بما يتميز البشر عن الملائكة؟

لماذا فضل الله الإنسان على جميع خلقه بما فيهم الملائكة؟

لماذا اختاره من بين كل المخلوقات ليكون خليفة في الأرض؟ فماهي المميزات التي منحها الله للإنسان ليكون هو الأفضل؟ في الحقيقة إن الإنسان يتمتع بعديد من المزايا ولكن هناك ميزتان رئيستان تحديداً، وهما الميزتان التي بينها الله سبحانه وتعالى لنا في محكم تنزيله في سورة البقرة عندما أوضح للملائكة سبب تفضيل الانسان عليها، تعالوا لنبدأ القصة من أولها عندما أخبر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأنه سوف يجعل الانسان خليفة في الأرض، فاستعجبت الملائكة واندهشت من ذلك الاختيار وتساءلت عن السبب فكان رد الله سبحانه وتعالى بأن قال للملائكة بما معناه أنني أعلم ماذا أفعل. 

ردة فعل الملائكة على تفضيل الإنسان عليهم

الملائكة هنا استغربت وسألت الله بما معناه كيف تجعل هذا المخلوق القاتل الفاسد الذي يسفك الدماء ويفسد في الأرض خليفة لك وتستثنينا نحن الملائكة الأتقياء الأنقياء الطاهرين الذين نسبح بحمدك ونقدس لك؟! فالملائكة كانت تعتقد أنها هي المخلوقات المفضلة عند الله كونها تطيعه لا تعصي له أمراً وتسبح بحمده وتقدس له فتفاجأت بتفضيل الله للإنسان عليها. 

بعد أن قال الله للملائكة “إني أعلم ما لا تعلمون” هنا في الحقيقة يعلمنا الله الأدب ويعطينا درساً في أخلاقيات التعامل، ولا سيما التعامل مع الذين نراهم أقل شأناً منا ونرى أنفسنا نفوقهم علماً أو مالاً أو سلطة أو غيره. كيف ذلك؟ إنظر كيف تعامل الله عز وجل وهو الخالق المتكبر العظيم الجبار مع الملائكة وهي مجرد مخلوقات من مخلوقاته تعبده وتسبح بحمده ومع ذلك يخبرها بقراراته ويسمح لها أن تسأل وتناقش ويرد على تساؤلاتها. 

وانظر الينا نحن البشر عندما تجد شخص في منصب عالي ويعطي قرارات لمن دونه ربما لا يتحدث معهم مباشرة ولا يسمح لهم بمناقشته ولا سؤاله وإن حدث وناقش أحد ما ربما يعاقبه أو على الأقل يتجاهله تماماً وكأنه لم يسمعه ولم يره، فعلينا أن نتعلم من رب العزة فهو المتكبر ويتعامل هكذا مع مخلوقاته فكيف نحن المخلوقات نتعامل مع باقي المخلوقات. سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

مميزات الإنسان 

ولنعد الي القصة فالله لم يقل للملائكة أنه يعلم ما يفعل وانتهى ولو قال ذلك لسكتت الملائكة بالطبع ولكنه أجابهم على تساؤلاتهم ليس قولاً بل فعلاً وتلك أفضل طريقة للإجابة فكيف أجاب الله على ذلك التساؤل وكيف أوضح لهم السبب والمميزات؟

  • الميزة الأولى:
    • العقل
      • الله سبحانه وتعالى علّم الإنسان (آدم) الأسماء كلها ثم وضعه ووضع الملائكة أمام إختبار فمن الذي نجح في الاختبار؟ الملائكة فشلت قالت بصريح العبارة “لا علم لنا” أما آدم فنجح بامتياز ومن سياق الآيات يتبين أن آدم نجح في الاختبار دون أدنى مجهود وهذا يدل على أن الإنسان له عقل متميز متطور يتسطيع التعلم وتوظيف ما تعلم في اجتياز الاختبارات وحل المشكلات ويستطيع عقله أن يحلل ويركب ويفسر ويستنبط ويستنتج ويكتشف ويخترع وبالتالي يستطيع العيش والتعايش في الأرض وإعمارها. 
    • سجود الملائكة احتراماً للعقل البشري
      • وبعد أن رأت الملائكة ذلك وعلمت وفهمت أن الله جعل للأنسان ذلك العقل المتطور أمرها الله أن تسجد للأنسان لماذا؟ إحتراماً لعقله واعترافاً بقيمة العقل وإلا فمالذي يملكه الإنسان لكي تسجد له الملائكة فالسجود في الحقيقة كان لعقل الإنسان هذا العقل الذي منحه الله للإنسان كأول وأهم ميزة تميزه عن الملائكة وعن سائر المخلوقات فالانسان دون استخدام العقل هو كالأنعام وأضل سبيلا. 
      • هذا العقل الذي يلح ويصر الظلاميون على ضرورة تغييبه ويحذرون عامة المسلمين من استخدامه ويصورون لهم أن التفكر والتدبر واستعمال عقولهم  يودي بهم الى المهالك. وما ذلك إلا مخالفة صريحة لأمر الله وإسقاطاً لأهم مميزات الإنسان ولا هدف من سعيهم نحو تغييب العقل وطمسه لدى العامة الا بهدف السيطرة عليهم والتحكم بهم وتسييرهم كالقطيع “صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ”.
  • الميزة الثانية:
    • المعصية
      • وأما الميزة الثانية التي منحها الله للإنسان فقد أوضحها الله سبحانه وتعالى للملائكة وشاهدتها وشهدتها أيضاً حيث أن الله سبحانه وتعالى قال لآدم أن يسكن الجنة هو وزجه وأن يأكلا منها حيثما يريدان ولكنه وضع لهما معضلة إذ قال لهما أن لا يقربا شجرة ما من تلك الأشجار في الجنة.

طبيعتنا البشرية

وهنا لابد لهذه الحادثة أن تجعلنا نتفكر في طبيعتنا البشرية فانظر الى تصرفات البشر لهما جنة بطولها وعرضها سواء كانت هي الجنة الموعودة في الآخرة أم هي جنة أرضية بغض النظر فهي جنة ولاشك أن فيها الكثير والعديد جدا جدا من الأشجار والثمار ما لذ وطاب، وفيها الكثير من وسائل رغد الحياة، ترى ماذا لو أنك أنت شخصياً منحت تلك الجنة بكل مافيها هل كانت ستقنعك وتغنيك عن تلك الشجرة المحظورة؟ هل كانت ستملأ عينيك وتمنعك عن التفكير في تلك الشجرة الممنوعة؟ هنا في الحقيقة أن آدم دخل في صراع مع نفسه وهو نموذج للصراع الأزلي بين الخير والشر بين الصح والخطأ بين الحق والباطل.

وكان أمام معضلة حقيقية، فنسي كل متع الحياة وكل الأشجار في الجنة وركز جل تفكيره في تلك الشجرة، وشغلت عقله وتفكيره وأخذ يتساءل ترى لماذا منعني الله من تلك الشجرة؟ ما هي الميزة فيها؟ بماذا تختلف عن باقي الأشجار؟ ودارت آلاف الأسئلة والتساؤلات تدور في عقله وساعده إبليس بالطبع على ذلك التفكير السلبي كما أخبرنا القرآن الكريم.

صراع سيدنا آدم مع نفسه لإتخاذ القرار الصعب

وهكذا بقي آدم في صراع حتى قرر أن يتخذ القرار الصعب فقرر أن يعصي الله وبالفعل نفذ قراره ووقع وزوجه في المحظور واقتربا من الشجرة التي نهاهما عنها ربهما ليكتشفا أنها لا ميزة فيها على الاطلاق فهي ليست مختلفة ولا مميزة عن باقي الاشجار ولكن الذي اختلف هو طبيعة آدم وزوجه فقبل المعصية كان كل منهما برىء كالاطفال يرى كل شيء حوله جميلاً وبعد المعصية ذهبت البراءة وتفتحت عيونهم على الحقيقة وهنا يقول الله تعالى “فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ”.

تخيلوا أن آدم وزوجه قبل المعصية لم يكونا على علم ولا دراية بمعنى ومفهوم العورة كما الطفل تماماً وسبحان الله بعد المعصية والشعور بخيبة الأمل واكتشاف أن الشجرة لا شيء مجرد فقاعة مجرد وهم هنا تبدل تفكيرهم وتفتحت أعينهم على حقائق لم يكونوا يرونها مع أنها أمامهم طيلة الوقت فكانت لأول مرة ينتبها الى عورتهما فحاول كل منهم تغطية عورته من ورق الشجر، وهنا سؤال لابد من طرحه ألم يكن الله سبحانه وتعالى على علم ودراية أن آدم وزوجه سوف يعصيان أمره ويأكلا من الشجرة المحظورة؟ بالتأكيد كان يعلم دون أدنى شك فالموضوع بالنسبة لآدم وزوجه هو ابتلاء من الله وامتحان لهما وقد فشلا به. أما بالنسبة لله فهو أمر واقع فالله يعلم تماماً ماذا سيحدث ويعلم أنهما سوف يعصيان أمره.

لماذا لم يمنع الله سبحانه سيدنا آدم من معصيته؟

تعالوا نتفكر لماذا لم يمنع الله آدم وزوجه من ارتكاب المعصية وتركهما يعصيانه؟ في الحقيقة لو أن الله كان سيمنع آدم وزوجه من ارتكاب المعصية لما وضع تلك المعضلة من الأساس ولما منعمها من الشجرة. ولا تنسى أن الله تاب على آدم وغفر له ذنبه ومعصيته. فما الهدف من كل تلك القصة؟ الهدف هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين لآدم وزوجه وللملائكة أن هذا الإنسان هذا البشري لديه قدرة على معصية الله ويستطيع بالفعل ارتكاب المعاصي وهذه هي الميزة الثانية التي يتمتع بها الانسان ويتميز بها عن الملائكة.

كيف تكون المعصية ميزة؟

ولكن كيف تكون المعصية ميزة؟ في الحقيقة ليست المعصية هي الميزة ولكن القدرة على المعصية هي ميزة وميزة مهمة جداً فالملائكة خلقها الله وجبلها على الطاعة ولا تملك عقلاً متطوراً كعقل البشر وليس لديها شهوات ولا تملك القدرة على المعصية فهي مخلوقة مجبولة لتطيع وهي تفعل ما خلقت لأجله فأين الميزة في ذلك؟ أين الفعل العظيم الذي تقوم به؟ لاشيء، أما الإنسان الذي لديه غرائز وشهوات ونفس أمارة بالسوء وشيطان يوسوس له وعقل متطور وذكاء وقادر على المعصية (والدليل على قدرته على ارتكاب المعاصي ما حدث لآدم عندما عصى ربه) فتخيل كيف أن هذا الإنسان على الرغم من كل المغريات التي أمامه وعلى الرغم من قدرته على المعصية إلا أنه يختار الطاعة بملء إرادته، وهذه ميزة لا تملكها الملائكة.

وهنا لا بد من الإشارة الى نقطة هامة جداً جداً وهي ضرورة حرية الاختيار بمعنى أن الإنسان الذي يمتلك حرية قراره واختياره ويختار الطاعة بملء أرادته فسوف يكافئه الله على ذلك لأن الفكرة كلها تتمحور حول حرية القرار. والانسان الذي قد يختار المعصية فيكون قد ظلم نفسه والله يقول لهؤلاء “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”. 

لا إكراه في الدين

تذكر دوماً أن الله سبحانه وتعالى كان بإمكانه أن يجنب آدم المعصية ومع ذلك تركه يعصيه وكان بامكانه أن يجعل البشر كالملائكة يسبحون بحمده ويقدّسون له طيلة الوقت ولا يعصون أمره ومع ذلك جعل لهم عقولاً وقلوباً تجعلهم يقررون ويرتكبون المعاصي.

وكان بإمكانه أن يجعل البشر جميعاً على قلب واحد ومع ذلك جعلهم مختلفين. فالفكرة كلها في حرية الاختيار والقرار ولا إكراه في الدين لأن الإكره يفقد الإنسان ميزة القدرة على المعصية التي خصه الله بها ليفضله على الملائكة وبالتالي لا يجوز لبشر إجبار أحد من البشر على طاعة الله لأن الله كان بامكانه إجبار الجميع ومع ذلك جعلهم مخيرين تماماً في هذه المسألة فمن أنتم لتعصوا أمر الله وتقرروا إجبار الناس؟ اتقوا الله واتقوا يوماً ترجعون فيه الا الله وفقنا الله وإياكم جميعاً لنكون عابدين طائعين مخلصين له الدين بملء إرادتنا.

فيديو مقال بما يتميز البشر عن الملائكة؟

أضف تعليقك هنا