َالتوحيدية بين الإسلام واليهودية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأهله ومن والاه.

 أما بعد

فإن التوحيدية على الوجه العام تعني الإيمان بإلهٍ واحد لا شريك له, ولا منازع إليه في الإلوهية, ولا أجدر منه بالعبادة. كما الإله في الإسلام بما يقابله في قوله تعالى في سورة الإخلاص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ

 أولاً: شهادة التوحيد

وهي مقولة ترتقي إلى رتبة الشهادة, وسُميت بذلك لأن الإنسان يشهد بـها على وحدانية الإله, وهي في الإسلام: أشهد أنَّ لا إله إلا الله, وأنَّ محمَّدًا رسول الله. وتتشابه اليهودية مع الإسلام في الشكل العام فيما يخصُّ شهادة التوحيد التي تعرف في اليهودية باسم: קריאת שמע أي دعاء اسمع, أو قراءة الآية اسمع. وهي على النحو التالي: שְׁמַ֖ע יִשְׂרָאֵ֑ל יְהוָ֥ה אֱלֹהֵ֖ינוּ יְהוָ֥ה ׀ אֶחָֽד والتي تعني: اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد.. والمقصود بإسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام.

ثانيًا: الاختلاف الواقع بين توحيدية الإسلام وتوحيدية اليهودية

للوهلة الأول يظن القارئ الكريم أن ليس هناك فرق بين التوحيديتين, والحق أن هُناك فرق بيِّن, حيث تنطوي توحيدية اليهودية على أصوليَّة وعنصرية شديدة, ترتقي بذلك إلى درجة الـمغالاة الطبقية الـمنفرَّة التي تجعل الإله حكرًا على اليهود فقط دون غيرهم, وعلِّــي قد ذكرتُ في مقالٍ سابق أنَّ اليهودي- حسب الشريعة اليهودية- هو مَن وُلد لأمٍ يهودية, وأنَّـه لا يجوز لأي شخص من ديانة أجنبية أن يعتنق اليهوديَّـة, وحتَّى اليهودي الذي “يغيِّـر دينه” يظلُّ يهوديًّــا بالنسبة إلى حاخامات اليهود, ومعني ذلك أنَّ المرأة اليهودية التي- في حالة نادرة- تزوجت من رجلٍ مسلم أو مسيحي أو ينتمي لأي ديانة أخرى, إن أنجبت فإنَّ رضيعها- حسب الشريعة اليهودية- هو يهودي بانتمائه للأم, في حين أن الرجل اليهودي إن تزوج من مسلمةٍ أو مسيحية وأنجبت إليه ابنًا فلا يُعترف بيهوديته, ولا يمكن أن يقبله الحاخامات كيهودي, ولا يمكنه أن يعتنق اليهودية, فاليهودية ديانة غير تبشيرية, ولا تقبل أي أحد.

وهي بذلك تكون من أكثر الديانات تحفظًـا, وهم- اليهود- يهدفون بذلك إلى الحفاظ على ما يدعونه باسم “نقاء الجنس اليهودي”, وهي عنصرية ورثها اليهود عن العهد القديم, وأججت نيرانَـها الصراعاتُ الطبقية والعنصرية التي اجتاحت أوربَّـا إبَّـان الحرب العالمية الثانية.

واستندَ الفقهاء اليهود إلى تلك الـممانعات إلى شهادة التوحيد خاصتـهم: اسمع يا إسرائيل, الرب إلهنا إله واحد, والتي فسروها بأن الرب حكرًا على بني إسرائيل, أو بني يعقوب, وأنَّ الرب اصطفى لنفسه هؤلاء القوم دون غيرهم, ليكونوا له شعبًا مقدَّسًا, وهي قمَّـة العنصرية الدينية في أبشع صورها. حيث خلَّـف هذا الإيمان في صدورهم شيئًا كبيرًا من الغطرسة, التي تفاقمت مع الوقت واستوطنتهم لتتحوَّل فيما بعد إلى أمراضٍ نفسيةٍ حقيقية, على المرء منهم أن يستشير طبيبًا لعلاجها, لقد أعطوا الحقَّ إلى أنفسهم باذدراء الأقوام الأخرى- بحجة أنهم ليسوا من شعب الله الـمختار- بل اختاروا لأنفسهم العزلة ليبعدوا عن باقي البشر كي لا يتلوَّث بني اليهود, فنجدهم خلقوا الجيتو في أوربا: تلك المناطق السكنية المسوّرة بحائطٍ طويل, وشوارع ضيقة, تعفنها القمامة التي يلقونها داخل شوارعهم, خوفًا من أن الخروج وإلقائها في مناطقها المخصصة, فخلق هذا الجيتو ذو الجدار العالي, خلق جدارًا أكثر علوًا داخل كل نفسٍ يهودية, فصل هذا الجدار بين الشخص اليهودي وأي شخصٍ آخر يعيش معه في تلك الدولة, كما حدث في بولندا والنمسا وفرنسا وأوكرانيا وروسيا ومعظم دول أوربا.

النهاية

نذكرُ أن التوحيدية في اليهودية تختلف عن التوحيدية في الإسلام التي تساوي بين جميع بني البشر, والتي تقول بأن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى, فالإله عند المسلمين هو إله عالمي, حمَّلَ الرسولَ الكريم “محمد” صل الله عليه وسلم, برسالة عالمية تنويرية, عكس توحيدية اليهودية التي تجعل من الإله حكرًا خاصًا باليهود دون غيرهم, فاليهود وحدهم من يرضى عنهم الإله, وهم فقط الأحق بالأرض والسعادة والجنة فيما بعد, وباقي الأقوام في النار, والشقاء المطلق.

وبالطبع هذا خلق أزمة نفسية دينية داخل كل شخص يهودي, تبرُز هذه الأزمة في الأعمال الأدبية للكاتب مردخاي زئيف فايربرج, التي ترجمنا أعماله وجمعناها في مجلد واحد تحت عنوان: التميمة نيكتوفيليا اليهود. وغيره من الكتاب البولنديين والروس والألمان الذي وثقوا تلك الأزمات النفسية في كتاباتهم الأدبية.

فيديو مقال َالتوحيدية بين الإسلام واليهودية

أضف تعليقك هنا