أبطال ٢٠٢٣

بقلم: مارفن عجور

إلغاء الشهادة المتوسطة لطلاب التاسع في لبنان

يخضع كل عام طلاب لبنان للامتحانات الرسمية في مختلف المناطق والمحافظات، يتقدمون طلاب الشهادة المتوسطة لهذه الامتحانات كأول مرة، فيما يخوضها طلاب الثانوية العامة للمرة الثانية! لكن هذا العالم مختلف تماما حيث ألغيت الشهادة المتوسطة لطلاب التاسع وأجريت امتحانات الشهادة الثانوية كأول مرة لطلاب الترمينال وذلك بسبب إلغاء امتحانات البروفيه لهم منذ ثلاثة اعوام!

اجتياز الطلاب امتحانات الثانوية رغم صعوبتها

يوم العاشر من تموز ٢٠٢٣ تقدم أربعة وأربعون ألف طالب من جميع المحافظات للامتحانات الرسمية، استيقظوا في الصباح الباكر وتوجهوا إلى مركز الامتحان، خائفين ومتوترين “حالة طبيعية يمر فيها كل طالب”، رن الجرس عند الساعة الثامنة والنصف صباحا و اكبوا التلامذة على كراريسهم يكتبون إجاباتهم على صفحات الإجابة ويحاولون على صفحات المسودة، يكتبون ما تعلمونه وما تجهزوا إليه خلال هذا العام الجدير بالتحديات والصعوبات، يكتبون ويملؤون الأوراق طالبين النجاح والتفوق الدراسي في امتحاناتهم! في اليوم الأول طلاب الاقتصاد والإنسانيات مرتاحون للمادة الأولى فيما طلاب علوم الحياة والعلوم العامة يشكون من صعوبة مادة الرياضيات والأسئلة المطروحة التي لم تراعي ظروفهم بشكل كامل! خاض الطلاب هذا الامتحان اللامنتظر، بعد أن توقعوا نجاحا باهرا في هذه المادة تحول اطمئنانهم إلى خبية أمل وخوف من الفشل، وبعد أن توقعوا نيل العلامة الكاملة، تمنوا أخذ نصفها بعد أن أضاعت لجنة مسابقة الرياضيات تعبهم! استمرت الامتحانات يومي الحادي والثالث عشر من تموز بكل هدوء وصبر وارتاحت قلوب الطلاب بعد الخوف الذي عاشوه في اليوم الأول بسبب البلبلة التي حصلت في بعض المواد. امتحان.. اثنين.. ثلاثة.. انتهت جميع الامتحانات لشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة وخرج التلامذة من قاعة الامتحان متمنيين النجاح في معركة دراسية شاقة كانوا هم أبطالها، وسائلين الله التفوق بعد خمسة عشر عاما من الدراسة المتواصلة انقطعوا عنها لعامين واعتمدوا خلالها “التعليم عن بعد” وفي هاذين العامين “ضاع الشنكاش”.

ضعف أسلوب الدراسة والامتحان في مرحلة التعليم عن بعد

سنتين من التعليم عن بعد اعتمدتها المدارس الرسمية والخاصة وذلك بسبب وباء كورونا المستجد وهذا الأمر تخلله خسارات كبيرة منها تراجع مستوى التلميذ في المدرسة حيث أن اللهو سيمنع الطالب عن التركيز مع الأستاذ خلال الشرح فأن تكون على طاولة دراسية في الصف وليس عليك سوى التركيز على الأستاذ وشرحه، أفضل من ان تكون في المنزل أمامك الكثير من الأشياء التي تمنعك من التركيز على الشرح ومنها الألعاب على الهاتف أو تناول الطعام أو الضجيج في المنزل أو حتى التكلم مع أصدقائك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى التغيب عن صفوف التعليم عن بعد للخروج من المنزل.

نعم، التعليم عن بعد جعل مستوى التلميذ يتراجع ولا يتقدم، هذا المستوى تراجع في الكثير من المجالات “اللغات” و “المواد العلمية” و “المواد التي تحتاج إلى حفظ ” حيث أن الغش خلال امتحانات التعليم عن بعد يعد أمراً بمنتهى السهولة لكن الأصعب إعادة المستوى بعد العودة الطبيعية إلى المدارس، ففي اللغات الغش سهل لكن كم هو بشع أن تعود إلى الدوام المدرسي بشكل طبيعي وأن تصل إلى الجامعة ولا تعلم كيفية تركيب جملة وقراءة نص نثري أو شعري أكان في اللغتين العربية والفرنسية.

أما في المواد العلمية كم هو مريح أن تكون بارعاً في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض وكم هو مزعج أن تفقد هذه البراعة وأن تحاول إعادتها عند عودتك إلى المدرسة وكم يحتاج هذا الأمر إلى وقت فهذه المواد سهلة لكنها تحتاج إلى تحليل وتطبيق وعمل شاق لتحقيق علامات ممتازة بها وهذا التحليل سيكون صعب إذا كنت تعتمد على الغش في مرحلة انقاطعك عن الدراسة الحضورية! وفي المواد التي تحتاج إلى حفظ سهل جداً الغش وراء الكاميرا ففي مادة التاريخ السؤال المطروح عنوانه في الكتاب أما في التربية الأمر نفسه وبعض الأسئلة من المعلومات المكتسبة وفي الجغرافيا كذلك الأمر لكن المشكلة الأكبر وجود صعوبة في حفظ تلك المواد بعد العودة إلى مقاعد الدراسة حيث هناك لا يمكن لأي طالب الغش بل هو مجبر أن يحفظ تلك المواد وبالطبع سيواجه مشكلة إذا كان لم يحفظها خلال التعليم عن بعد ويعتمد على الغش فعدم تشغيل الذاكرة لفترة طويلة أمراً خطراً! كما رأيتم كل هذه الصعوبات في جميع المواد التي واجهت الطلاب بدأت من وباء كورونا الذي أقفل المدارس و أجبرت المدارس ان تعتمد على التعليم عن بعد، واستمرت تلك الصعوبات عندما عاد الطالب حضورياً إلى المدرسة لا يعرف شيئاً ولا يذكر شيئاً بسبب عدم تمكنه من الصبر والتحمل “أيام الأونلاين”.

أقساط المدارس الخاصة المرتفعة لم تمنع الطلاب عن التعلم

بعد انتهاء الأزمة، عادت المدارس الخاصة وفتحت أبوابها لطلابها بأقساط غير طبيعية لكن ليس أمام الطالب سوى الدفع وتسديد القسط اللازم دفعه كي يكمل علمه وينال شهادته في بلد أصبح على حافة الانهيار! عادت المدارس الخاصة واستأنفت الدروس، تعلم طلابها، حاولوا مع أساتذتهم أن يعودوا إلى جو الدراسة، وبالفعل عادوا لكن بمستوى أقل مما كانوا عليه قبل “الأونلاين” و على الرغم من رواتب الأساتذة غير المقبولة بقي المعلمين يتمتعون بضميرهم تجاه تلامذتهم، وعملهم بجهد وحب وضمير لبناء طالب ناجح ومتفوق اثبتوه خلال هذا العام حيث قدموا كل شيء مقابل راتب لا يكفي ليوم واحد! وحاولوا أن ينقذوا القطاع التعليمي بجميع الطرق!

أساتذة بلا رواتب وطلاب بلا تعليم في المدارس الرسمية

على عكس المدارس الخاصة، المدارس الرسمية التي لم يتعلم طلابها شيئا منذ عام ٢٠١٩ حيث أن منذ أزمة كورونا والثورة اللبنانية التي جابت الشارع اللبناني لم تفتح المدارس الخاصة أبوابها وذلك بسبب فقدان الدولة اللبنانية مسؤوليتها تجاه موظفيها في القطاع التعليمي الرسمي وعدم دفعها لرواتبهم فبقيت الدولة اللبنانية مكتوفة الأيدي تجاه وجع الأساتذة والتلامذة المجهولي المصير، بقي الطلاب بلا تعلم، بقي الأساتذة ينتظرون الفرج ولم يأتي حتى الساعة، يعتصمون أمام وزارة التربية، يطرحون الأسئلة فلا أجوبة، يطلبون فلا تتحقق مطالبهم، يصرخون وجعا فلا أحد يسمعهم. يرفع الطلاب بلا درس وبدون اجتيازهم لامتحانات مدرسية، تقلص المناهج وتحذف الدروس، يفقد الطالب شغفه في التعلم واكتساب المعرفة، ومن ثم تتخد وزارة التربية والتعليم العالي قرارات لم يسبق لها أن تتخذها من قبل وتبقى المدارس الرسمية إلى تراجع ويحاول طلابها إنقاذ سمعتها بفضل مثابرتهم الدائمة وعزيمتهم وتحفيزهم الدائم للدراسة!

نجاح الطلاب رغم ضعف التعليم في المدارس الرسمية

فكما ذكرنا أن المدرسة الرسمية لم تفتح ابوابها يوما واحدا، وبالنسبة إلى الصفوف العادية “محلولة”  لكن الكارثة في صفوف الشهادات، فشهادة التاسع ألغيت لكن طلاب شهادة الترمينال في المدرسة الرسمية ذهبوا إلى الامتحانات بدراسة قليلة ولم يستطيعوا إنجاز المنهج على أكمل وجه ذهبوا واتكالهم على الله، وهناك من لا يذهب بل تغيب بسبب الضغط النفسي وعدم تمكنه من التغلب على الأزمة النفسية التي عاشها! وكما قلنا أن طلاب المدرسة الرسمية أنقذوا سمعتها نقصد بذلك تحقيقهم نجاحا باهراً في هذه الامتحانات وهذا النجاح الباهر لم يكن فقط بنسب النجاح بل هناك من حصل على تقدير جيد و وهناك من نال جيد جدا وهناك من حصل على نتائج ممتازة جعلته يتصدر المراتب الأولى على صعيد لبنان نذكر منهم الطالبة آلاء حيدر سلمان التي تفوقت بمعدل 17,18 في فرع الآدب والإنسانيات والآن تستعد لدراسة الترجمة في الجامعة، آلاء قد أنقذت سمعة المدرسة الرسمية حيث ذكرت أنها لم تتعلم سوى شهرا واحدا، وفي الوقت الذي كان عليها أن تقوم بمراجعة المواد للمرة الأخيرة كانت تدرسهم للمرة الأولى وإصرارها الذي لن تفقده يوما جعلها في المرتبة الأولى! أما عن الطلاب الذي لم يحالفهم الحظ في الدورة الأولى يستعدون الآن لخوض الدورة الثانية آملين النجاح!

فرحة النجاح تنسي الطلاب وأهلهم صعوبة الطريق

يوم صدور النتائج ايضا ، هناك من ادخل رقمه فرأى بعينتيه الإثنتين كلمة “ناجح” فأخذ يصرخ و من شدة الفرح يبكي، الأم التي لن تتوقف عن الزغاريد فخرا بأبناءها والهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين بسبب اتصالات التهنئة بالنجاح، والأب الذي ركض مسرعا لشراء الحلويات فرحة بتفوق أولاده! الأفراح التي غمرت جميع المنازل بسبب انتهاء هذه المعركة الدراسية بتحقيق النجاح الباهر. والفرحة الأكبر في منزل الطلاب الأوائل، الطالب آدي جان جورج ناصيف الذي حصل على المرتبة الأولى في فرع علوم الحياة ولم تستطع أمه التوقف عن البكاء بسبب الفرحة الكبيرة التي حلت على منزلهم والطالبة رؤى هيثم الحاج شحاده التي لم تتوقع نيل المرتبة الأولى على صعيد لبنان بل توقعت التفوق فقط لكن إصرارها وذكاءها جعلها في المرتبة الأولى، والطالبة فاطمة علي بحسون التي تصدرت فرع الاقتصاد والإجتماع وحلت في المرتبة الأولى على لبنان بمعدل مرتفع والطالبة آلاء حيدر سلمان الأولى في فرع الآدب والإنسانيات، كل هؤلاء الطلاب تمسكوا بالأمل ونالوا تلك المراتب بفضل جهدهم الدائم، وأمام فرحة الطلاب الأوائل، فرحة الطالب أحمد قاسم حيدر الذي توفيت والدته في اليوم الأول من الإمتحانات الرسمية وكانت وصيتها ألا يتغيب عن الامتحان الرسمي مهما كانت الظروف، حقق وصيتها ونجح وتحدى جميع الظروف وذهب لإمتحاناته كي يبني مستقبلا واعدا وجميلا يضج بالأعمال والتفوق وكي يجعل والدته تفتخر به من بعيد وتدعو له دوما بالتوفيق!

جيل التحديات طلاب لبنان 2023 هم أبطال حقاً

“جيل التحديات” حقق نجاحا باهرا، دفعة خاضت للمرة الأولى شهادة رسمية واجتازتها بنجاح بعد كل التوتر التي عاشته وكل أزمة نفسية مرت بها، دفعة يمكننا تسميتها دفعة الأبطال، هؤلاء هم ابطالنا أبطال ٢٠٢٣، هؤلاء ليسوا طلاباً بل أبطالا، عيونهم التي لن تتوقف عن البكاء خوفا من مصيرهم تحولت إلى عيون تبكي فخرا وامتنانا، تشجعهم للدراسة الذي لن يتوقف يوما كانت نتيجته النجاح والإبداع، مسيرة الخمسة عشر عاما انتهت بارتدائهم لثوب التخرج، المحاولات الدائمة لهزمهم واستسلامهم انتهت بنجاحهم وتغلبهم على كل كارثة حاولت تحطيهم، استمدوا النور من مدارسهم ولمعت أسماءهم على قائمة الناجحين و والمتفوقين والمتميزين، هؤلاء هم دفعة الأبطال، ترفع لهم القبعة وشباب سيبقى الأمل معلق عليهم، هم من سيبنوا المجتمع و سيعيدوا للبنان الحياة، سيعيدوا لبنان الأمل ، لبنان الآمان، لبنان الفرح، لبنان المهرجات والحفلات، بفضل شهاداتهم وذكائهم وثقافتهم اللامحدودة! يوم نجاحهم رددوا تلك الجمل “لم يكن الأمر سهل لكنني فعلتها” نعم، فعلها طلابنا في لبنان وتغلبوا على كل الظروف، بقنديل الحروف أضاؤوا عمراً ومستقبلا مليئاً بالنجاحات، روضتهم اليابسة بسبب اتعابهم وضغوطاتهم زهرت يوم نتائجهم ونجاحهم.

صحيح أن لبنان يمرض لكنه لن يموت، يعالجه جيل التحديات بذكائه وصبره وإبداعه، صحيح أن لبنان يحزن لكن وحده جيل التحديات من يعيد له ابتسامته، أبطال ٢٠٢٣ كلنا بانتظارهم فهم الأمل و المستقبل و الأيام الجميلة المنتظرة!

بقلم: مارفن عجور

 

أضف تعليقك هنا