جـــوانب من العلاقـــات المغربيـــة الألمـــانية

بقلم: عبــاس زعــري

مــقدمة

دخل المغرب مع بداية القرن 19م منعطفا تاريخيا جديدا، بلغ حدا من التدهور والانحلال بسبب تراجعه في شتى الميادين و تقادم هياكله ومؤسساته الاقتصادية و العسكرية و الاجتماعية ، في حين كانت تعرف أوربا  ازدهارا و توهجا على جميع الأصعدة ، خاصة وأنها كانت تعرف الثروة الصناعية وما أحدثته من مؤثرات هائلة من حيث اتساع حجم التجارة العالمية التي شكلت وسيلة رئيسية من وسائل التغلغل الأوروبي بالمغرب.

وبرزت ألمانيا كقوة جديدة خاصة وأنهما حققت وحدتها الترابية سنة 1870م، وبدأت تبحث عن مكان ها في إفريقيا عامة و المغرب خاصة، الذي كان يعيش خلال هذه الفترة أزمات على جميع الأصعدة، مما أجبر عليه ربط علاقات مع ألمانيا. وذلك رغبة منه في إيجاد حماية من الأطماع الأوربية المتزايدة.

  • إذن مـاهي  طبيعة هـــذه العلاقــــــــــات؟
  • وما هي الخلفيات للسياسة الألمانية بالمغرب؟
  • و بمـــــــاذا تمـــيزت هــــذه العــــلاقات؟

الجذور التاريخية للعلاقات المغربية الألمـانية

بدأت ألمانيا تولي اهتمامها بالمغرب بعد أن تزايد نشاط تجارها بالمغرب، خاصة في عهد السلطان مولاي الحسن الأول (1873-1894)[1] وبالرغم من تأخر الألمان في التعرف على المغرب، فقد تميزت الجالية الألمانية بالمغرب بنشاطها وتفهمها لأذواق وتقاليد المغاربة، فتمكنت نتيجة لذلك من تطوير معاملاتها بسرعة وانتشر نشاط المؤسسات التجارية الألمانية مع معظم أنحاء المغرب خاصة في الجنوب. وسرعان ما احتلت التجارة الألمانية الصف الثاني بعد انجلترا.[2] بعد أن حققت ألمانيا وحدتها وسحقت فرنسا سنة 1870 أصبحت يومئذ قوة ناشئة بإفريقيا والمحيط الهادئ، ومن جملتها منطقة خاصة بها في صحراء المغرب الشاطئية للمحيط الأطلسي.

لقد كشفت هزيمة فرنسا ضد القوات الألمانية خلال سنة 1870 للمستشار الألماني بسمارك عن أهمية السياسة والاستراتيجية للمغرب الذي أصبح مجاورا لفرنسا بالجزائر.وبهذا الانتصار دفعت ألمانيا بفرنسا للتوسع نحو شمال إفريقيا وذلك من أجل عدم اهتمام فرنسا بالألزاس واللورين التي احتلتهما ألمانيا بالقوة، بعد أن  حققت ألمانيا وحدتها الترابية، طالب الرأي العام الألماني حكومته بسياسة خارجية تخدم هيبة ألمانيا ومكانتها كدولة كبرى، وبعمل حازم للمحافظة على المصالح الألمانية بالمغرب والحيلولة دون بسط حماية فرنسية عليه.

واتخذ بسمارك قرارا بفتح القنصلية الألمانية بطنجة سنة 1873. وإقامة علاقات دبلوماسية مع المغرب وعين لذلك وزراء مفوضين كان أولهم (فون كوليخ(Von. gulich  عام 1873.[3] الذي عرض على السلطان المولى الحسن الأول مساعدة ألمانيا لتكوين جيش عصري وتزويده بالعتاد الحربي، وإنشاء شريكة للسكة الحديدية والطرق المعبدة علاوة على خطوط التلغراف.[4]

بداية الزيارات الرسمية بين الدولتين

وتبادلت الزيارات بين الدولتين، وذلك حين أرسل السلطان بعثة مغربية إلى ألمانيا سنة 1878، وأسهمت هذه السفارة في تسجيل خطوة جديدة  للتقارب الألماني المغربي، كما قام الإمبراطور كيوم الثاني بتعيين وزير معتمد جديد بطنجة، كان له دور بارز في إعطاء نفس جديدة للعلاقات ويتعلق الأمر بالسفير طاطنباخ بفضل جهوده الدبلوماسية تمكن من توقيع معاهدة تجارية مع المغرب سنة 1890. ولا تخفى أهمية هذا التطور المتلاحق لتنامي الحضور الألماني في المغرب الذي لا شك أنه كان من شأنه أن يزعج مخططات فرنسا أكثر من غيرها من بقية الدول ذات الاهتمام الكبير بمصير البلد نفسه.[5]

إن العلاقات المغربية الألمانية لم تسلم من مظاهر التوتر، وتكفي الإشارة هناك أزمة سنوات 1894/1897 التي أثيرت بسبب مقتل مواطنين ألمان  أحدهما في الدار البيضاء والثاني في أحواز أسفي، وقد تخللها وصول قطع من الأسطول الألماني إلى المياه إقليمية المغربية، انتهت بتسديد تعويضات مالية لأسرتي القتيلين.[6] وعلى الرغم من توثر العلاقات المغربية الألمانية خاصة في عهد الوزير الصدر أحمد بن موسى (1894/1900) فإن بداية القرن العشرين شهدت تعاونا قويا بين الطرفين.

خلفيات السياسة الألمانية بالمغرب وأبعادها

حين حققت ألمانيا وحدتها وسحقت فرنسا سنة 1870م، أصبحت يومئذ قوة ناشئة مخيفة، ودخلت الميدان الاستعماري تحت ضغط الظروف الاقتصادية. وبتالي بدأت تبحث عن مجال حيوي لها في إفريقيا عامة والمغرب خاصة، الذي وصل حدا من التدهور والانحلال والتراجع على جميع الأصعدة، ووظفت ألمانيا شتى الوسائل وذلك من أجل تقوية نفودها بالمغرب والحفاظ على مصالحها.

واستغلت هموم المخزن ومتابعته من طرف فرنسا فانتزعت منه في شخص ممثلها (كونت فون طاطنباخ) موافقة المولى الحسن الأول على معاهدة تجارية سنة 1890، حاول أن يرسى بها دعائم النفوذ الألماني بالمغرب خلال السنوات اللاحقة. واعتمد الألمان على جملة من الأساليب في تثبيت وجودهم بالمغرب بحيث تم الاعتماد على عميل اسمه “منصور ملحمة” مترجم السفارة الألمانية الذي تم استقطابه من المشرق.

الذي كان يحظى بتقديرهم إلى حد أنهم كانوا يكلفونه بإدارة السفارة أثناء غيبة السفير، لقد عرف كيف يستفيد من ميزته كعربي ومسلم، ليتقمص دور الصديق النصوح، العامل خفية بدافع الاهتمام بالمصالح المغربية.[7] كما وضفت ألمانيا طائفة من المحميين السماسرة ساعدوها على تثبيت نفوذها وحماية مصالحها التجارية.[8]

مؤتمر مدريد سنة 1880

شاركت ألمانيا في “مؤتمر مدريد” سنة 1880 التي كانت تعاني عقدة  التخلف في الميدان الاستعماري، والتي اتخذت الحياد في بداية أشغال المؤتمر ولكن سرعان ما انتقلت في موقفها بناءا على توصية شيخ السياسة الألمانية “بسمارك” الذى ارتأى أن يترك فرنسا تستسيغ هذه اللقمة بعد الذى لقيته على يد دولته إثري هزيمة فرنسا وفقدانها إقليمي الألزاس واللورين. وبتالي خيبت ألمانيا أمال المغرب بموقفها هذا، وعوض أن يهتم دبلوماسيو أوربا بالبحث عن الوسائل الكفيلة لمساعدة المغرب بل اهتموا بحل الخلاف الفرنسي الألماني.[9]

إن المواقف الألمانية تجاه المغرب، تميزت بالتردد والتقلب، فبعد إعلان ميثاق الجزيرة الخضراء الذى خدم  الأهداف التوسعية لفرنسا. حاول الألمان أن يظهروا  بمظهر المؤيد للموقف المغربي، وهكذا لم يبقى للألمان إلا هذه المناورة لإرضاء كبرياء أصدقائهم المغاربة، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحهم، وبالفعل تمكن الوزير الألماني، بطنجة السيد(روزن(Rozen  من المحافظة على النفوذ الألماني داخل المخزن، وأن يقنع أصدقائه المغاربة بأن ألمانيا لن تتخلى عن المغرب، ومما يبرز هذا الاتجاه لقد حصلت شركات ألمانية على امتياز إصلاح مينائي طنجة والعرائش.[10]

موقف ألمانيا من التدخل الفرنسي بالمغرب

  • لقد ظلت ألمانيا حاضرة في كل القضايا التي تهم العلاقات الخارجية للمغرب، سواء تعلق الأمر بالعلاقات مع الدول الأجنبية أو المؤثرات التي انعقدت بشأن قضاياه، “كمؤتر مدريد 1880” و“مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906” وكما أشرنا من قبل قد أكد بسمارك عن أهمية إقامة علاقات وثيقة مع المغرب، بحيث كان يعتقد أنه بفضل مساعدة ألمانيا للمغرب في تطوير قوته الاقتصادية والعسكرية يمكن أن يصبح حليفا ثمينا لألمانيا مخيفا لفرنسا، هذا الكلام فهو ظاهريا، أما ما تخفيه السياسة فهناك نوايا مغايرة، بحيث ظلت ألمانيا  تشجع سياسة فرنسا بالمغرب، وتجلى ذلك حين قررت حكومة ألمانيا أن يكون موقف ممثلها في “مؤتمر مدريد” مطابق لموقف نظيره الفرنسي.[11]
  • وظلت ألمانيا تتظاهر بوقوفها إلى جانب المغرب، ولكن في الحقيقة فهي تقف بجانب مصالحها الاقتصادية والتجارية بالبلاد. ومن مميزات السياسة الألمانية بالمغرب، العمل على استغلال كل خلاف بين المغاربة والفرنسيين لتوسيع النفوذ الألماني. لقد دخلت ألمانيا إلى المغرب، وهي مسبقا اتفقت مع فرنسا عن مناطق نفوذها، وجرى هذا الاتفاق خلال “مؤتمر برلين” سنة 1878 الخاص بتعضيد ألمانيا لفرنسا وتشجيع سياستها الاستعمارية في بلدان شمال إفريقيا عامة والمغرب على وجه الخصوص.[12]
  • بعد أن اتفقت فرنسا مع بريطانيا واعتراف هذه الأخيرة، بحق فرنسا بالمغرب، صارت ألمانيا تتهيأ للمطالبة بنصيبها بالمغرب، وخوفا على مصالحها قام الإمبراطور غيوم الثاني بزيارة إلى طنجة وأعلن أن المغرب مفتوح على التنافس السلمي في وجه جميع الأمم من غير احتكار ولا إقصاء بأي  شكل من الأشكال.[13]
  • وحين تصعيد فرنسا لهجتها العسكرية واجتياحها المناطق الشرقية بالمغرب وكذا الدار البيضاء، أرسلت ألمانيا بارجة حربية إلى ميناء أكادير لحماية مصالحها المهددة، وما كان إرسال تلك البارجة في الحقيقة إلا لإرضاء  الرأي العام الألماني، وإجبار فرنسا على التفاوض. لقد خيم التوتر والقلق على أروبا خوفا من اندلاع حرب لا يمكن توقع نتائجها، وقد تدخلت بريطانيا بين الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات انتهت بالاتفاق الفرنسي الألماني سنة 1911 أقرت فيه ألمانيا لفرنسا بحقها في المغرب وتنازلت فرنسا عن حقها في الكونغو لصالح ألمانيا. [14]

خلاصة

إجمالا تميزت علاقة المغرب مع ألمانيا بكونها علاقات اقتصادية أكثر مما هي سياسية، تتحكم فيها الاعتبارات الاقتصادية والتجارية بالدرجة الأولى، كما أن هذه العلاقات كانت متضاربة، فكل طرف كان يسعى من وراء هذه العلاقات خدمة مصالحه الخاصة، لذلك فإن ألمانيا كانت تتخذ من المغرب وسيلة لتحقيق التوازن لسياستها، وتأمين مصالحها الحيوية بالمغرب. وهذا ما يفسر سرعة تخلي ألمانيا عن المغرب إبان انفراد فرنسا بالمغرب وتوقيع معاهدة الحماية.

[1]الخديمي، علال، المغرب في مواجهة التحديات الخارجية  1851-1947، دراسة في تاريخ العلاقات الدولية.

إفريقيا الشرق –  المغرب، ص 94.

[2]المغرب وألمانيا، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة  ندوات  و مناظرات  رقم  17 ص 33 .

[3]بوشعراء، مصطفلى، الإستطان والحماية القنصلية بالمغرب، تقديم عبد الوهاب ابن المنصور الجزء الأول المطبعة الملكية – الرباط  1984 – 1404، ص 448.

[4]التازي،عبد الهادي، الوسيط في التاريخ الدبلوماسي للمغرب – ج الثالث، دار النشر المعرفة الطبعة الأولى، ص 292.

[5]القبلي، محمد، تاريخ المغرب، تحيين وتركيب، منشورات  المعهد الملكي للبحث التاريخي في تاريخ المغرب الرباط .2011، ص 473.

[6]القبلي محمد، مرجع سابق، ص 475.

[7]عياش، جرمان، دراسات في تاريخ المغرب، الطبعة الأولى 11406/1986، ص225 .

[8]بوشعراء، مصطفى، مرجع سابق، ص 825.

[9]خديمي علال ، مرجع سابق ، ص 95.

[10]خديمي علال ، مرجع سابق ، ص 97.

[11]ابن المنصور عبد الوهاب ، مشكلة الحماية القنصلية بالمغرب من نشأتها إلى مؤتمر مدريد سنة 1880، الطبعة الثانية 1985، المطبعة الملكية الرباط – ص 90.

[12]المغرب وألمانيا، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 17، ص 33.

[13]– فدريك، وايسجربر، على عتبة المغرب  الحديث، ترجمة حزل عبد الرحيم ، منشورات دار الأمان، الطبعة الثانية (2011-1432)، ص 128.

[14]فدريك وايسجربر، مرجع سابق، صص 194-195.

بقلم: عبــاس زعــري

أضف تعليقك هنا