مرتزقة التعليم العالي

من أخر أقوال (العقاد) رحمه الله (الصادقون في عواطفهم لا يبالون بالتحيات ومظاهر المجاملة، والذين لا يشعرون بصدق العاطفة يحسبون أن هذه المجاملات هي الإخلاص بعينه والحب في لبابه، كأنهم يراءون في إشاراتهم وأقوالهم وكأنهم يظهرون من العطف للناس غير ما يبطنون لهم، على أن غيرهم يجامل بلا كلفة فيلوح عليه الاخلاص والصدق وهو بعيد عنهما، إذا كان الرجل خليطا من الشرف والنذالة لم يكد يصنع في الحياة شيئا ذا خطر لأن الخلقين يتجاذبانه من ناحيتهما فيقف في موضعه كالمشلول أو كمن شد الى الحبل بين متنازعين على قوة متقاربة وانما يندفع الى الأعمال الكبيرة من غلب عليه الشرف او غلبت عليه النزالة).

من هم مرتزقة الجامعات؟

إن كان ثمة حقيقة تفرض نفسها على الوجود ولا يملك أن ينكرها شجر ولا حجر ولا إنسان مؤمنا كان او ملحدا فهي (الموت)، وإن كان معها ثمة حقيقة أخرى لا يملك الإنسان وحده إنكارها إلى جوار الموت فهي إنه على نفسه بصيرة، والسؤال هنا (من هم مرتزقة الجامعات؟) فهذه المقالة هي ككل قول يقر بالحقيقة أو يحاول ذلك لا يملك من يقرأها إلا أن يحدد نفسه ضمن صنف مما جاء فيها، فله أن يكون صادقا فيضع إصبعه على حقيقة نفسه فيها مقرا بها، واما ان يكون مكابرا تأخذه العزة بالإثم فينكر كل شيء فيها ويسميها بالهراء.

وطوبى لمن لم يجد نفسه في واحدة من هذه الأصناف لمرتزقة الجامعات وليحمد الله ان كتب له بنقائه وأخلاقه وأمانته العلمية رزقا حسنا في الجامعات برغم سطوة اساطين الفساد فيها كما كتب لنبيه (موسى) أن يرزق ويتربى في بيت فرعون، وفي كل الأحوال كل من كان هناك هو على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، أن أكبر مصيبة تصيب مجتمعا في مقتل هي أن يصاب في رواد التعليم به.

يحل الهلاك على التعليم الذي يتولاه المعلم الفاسد

فالويل للبلاد إن كان بين المعلمين بجامعاتها من غلب عليهم طبع النذالة، على نحو ما عرف (العقاد)، فوسدوا امورا هم غير أهل لها ومكانا لم يكونوا بالغيه إلا بتزوير ونفاق وكيد للناس وتدليس وتشهد عليهم مكاتب أمناء السر بالجامعات، أرأيتم الى من عبث بقدسية المهنة ونال فيها ما لا يستحق، ذاك الذي نصب نفسه شيخا فأوهم مريديه وزملائه بادعاء الكرامات وعصمة الدماء الشريفة فبجلوه ومجدوه ومنحوه الشهادات والرتب العلمية وهم بدورهم منحو طلابهم اجازاتهم العلمية بعطية منهم وليس باستحقاق.

فاذا فتحت أوراقهم وما قدموا بدا كل شيء كسراب بقيعة .. أرأيتم إلى من توسل الى تاجر الخطيئة فضرب عنده شهادات زورا بأختامها غض الطرف عنها من عينوه بالجامعات لأجل ان يأكل معهم في طبق الاثم ثم يستعملونهم في الكيد لمن غلب عليهم الشرف والنزاهة لئلا يفضحون غشهم هذا ، وتكون الطامة عندما يفضح الطبق عمن اكل فيه الاثم فلا ينالون نكالا كما ينبغي وانما على العكس يغطى عليهم ثم ينقلون الى جامعات اخرى ولا غرابة في هذا فاذا كان راس الامر فاسدا كان سترا على من فسد تحته.

الفاسد يولي الفاسد الذي مثله لتيسير مصالحه

فالفاسدون يولي بعضهم بعضا ويمنحون البطانة والمفاصل لذويهم وأقاربهم، أرأيتم من زعم أنه باحث في أروقة الجامعة يأتي بثمار جديدة في المعرفة كل حين، ولكن سرعان ما يتبين ان هذا الثمر انما هو جهد من نسخ عنهم هذا الاستاذ اقوالهم فالصقها في بحثه المزعوم ثم يقول هاؤم اقرأوا ما ابدعت قريحتي وخطت يداي، فهو اذن ليس بباحث وان تُرك بغير نسخه ولصقه ما أتى عقله الا بالغث يروح كزبد البحر مع الرياح لا يحمل شيئا ، فاين مثل هذا مقعده في جامعة لا يترقي اساتذتها الا بخبرات جديدة تثبتها بحوثهم الأصيلة.

أرأيتم الى من سرق عرق وعزم طلابه باستلال بحوثهم بعلمهم او بغير علمهم وينسبها لنفسه وليس له فيها غير اسمه يضعه دون تعب على واجهة تلك البحوث لتخفي من دونها اسماء مؤلفيها الحقيقيين، ألانه هو الاستاذ العظيم فيكون كل شيء وذاك الطالب المسكين ليس شيء،  أرأيتم إلى من ظهر عقمه الاكاديمي والعلمي امام طلابه فطفق يغطي على هذا العقم بتمجيد نفسه وتعظيم ذاته بألوان الالقاب الكبرى التي تمنحها الجامعات في العالم فقط لمن كان عبقريا مبدعا في تدريسه وبحثه وأخلاقه العلمية.

ابتزاز الطلاب ماديا شكل من أشكال الفساد التعليمي

أرأيتم ذلك الي يراود طالبه عن ماله ابتزازا فان لم يدفع له فلن يمنحه صك النجاح ، وينال الرشاوى والهداية المشبوهة من وراء الحجب والابواب المغلقة ، وكثيرون هم من لا يخشون الله في ذلك قد تفشوا في الجامعات كالطاعون، أرأيتم إلى من ضل طريقه نحو السوق والبيع فيه والشراء فصار جعظري جواظ -على قول رسولنا العظيم – صخاب في قاعات الجامعات يتدفق فظاظة وغلظة وخشونة على طلابه بسبب وبلا سبب تغطية لجهله البالغ فلا يأخذون منه شيئا مما عليهم ان يتعلموه فما صوته فيهم الا كرحى تدور على نفسها وليس بها شيء من طحين.

فأي فشل إداري هذا الذي اتى بمثل هذا الشخص الذي لا يعرف الا الهياج والنقمة الدائمة وعلو الصوت بالصياح الى اكثر الاماكن احتراما وتوقيرا .. بل أرأيتم الى من سلك بخلاف ذاك فكان رقيق الذوق لطيف الانس معسول القول لين الجانب باسما مع طلابه، ولكنه الورد الفواح يخفي تحته الشوك السام وهو الفساد في الادارة والمال والمناصب، يكتب التقارير الكاذبة بظهر زملائه سرا ويشي بكل أمين مخلص حتى تخلوا الجامعات الا من امثاله فيأكل هو حقه ويأكل معه حقوق الاخرين مالا بلا حصر ولا يبالي ، ولماذا لا يبالي؟ لأنه مطمئن إلى من هو تحت إمرتهم.

الفاسد يحب أن يتم مدحه بشيء لم يفعله

أولئك الذين يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا او بما هم عاجزين اصلا عن فعله .. فبأي منطق كان امثال هؤلاء الاساتذة الفاسدين في سدة التعليم العالي في البلاد ، انه لعمري جرم لا غفران له .. لقد ازكمت رائحة الفساد والفوضى وضياع النظام والهيبة الجامعية في بعض ليس بالقليل من الجامعات الخاصة أو الاهلية، فاذا كانت الجامعات الحكومية تعاني من اساتذة الفساد واختلال الادارة وانهيار العملية التعليمية في عهد ثورة التعليم المزعومة فان الحال في الجامعات والكليات الخاصة التي فتحت بالعشرات بلا ضابط ولا رابط في ظل الحكم الفاسد عبر سنواته المظلمة ادهى وامر بأضعاف مضاعفة.

وان كان الانحطاط قد طال جامعات نظامية، فقد غرقت في الانحطاط جامعات لا تعتمد التعليم النظامي .. لقد صار بعض التعليم العالي الخاص سوق كبرى للاتجار بالعلم وغسيل الشهادات ومنح الألقاب الاكاديمية جزافا ، يوهمون الاساتذة فيها انهم اساتذة بحق، ثم الاساتذة الواهمون بدورهم يوهمون طلابهم انهم طلاب علم حقا ، فلا هؤلاء اساتذة ولا اولئك طلاب يرجى منهم حين تخرجهم بل غثاء السيل.

مرتزقة التعليم كالنار في تلال القش

ولقد تفشى مرتزقة التعليم العالي في الجامعات كالنار في تلال القش اليابسة، فهكذا لوثت سياسة التمكين الحزبي كل شيء حتى ضمائر كثير من الناس الاوفياء ، فلقد فطن اصحاب التمكين الحزبي الى ان تغيير اتجاهات الناس في المجتمعات رهين بتغيير نمط ثقافتهم فلعبوا بقوة على هذا الوتر، اذ التمكين لن يكون لهم بغير تغيير راس الامر في الثقافة والعامل الخطر فيها وهو التعليم العالي.

فصارت ثقافة الحياة ليست الى ثقافة الموت بل إلى ثقافة التظاهر بالموت، حيث راح المنافقون مع متحركات الجهاد ثم تركوا اخوانهم عند اول الطريق وعادوا بصفة المجاهدين لينالوا شهادات من جامعاتهم لم يدرسوا فيها حرفا ولم يجلسوا فيها لامتحان كما بقية الطلاب ثم انهم يحصلون عليها بأعلى الدرجات كي تصير لهم في الغد مقاعد تعينات الاساتذة وحدهم لا لغيرهم، ومثلهم من هم حاملين القران الكريم كحمل الحمار للأسفار يكافئونهم بمن كسب العلم وتخرج بكده واجتهاده (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

إرث الجامعات العريقة

كان الناس يحملون في وجدانهم إن الجامعات العريقة في البلاد تملك ارثا قويا في تعليم فاعل ومعتبر عالميا بيد خبراء اكاديميون بحق وليس كمن هم هشيم تذروه الرياح من اساتذة التمكين الحزبي ، فتغير الحال وبات الناس ينظرون الى تسفيه احلامهم في مؤسسات التعليم العالي وهم يرون الاصل فيها قد صار استثناء .. ولكن الامل الان في الطوفان القادم بالتطهير واحقاق الحقوق ، فمخرز الاصلاح لن تقاومه اعين المفسدين.

لقد أن الأوان أن تفتح الملفات السوداء وأن تتطاير الصحف عن اضابيرها فتكشف عما فيها من سوء وسوءات عبر لجان تقصي الحقائق ولجان التحقيق .. ولنا ان لا نخشى عودة جامعاتنا العريقة الى ما كانت عليه في الاصل سابق عهدها ، فعلى تعبير الاديب (مارون عبود) (الرجل الصابر يشبه السندان . فإنه لا يخور ولا يسقط مهما اشتد عليه الضرب) وجامعاتنا العريقة هي ذلكم الرجل الصابر ، كبت ردحا من الزمان والان تنهض وفي النهاية لا يصح الا الصحيح.

وسيذهب الزبد على وجه البحر جفاء وسيمكث في الأرض ما ينفع الناس، ذاك وعد الله العظيم وبحوله وقوته.

فيديو مقال مرتزقة التعليم العالي

أضف تعليقك هنا