الرسالة الثانية

بقلم: عبد الحق مفيد

استهلال

وجدت هذه الرسائل في محفظة قديمة. ربما من جمعها كان عاشقا للرسائل.كتابها متعددون وأزمنتها مختلفة. يبدو ذلك من اختلاف الخط والتواريخ. نعيد نشرها لنطلعكم كيف كان وهج الرسائل بين حبيبين للإشارة فقط هذه الرسائل حقيقية وليست متخيلة.

الرسالة الثانية

حبيبتي

منذ أربعة أيام لم يتوقف دوي المدافع .رائحة الموت تزكم الأنوف. البارحة مات صديقي عماد. كان الموت أسرع مني اليه .مع ذلك حملته وركضت كنت اتسابق مع قدره الذي سبقني إليه الشمعة التي تضيء خندقي تكاد حتى هي ان تختنق .لكنها ربما تطاوعني لأنها تعرف أني أكتب إليك. ربما تحس باحتراقي شوقا اليك .أوليس الإحتراق نظيرها؟

لا تنسى الكتابة إلي

« لا تنسى الكتابة إلي. سأنتظرك” كان هذا آخر ما سمعت منك قبل أن يغطي هدير القطار على صوتينا. وينطلق بي..لتداري دمعك بابتسامة. هل كنت ستعترفين بحبك لي لو لم تتم المناداة علي للالتحاق بساحة المعركة ؟تم كيف لم أدرك حقيقة مشاعري نحوك الا بعد ان أدركت اننا سنفترق؟

لم يعد ركضنا وسباقنا عبر الحقول للوصول الى مدرسة القرية سوى ذكرى بعيدة. كنا نعبر طفولتنا وكأننا نعبر حلما سنستفيق منه بعد حين على كابوس الحرب التي جردتنا من كل شيء. وانت الآن تقرئين هذه الرسالة يتبين لك من خطها اني كنت أسرع في الكتابة .نحن هنا في ما يشبه كماشة .العدو أمامنا ووراءنا. أظن أن الموت يطاوعني أيضا وينتظر حتى أنتهي من الكتابة اليك. هو أيضا يعرف العاشقين ويعرف حكاياتهم. اولم يمت أغلب العاشقين بين دراعي من يعشقون؟

هل تذكرين يوم لسعتك العقرب

هل تذكرين يوم لسعتك العقرب ونحن نلعب تحت شجرة التوت.؟ كان الجو قائضا واقترحت عليك أن نلعب تحت ظل الشجرة. لقد كان ذنبي لأني انا من فكر في ذلك.. حينما كنت ممددة على سرير المستشفى عاهدت نفسي وانا ابن الثامنة أن لن أسمح لمكروه أن يصيبك أبدا. كنت تتضايقين أحيانا من حرصي عليك ،حتى قلت لي يوما “إنك تخنقني” نظرت إليك في استغراب.

لم أجد ما أقول وانهمرت دموعي دون بكاء، ودون اترك لك مجالا لتشرحي قصدك، كنت أركض بعيدا عنك.احتاج الأمر شهرين كاملين، وعدد من الرسائل التي أوصلتهن لي صديقتك هاجر وابنة عمي . لأفاجئك يوما وأقف وراءك عند بقال القرية الوحيد. ذهلت من وقع الصدمة وعانقتني. حينما نظر الينا من كانوا هناك. أدركنا أننا لم نعد أطفالا.

أنا الان في العشرين  وانت أصغر مني ببضعة أشهر

أنا الان في العشرين من عمري وانت أصغر مني ببضعة أشهر ولدينا كل العمر لنحب بعضنا ونكون معا. لكن هل يعقل أن تكون الحياة قاسية و بخيلة بهذا القدر لكي لا تمنحنا الا هذه السنوات التي كنا فيها مع بعض؟
أسمع الآن نداء الخروج من الخندق. علينا أن نتقدم لنفك الحصار عنا. لا خيار لدينا. لا تخافي سأعود اليك حيا أو ميتا. لكنني في كل الحالات سأكون حبيبك وبطلك.

بقلم: عبد الحق مفيد

 

أضف تعليقك هنا