة سطور فقط لكنها مفعمة بالأحداث الهامة والتي تلخص واقع المدينة في تلك الفترة، فهو يسرد حادثة قضائه على القبيقول، حيث أخرجهم من قلعة الشام المتحصنين بها فقتل من قتل ونفى من نفى والذين عفا عنهم تركهم بعد شهادة الناس عليهم بأنهم غير زربة ولم يقع منه شر وفساد فشتت شملهم وأصلح البلاد (والزربة مصطلح مستخدم في ذلك الوقت يعني الأشقياء وأهل الشرور)، والبديري يرى في عمل الوالي عثمان باشا المحصل إصلاحاً كبيراً لشدة شقاوة هؤلاء القبيقول، ولذلك يقول: ((أن الوالي قتل الشر من دمشق واصطلحت أحوال الناس)).

ثانياً: ولاية سليمان باشا العظيم 1154-1156ه/1741-1743م

وهي الولاية الثانية له في حكم دمشق.

يسرد لنا البديري الأعمال التي قام بها سليمان باشا العظم منها:

  1. حربه مع الشيخ ظاهر العمر الذي عصى على الدولة العثمانية في شمال فلسطين وتحصن بقلعة طبرية، فحاصره سليمان حتى سعى للصلح بينهم عمر بك صنجق الخزنة المصرية وقد كان رجلاً وقوراً كبيراً في السن، فأقنع سليمان باشا العظم بالصلح فاستسلم ظاهر العمر بشرط دفع مبلغاً من المال وارتهان ابنه لدى سليمان باشا، وما لبث أن انتقض الصلح، فخرج العظم لقتاله ومعه مئات المقاتلين، فلما وصل لعكا حشد العساكر هناك ودخل الحمام هناك فخرج محموماً وكان قد رفض الصلح مع ظاهر العمر، فمات في الطريق، فأخفوا موته حتى عادوا به إلى دمشق وذلك عام 1156 ه – 1743 م.
  2. ومنها تعميره قنوات نهر بردى: يذكر لنا البديري أن سليمان باشا العظم قام بترميم وتعمير قنوات النهر على نفقته الخاصة، والتي لم تصلح منذ عهد إعمارها بعد خراب دمشق على يد تيمورلنك، وأن العمل استمر فيها خمسة عشر يوماً في أربعينية الصيف وكان افتتاحها وإطلاق ماء النهر فيها فرجة عظيمة لجميع اهالي دمشق.
  3. ثم يذكر لنا البديري في كتابه غلاء الأسعار في عهد سليمان باشا العظم، حيث اشتد الغلاء وخاصةً في المأكولات وأن الغنم قليلة فصار الجزارون يذبحون الجاموس والماعز والجمل، وهذا يدل على أن تربية الجاموس كانت منتشرة في أرياف دمشق، ويوعز البديري غلاء الأسعار لعدم تفتيش الحكام.
  4. ثم يذكر لاحقاً في ولاية أسعد باشا العظم كيف أرسل الباب العالي مفتشاً لضبط أموال الوالي السابق سليمان باشا العظم وكيف شدد الخناق على أفراد أسرته وخاصة النساء حتى أقروا بالمخابئ السرية للمال، وأن المعماريين وكانوا من النصارى هم من بنوا أخبية المال فتم استحضارهم وتحت التعذيب أقروا بالمخابئ فحفروا تحت درج البيت فبان عن سرداب فأخرجوا سبع براني مملوءة من الذهب المحبوب السلطاني فضبطوه فكان ثمانمائة وخمسون كيساً، فلما بلغ الناس ذلك ذموه وقالوا جوّع الناس والبهائم لجمع هذا المال.

ثالثاً: ولاية أسعد باشا العظم 1156 ه – 1743 م / 1170 ه – 1757 م

وأسعد باشا العظم هو ابن أخ سليمان باشا العظم وقد كان يتولى مدينة حماة قبل دمشق، فجاء الفرمان بتوليته على دمشق بعد موت عمه، فدخلها في أبهة عظيمة واستمر والياً فيها أربعة عشر عاماً ليُعزل عنها ويتولى مدينة حلب ثم يُقتل في عام 1171 ه / 1758 م وتُصادر أمواله في دمشق وحلب.

ويذكر لنا البديري أعماله على النحو التالي:

  1. اصطلاحه مع ظاهر العمر على يد فتحي افندي الدفتري على أربعين حملاً من الأرز والسكر وقماش الجوخ عدا ما اختص به فتحي الدفتري وهنا يوضح البديري مدى سلطة الدفتري على حساب أسعد باشا فيقول وكأنه السلطان بالشام.
  2. ويذكر لنا البديري كيف أن مفتش الباب العالي المسمى بالقبجي لما حضر لدمشق لضبط مال سليمان العظم بينما كان الوالي أسعد باشا العظم في الحج فشدد على النساء وأذل أبناء سليمان ذلاً عظيماً وعاونه في ذلك فتحي أفندي الدفتري، فلما جاء أسعد باشا من الحج ظن الناس أنه سيقوم ويقعد لما فعل القبجي بأبناء وبنات عمه فلم يحرك ساكناً، إلا أنه انتقم لاحقاً من فتحي الدفتري فقتله لما اشتدت دولة آل العظم في الشام.
  3. ويذكر لنا البديري كيف أن أهل دمشق رفعوا شكاياتهم للدولة العلية ضد فتحي الدفتري فطلبه الباب العالي لاستنبول، فعاد منها في فرح وسرور ولم ينله أدنى ضيم، فتبين أنه استمال قلوب الوزراء هناك بالمال وكان السلطان طلبه ليوبخه، فزيّوا له رجلاً بزيه وأدخلوه على السلطان وأوصوه بألا يتكلم في حضرة السلطان بل يهز رأسه أن نعم، فكلما سأله السلطان هز رأسه بنعم فأمر بقتله فوراً وهو يظن أنه فتحي أفندي لدفتري، وهذه من طرائف حكم العثمانيين وهي استغفال السلطان واستغباؤه.
  4. ثم يذكر لنا ازدياد تعديات الزرباوات وهم الأشقياء من العسكر وغيرهم على الناس، وأن أسعد باشا العظم لم يحرك ساكناً حتى صار الناس يسمونه سعدية أو الست سعدية بدلاً من أسعد وينشدون ((سعدية قاضين ، نايمة مع النايمين)).
  5. ثم يذكر لنا الصراعات بين الدالاتية والانكشارية وكيف ضربهم أسعد باشا ببعضهم واستفاد من ذلك في سيطرته على الشام، وهذا ما سنذكره مفصلاً في الفصل الخاص بالحديث عن العسكر، ويذكر لنا أيضاً خروجه في كل سنة من سنين ولايته أميراً للحج وصراعه مع العربان في الطريق ومحاولته الإصلاح بين الأشراف المتنازعين في الحجاز.
  6. ويذكر البديري إرسال أسعد العظم لعسكره إلى بعلبك لقتل أميرها، فوجده هارباً فقتل ثمانية من أتباعه، ويذكر أيضاً حملاته على الدروز في البقاع ومقاومتهم له ثم تنكيله بقراهم التي سيطر عليها والاستيلاء على محاصيلهم ومع ذلك ظلوا يقاومونه، ويذكر صراعاته مع القبائل العربية كقبيلة الفريخات وكيف هاوشوه عدة أيام واستطاعوا النجاة بطرشهم وحريمهم، وكذلك حملاته على عرب البلقاء.
  7. ثم يذكر كيف استولى على دار معاوية بن أبي سفيان وجميع المحلات والدور المحيطة بالجامع الأموي وكيف شرع في إعمار قصره جنوب الجامع الأموي، حيث سخر جميع المعماريين والنجارين والدهانين في العمل واستجلب لها الرخام والفسقيات والبلاط من أغلب بيوت دمشق حيث كان رجاله يذهبون للبيوت ويقلعون الرخام المناسب ويدفعون لصاحبه القليل من المال، ولم يترك أسعد باشا في سبيل عمارة داره مكان يستطيع الاستفادة منه بما في ذلك جامع يلبغا وبصرى الشام، أضف لذلك الحمامات والقصور المهجورة والتي يرى البديري في نزع حجارتها خيراً لأنها كانت مجمعاً للفساق والفاجرين على حد قوله.
  8. ويذكر لنا أيضاً كيف أعاد فرقة القبيقول وقد كان قضى عليهم الوالي الأسبق عثمان باشا المحصل، حيث استصدر أسعد باشا فرماناً من الدولة العلية بإعادة أوجاقهم للشام، فقويت شوكتهم وبرموا اللفّات على حد قول البديري.
  9. وأخيراً يذكر عزله عن ولاية الشام وتوليته إمارة حلب وذلك في 1170 ه / 1757 م ليتولى الشام بعده حسين باشا مكي.

رابعاً: ولاية حسين باشا مكي 1170 ه / 1757 م

دامت ولايته على الشام لعدة أشهر فقط ليتولى الأمر من بعده عبد الله باشا الشتجي، ولا يذكر لنا البديري من الأحداث التي تتعلق بالولاية في تلك الفترة سوى حملته على الدورة في البقاع وإمارته للحج الشريف والفتنة الكبيرة بين القبيقول والانكشارية والتي سنأتي على ذكرها في فصل العسكر إن شاء الله.

خامساً: ولاية عبد الله باشا الشتجي 1170 ه – 1757 م / 1172 ه – 1759 م

ويذكر لنا البديري الحوادث المتعلقة بولاية عبد الله باشا ومنها إمارته للحج وضربه للعربان هناك حتى أمّن طريق الحج، إلا أن غالبية فترة ولايته وقعت فيها الزلازل في الشام كما سنذكر ذلك لاحقاً إن شاء الله، إلا أن الظلم على حاله وكذلك غلاء الأسعار.

سادساً: ولاية محمد باشا الشالك 1172ه – 1759 م / 1173 ه – 1760 م

ويذكر لنا البديري الحوادث الكارثية في عهد محمد باشا الشالك من زلازل عنيفة ومن مرض الطاعون الذي رأى فيه طاعوناً أشد من طاعون عمواس، إلا أنه لما خرج أميراً للحج خرج برفقته عثمان باشا سردار الجردة، والجردة هي القطعة من الجيش التي تقوم بأعمال حربية سريعة لحماية موكب الحج أو الأمير وهي مجهزة للقتال في حملات سريعة وخاطفة، فقام عثمان باشا هذا بأعمال عظيمة في الحج منها سرعته في الرد على أي عدوان وإطعامه للحاج هناك وسقايتهم والإغداق عليهم، وقد كان ذكياً في ذلك، فالحجاج هم البريد السريع للباب العالي لأنهم بعودتهم سيتحدثون في كل البلاد عن أفعاله، فجاء الأمر بعزل الشالك وتولية عثمان باشا سردار الجردة بدلاً عنه.

سابعاً: ولاية عثمان باشا سردار الجردة 1173 ه – 1760 م / والياً حتى وفاة البديري

ومن أعماله التي يذكرها البديري عمارته للجامع الأموي بعد الزلازل وحملته على الدورة في بعلبك وفتحه لقلعة صهيون، والبديري يرى في ولايته خيراً على الشام فقد ضبط البلاد وأمن الخائف حيث يقول: ((وفي مدته لم يحصل في الشام أدنى مكدر، فعدل في الرعية، وعاشت أهل الشام بمدته عيشة هنية)).

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية /2/ …. الولاة

 

 

أضف تعليقك هنا