التعليم في كندا

طلب مني أحد الأصدقاء وأوجه له التحية أن أتحدث عن المعلمين في كندا للمقارنة بين وضع المعلم في كندا وفي بلد عربي مثل الأردن.
وفي الحقيقة من الصعب تجزئة المقارنة واختصارها بين المعلمين أو فقط في قطاع التعليم ولكي تصح المقارنة يجب مقارنة بين وضع السكان هنا  وهناك بشكل عام.

النظام المالي في كندا

كندا دولة رأسمالية مع وجود بعض جوانب اشتراكية حيث أن الحكومة تسعى جاهدة لإزالة الفوارق الاجتماعية والطبقية بين السكان ومنها مثلاً مستوى الخدمات الصحية والتأمين الصحي الحكومي الذي لا يميز بين وزير ومدير وخفير الكل سواسية ولهم نفس الحقوق والامتيازات إلا أن الفقير له امتيازات أكثر ويحصل على خدمات مجانية أكثر.
وفي قطاع التعليم جميع الاطفال لهم نفس الحقوق في الحصول على تعليم بمستوى عالٍ ومتميز وتجد المدارس الحكومية تقريبا كلها متشابهة وتعتبر بنفس مستوى المدارس الخاصة وربما أعلى.

الضرائب

النواحي الاشتراكية تظهر واضحة جلية في طريقة احتساب ضريبة الدخل والتي تعتبر مرتفعة قياساً بدول أخرى فتجد أن الغالبية يدفعون ما يقارب ربع دخلهم ضريبة وكلما ارتفع الدخل ارتفعت نسبة الضريبة فتصل احيانا الى 40٪ من الدخل وكلما قل الدخل تقل الضريبة حتى تصل الى صفر في بعض الأحيان. بمعنى أن الغني يدفع ضريبة عالية وكأن الدولة شريك معه وذو الدخل القليل لا يدفع ضريبة وأما العاطل عن العمل فلا يدفع بل يتلقى مساعدات مالية.
النظام ممتاز للفقراء ولأصحاب الدخول المتدنية والعاطلين عن العمل ولكنه مزعج للأغنياء ولأصحاب الدخول المتوسطة والعالية لأن الحكومة فعلياً تأخذ من الغني وتعطي الفقير. ونستطيع مجازاً أن نقوم بتقسيم مستوى الدخل الى ما يلي:

الفقراء – العاطلين عن العمل:

هذه الفئة التي لا يوجد لها دخل ويتلقون مساعدات حكومية ليست بالمبالغ العالية بل بالكاد تكفيهم ولا يدفعون ضرائب ويحصلون على خدمات صحية مجانية كاملة تشمل الأسنان والأدوية وكل شيء. ويحصلون على خصومات في تصل الي 100٪ في الكثير من الخدمات الحكومية ومنها التعليم الجامعي لهم ولأبنائهم. ويخضعون للمراقبة من قبل الحكومة بشكل دوري للتأكد من وضعهم المالي ومدى استحقاقهم للمساعدات.

الفقراء – أصحاب الدخول المنخفضة:

هذه الفئة لا تدفع ضرائب ولا تتلقى مساعدات مالية ولكن تحصل على خدمات صحية مجانية قد تشمل الأدوية والأسنان وكل شيء بحسب قيمة الدخل السنوي وعدد أفراد الأسرة. ويحصلون على خصومات أيضاً في الخدمات الحكومية المختلفة ومنها أيضاً التعليم الجامعي لهم ولأبنائهم

المتوسطي الدخل:

وهؤلاء يدفعون الضرائب بنسبة تصل الى 25٪ من الدخل تقريباً ويحصلون على خدمات صحية مجانية لا تشمل الأسنان والأدوية ولا يحصلون على خصومات في الخدمات الحكومية ولا في التعليم الجامعي ولكن يحصلون على قروض للدراسة الجامعية لهم ولأبنائهم تغطي تكاليف الدراسة وجزءاً من المصاريف الحياتية علي أن يسددوها لاحقاً بعد التخرج. 

الدخول ما فوق المتوسطة:

وهذه الفئة يدفعون ضرائب قد تصل 40٪ من الدخل ويحصلون علي خدمات صحية حكومية مجانية لا تشمل الأسنان والدواء وقد يحصل أبناء بعضهم على قروض للدراسة الجامعية بحسب الدخل وعدد افراد الأسرة. 

الأغنياء:

وهؤلاء غالباً أصحاب البزنس ويدفعون ضرائب بحسب دخلهم حيث للبزنس نظام ضريبي مختلف وبالطبع ليس لديهم أي خدمات مجانية سوى الخدمات الصحية والتعليم في المستوى المدرسي فقط.
لو نظرنا الى هذه الفئات والى مستواهم المعيشي سنجد أن الفئات 2 و3 و4 تقريباً يعيشون في نفس المستوى وهم الغالبية العظمى من السكان ربما تصل الى نسبة 85٪ من السكان  تجد الي حد ما بيوتهم وسياراتهم وملابسهم متشابهة حتى المحلات والأماكن الترفيهية التي يزورونها والفنادق والمطاعم التي يرتادونها والهدايا التي يتبادلونها لأنها بعملية حسابية بسيطة لو فرضنا أن متوسط الدخل الشهري هو 5500 دولار فمن يتقاضاه يدفع تقريباً 2000 دولار ضريبة ومن دخله 3000 شهريا ربما لا يدفع ضريبة ومن دخله 8000 شهرياٍ قد يدفع 3500 في النهاية تجد انهم يحصلون على دخل شبه متساوي. 

التعليم في كندا 

وأما عن المعلم بعد 10 سنوات خبرة فهو يتقاضى تقريباً 9000 دولاز شهرياً مما يجعله في أعلى سلم الرواتب الحكومية والخاصة حيث أن المهندس بعد الخبرة 10 سنوات ربما يصل راتبه 8000 دولار شهرياً والمحاسب الخبير 7000 وموظف البنك لا يتجاوز 6000.
ولكن كما أسلفت كلهم يعيشون تقريبا في نفس المستوى ونظراً للغلاء وإرتفاع المعيشة في كندا فإن الموظفين في الغالب لا يستطيع أياً منهم توفير شيئاً من دخله وإنما يحصل على ما يكفيه ويسدد مصاريفه الحياتية فقط.
ولكن المعلم يجب أن يدرس سنتين بعد البكالوريوس في طرق وأساليب التدريس ويحصل على شهادة معلم معترف به ثم يستطيع التقديم للعمل في المدارس الحكومية وعليه الانتظار فترة طويلة نظراً لارتفاع المنافسة عليها. ويعمل المعلم بدوام كامل من الساعة الثامنة صباحاً الى الساعة الرابعة عصراً يومياً. ونظام التعليم مختلف كلياً عن أنظمتنا العربية فهو لا يعتمد أبداً على الحفظ والتلقين بل يركز كثيراً على محاولة رسم ملامح الشخصية القوية للطفل وإنماء قدرة التفكير والإبداع لديه والاعتماد على نفسه وتجد معظم الواجبات المدرسية لطلاب الثانوية هي كتابة مقالات (essay) وإعداد وتقديم عروض (presentation). ونظام المدارس صارم جداً من ناحية التربية والتهذيب والأخلاق وتجد المدرسة بأكملها مزودة بكاميرات مراقبة في ساحاتها وأروقتها ويتم تسجيل الحضور وإدخاله الى النظام الالكتروني في كل حصة وفي حال تسجيل أحد الطلبة غائباً يقوم النظام بالاتصال آلياً بولي أمره لأخباره أنه إبنه أو بنته تغيب عن حصة معينة. 

الوظائف والتوظيف في كندا

وفي الحديث عن التوظيف فهناك ظاهرة قد يراها البعض سلبية والبعض الاخر إيجابية وهي ظاهرة الدوام الجزئي أي العمل بالساعة وليس وظيفة دائمة مستقرة براتب ثابت وربما هذه مفيدة وايجابية أنها تتيح للطلاب في المدارس الثانوية والجامعات العمل في أوقات الفراغ فقط وليس بدوام كامل لا سيما وأنهم لا يحتاجون الاستقرار الوظيفي ولكن أصحاب العمل يستغلون هذه الظاهرة للتوفير فيعمدون الى عدم تعيين موظفين بدوام كامل لتجنب الامتيازات التي يحصل عليها الموظف من اجازات وتأمين وغيرها، ولا بد أن أشير الى أن الحصول على وظيفة أكاديمية أو احترافية في كندا ليس بالأمر السهل بل هو غاية في الصعوبة بسبب المنافسة العالية ووالقوية ووفرة المؤهلين بعكس المجالات الحرفية المهنية لأن معظم المهاجرين وأبنائهم حاصلين على شهادات عليا. 

الخلاصة

أن الحكومة في كندا تعمل تماماً بعكس ما تعمل به الحكومات العربية حيث أنها تأخذ من أموال الأغنياء لتعطي الفقراء ليس بالضرورة أن تعطيهم نقد ولكن تعطيهم خدمات مجانية كثيرة جداً ومكلفة جداً تأخذها من أموال الأغنياء.

فيديو مقال التعليم في كندا

أضف تعليقك هنا