الحب

بقلم: فاتح محمدا

إنه الحب الذي افتقدناه في زمننا هذا ، أصبحنا ننتظر مايجود به غيرنا علينا بعد ما كنا نقدم النموذج الأمثل للرومانسية والذوق الراقي والمشاعر النبيلة  للقيم السامية التي يتشدق الغرب بها ويتهمنا بالهمجية.

أنواع الشعر الغزلي

كانت البداية منذ أصبح الشعر هو فطرة العرب يعبر عن وجدانهم ومشاعرهم ولان الحب عاطفة بشرية لايمكن تكبيلها انطلقت لدى العرب كل انواع الشعر الغزلي الذي يتارجح بين العفة والتهتك لكن على العموم الشعر العذري هو السائد في اشعار العرب

الحب العذري

ولعل ما قدمه جميل بثينة في الحب العذري لاصدق تعبير على ذلك لما قال :

قَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها      وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها

أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت        يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها

المروءة وصون المحبة

وكان افتتاح القصيدة العربية احسن تعبير عن ذكر الاطلال وذكر الحبيب. كان العربي يصون العشق ولايبحث عن المتعة الجسدية في المقام الاول  وكانت النساء تلتقي بالرجال علنا في أماكن عامة يتبادلون الأشعار والقصص  وقد روي ابن حزم في كتابه: طوق الحمامة  ذلك .يمكن ذكر البطل عنترة ابن شداد الذي مزج بين المروءة وصون المحبة في قوله :

رمت الفؤاد مليحة عذراء                      بسهام لحظ ما لهن دواء

مرت أوان العيد بين نواهدٍ         مثل الشموس لحاظهن ظباء

تعظيم المحبوب والتفاني في حبه

تعددت مظاهر وأشكال الحب إلى تعظيم المحبوب والتفاني في حبه كقول امريء القيس:

أغرك مني أن حبك قاتلي                وأنك مهما تأمر القلب يفعل

كانت تتنامى فكرة الحب كتجربة فردية  وبمجيء الإسلام دلت الآيات  والأحاديث إلى حب الله كأسمى درجات الحب  وأن الارواح جنود مجندة ماالتقى منها ائتلف وما تنافر منها اختلف  كما ورد في الحديث الشريف وحث التشريع الإسلامي إلى تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة وما ينتظر المؤمن من حور عين كاللؤلؤ المكنون في الجنة.

العشق

وإذا كان لفظ المحبة هو السائد في لغة القران إلا أن العشق لا يذكر عدا ذلك عند الصوفية ما يسمى بالعشق اللاهي  وكلمة شغفها حبا والتي تدل على الوله الشديد

نجد أن كل ما في المحبوب مثالي ولا عيب فيه  كقول الشاعر :

كل شيء من الحبيب مليح           غير أن الصدود منه قبيح

وقال أحدهم :

يقولون لو دبرت بالعقل حبها         ولا خير في حب يدبره العقل

سلوك الحب وأقسامه

يكاد يتفق الدارسون للتراث العربي أن دراسة سلوك الحب ينقسم إلى قسمين : الأولى إن ظاهرة الحب هي لا تعدو أن تكون حالة إنسانية فعشق الجمال والتعلق بالمعشوق والألم الذي بنجر عن فراقه وهجرانه ظاهرة إنسانية أما النوع الثاني  فهو لأهل التصوف حيث يرى هؤلاء أن الحب البشري هي المسلك  للارتقاء إلى محبة الله

الحب في العصر العباسي

وفي العصر العباسي حدث تغبر سريع في نظام الاجتماعي بسبب انتشار الحرية و اختلاط الشعوب الأعجمية  بالعربية وانتشرت مجالس اللهو والطرب ونوادي الشعر والأدب  وازدهرت الترجمة ولقد انتشرت المؤلفات التي تتحدث عن الحب وأخبار العشاق وعن النوادر ككتاب الفقيه  ابن الجوزي في : ذم الهوى وفي أخبار النساء وروضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم الجوزية ومصارع العشاق لجعفر بن أحمد بن الحسين السراج وكتاب الزهرة للفقيه أبو بكر بن داود الذي يعتبر مؤسس اتجاه جديد  في الحب فالعقل في نظره عند الهوى أسير والشوق عليهما أمير والتذلل للحبيب من شيم الأديبوكذلك كتاب طوق الحمامة لابن حزم الاندلسي وما تحمله التسمية من رومانسية تكلم فيه عن تعريف فلسفة الحب واعتبره إدمانا جميلا.

إذن هذه الحركة الأدبية الزاخرة جعلت من العصر العباسي  عصرا فيه تنوع ثقافي ومنافسة فكرية لم يسلم منها حتى الفقهاء ورجال الدين الذين انكبوا على التأليف في هذا الفن وحدود العلاقة بين الرجل والمرأة  وكان من باب الدعابة ذكر أخبار العشاق وحكم الدين في ذلك ونضرب مثالا على ذلك ما ذكره جعفر السراج  على أن بعض أهل  الأدب كتب لابي بكر بن داود  صاحب كتاب الزهرة  الأبيات التالية :

يا ابن داود يافقيه العراق                         أفتنا في قوا تل  الاحداق

هل عليها القصاص في القتل يوما             أم حلال لها دم العشاق؟

فأجاب أبو بكر بن داود وكان فقيها :

عندي جواب مسائل العشاق                  فاسمعه من قلق الحشا مشتاق

لما سألت عن الهوى عن الهوى             أجريت دمعا لم يكن بالراقي

أخطأت في نفس السؤال وان تصب         تك في الهوى شفقا من الاشفاق

لو أن معشوقا يعذب عاشقا                   كان المعذب أنعم العشاق

اهتمام الفقهاء بقضية الحب

كان لابد إذن للفقهاء الاهتمام بقضية الحب والعشق لأنها أصبحت ظاهرة اجتماعية مهمة لا بد لها من دراسة  وفهم وإقحام رأي الدين فيها.وفي كتاب : ذم الهوى لابن القيم الجوزية نجد صراعا واضحا بين شخصية الفنان والفقيه في مسألة إباحة العشق وهاتان الشخصيتان لا تتصارعان بل تكتملان وهذا هو الأجمل في المسألة أما المزرباني جامع أخبار النساء فكان معتزليا والسيوطي كذلك.

وفي الأخير أختم مقالي بما وصف الشاعر أبو حسن الششتري الأندلسي  حب ليلى  بأروع الكلمات في قوله :

سلبت مني ليلا العقل                       قلت يا ليلى ارحمي القتلا

حبها مكنون                                في الحشى مخزون

أيها المفتون                                        هم بها ذلا

بقلم: فاتح محمد

 

أضف تعليقك هنا