نايا حنا.. ضحية الإهمال والسلاح المتفلت

بقلم: مارفن عجور

لِم يلجأ البعض إلى التعبير عن الفرح بإطلاق الرصاص؟

استهل شهر آب في لبنان بصدور نتائج الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة وأن نقول نتائج نعني بذلك فرح وابتهاج للناجح وحزن وتوتر للراسب، صدرت النتائج عند الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الأول من آب، دخل الطلاب عبر الموقع الالكتروني وكللوا امتحاناتهم بالنجاح، هناك من عبّر بالفرح واكتفى بالتهاني وهناك من لا يستطع التعبير إلا بحمل السلاح وإطلاق الرصاص، نعم فالكثيرون عبروا بهذا الفعل المتهور والمتخلف ونسوا راحة الآخرين في وقت ارتياحهم وأفراحهم لكن ما فائدة نجاحهم إذا كانوا هم فقط مثقفون بكتابة المعلومات و الحياة المدرسية دون ان يكونوا مثقفين في الحياة العامة؟ أهذا يعد نجاح؟ فالشخص الناجح لا يستعمل الآذى بل يكون وعيه أكبر من كل هذه الأشياء! ألا يدري هؤلاء الجاهلون بأن هناك أطفالا من الممكن أن تصاب برصاصهم الطائش؟ ألا يدري هؤلاء بأن ابتهاجهم هذا يمكن أن يودي بحياة الكثير من الناس؟

بين رصاصات طائشة قُتلت نايا

اسمح لنفسي أن أجيب الى هذه الأسئلة وأقول: لا يدرون لأنهم جاهلون ولأن ثقافتهم محدودة، لا يدرون لأنهم فاشلون ونجاحهم حظ وليس جهد! “حظ” لأن المكافحون وحدهم يدرون ما هو النجاح وما هي المسؤولية في الحياة، أما الفاشلون فيعتبرون أن النجاح رصاص وقتل، فهؤلاء الفاشلون قتلوا نايا ابنة السبع سنوات نايا وحيدة والديها كانت تعيش طفولتها في المدرسة الصيفية، كانت تركض وتلعب وتفرح وتشارك فرحتها مع اصدقائها في المدرسة، نايا التي كانت تقضي صيفا جميلا مع أهلها وأقاربها وبمشاركتها الكثير من النشاطات لم تكن تعلم ما هي الغيبوبة وما هو الرصاص، لم تكن تعلم ما هو القتل ولم تكن تعلم أنها ولدت في بلد لا يستطع شعبه التعبير في الأفراح والأتراح إلا بالرصاص والسلاح، فقط كانت بريئة، كانت بيضاء القلب لا تعلم الا بالمحبة البريئة للأصدقاء والأهل، نايا التي عند صدور نتائج الامتحانات الرسمية كانت في مدرستها الصيفية ترافقها السلامة والفرحة والآمان حتى وان دقت ساعة الجحيم وأطلق الرصاص الطائش في الهواء الطلق من قبل احد الجاهلين الملقبين انفسهم بالناجحين، و اصاب الرصاص “نايا”، ولم تكن هذه الرصاصة بسيطة بل كانت كبيرة و في الاماكن الحساسة ، لم تكن حادثة بنهاية مفرحة بل كانت حادثة بنهاية مأساوية، دخلت نايا في غيبوبة و نقلت الى المستشفى و في المستشفى بينما نايا تعاني وتنزف دماء المتخلفين والفاسدين و بينما الممرضين يحاولون اسعافها بأي طريقة ممكنة كان هناك اناس يدعون لها دعوات الشفاء والتعافي لتعود إلى حضن والديها سالمة، قصة نايا دقت ابواب منازل اللبنانيين كلها، قصة نايا جرحت قلوب الكثيرين وأكدت لهم من جديد أنه لو مهما مرت الايام ولو مهما وقع لبنان بكوارث، فشعبه لا يتغير، يمارس العادات نفسها، ويعبر في الطريقة ذاتها، شعبه لا يتعلم، “عنيد” و عناده أوقع ضحايا وجرحى وأبكى قلوب وأنهى حياة من لا يستحق.

ألا توجد محاسبة لحملة السلاح؟!

نايا التي كانت تعاني من الوجع الشديد بسبب رصاص يد المبتهجين الفاسدين و دخلت في غيبوبة لثلاثة اسابيع توفاها الله ليل السادس والعشرين من شهر آب، نايا حنا صاحبة الضحكة البريئة والقلب المملوء بأحلام وأمانٍ دفنت ضحكتها وأحلامها الأيادي الملطخة بالدماء، نايا حنا لم تكن أولى ضحايا السلاح المتفلت بل سبقها آخرون أكانوا ضحايا أم جرحى ففي بلادي لا يعدل القانون ولا تتغير العادات: القانون واحد: محاسبة البريء وإفلات المجرم والعادات واحدة : في الثورات نحمل سلاحا وفي المناسبات نحمل سلاحا وفي المصائب نحمل سلاحا..

“نحمل سلاحا” ونحن ندري أن السلاح ليس محط أمان بل محط قلق، لكن نحمله لأنها “عادات” نحمله لأن دولتنا المهملة اكسبتنا معلومة من تصرفاتها في أكبر الكوارث المحيطة بالبلد بأن لو مهما استعمل الإجرام فهي لا تسعى لكشف المجرم ولا لتحقيق العدالة، بل تعاقب فقط المظلوم وتستعمله لتخبىء الظالم.

نايا ضحية إهمال قانوني 

نايا حرمها الأراعنة من أن تكبر وتنضج وتحقق أحلامها وأن تنبت زهرة شبابها بالقرب من أهلها وهي تسعى من أجل العلم و الثقافة والعمل، نايا حرمتها المسؤولية والمراقبة المفقودة في لبنان من أن تجتهد وتكتسب المعرفة وتحمل سلاح العلم في الحياة وأن تصل إلى ختام مسيرتها الدراسية وهي تحقق نجاحها في الامتحانات الرسمية الذي حققه قاتليها.

فهؤلاء الاراعنة لن يفكروا بأن ما يحق لهم يحق لغيرهم، وأن الفرحة للجميع، نعم، الغبي يفكر بالفعل ولا يضمن نتائجه مهما كانت هذه النتائج ستكلف خسارات، نايا توفيت ودفنت ودفن معها أمل كان يعم في أرجاء المنزل وسط الأزمة المستجدة، فالأطفال نعمة وأمل للاستمرار، الأطفال روح معلقة بقلوب أهلهم، الاطفال ضمان الاستمرار للأهل ألا يفقدوا الامل بل يكافحوا لكي يبنوا حياتا كريمة لاولادهم، الآن أهل نايا حرموا منها و حرم من امل و نعمة كبيرة في حياتهم ، فمن يعوّض هذه النعمة؟ نعمة “نايا” نايا الذي كان وجهها ينبض جمال وأناقة ونعومة وقلبها الذي كان ينبض براءة وحب وأمل، اتت الكارثة فتوقف نبضها وغاب الجمال ليحل الدماء، غاب الأمل ليحل الألم، وبقي من نايا الآن اثارا تركته وراءها، آثاراً جميلا ومقدسا في السنوات التي عاشتها، رحلت نايا و بقي منها صورا معلقة في كل زاوية من المنزل، رحلت نايا وكالعادة لا عدالة ولا حقيقة ولا محاسبة.

لا أمان في بلد قانونه مُغيّب

ففي بلادي يقتل المرء أو يهان، يقتل بدم بارد ، يقتل بفساد المسؤولين الذي لا يعرف نهاية، “مسؤولين” لقب لمن لا يستحقه و عليه أن يبدل بلقب السارق واللص كما بدل هؤلاء “المسؤولين” كل ما هو جميل بالقبيح، في بلادي أعلم أن الأمان أصبح أهم المتطلبات وأن نسأل عنه فلا نجده، في بلادي ندق الطبول ونرفع صور الشهداء كل يوم في الأعالي ونبكي حزنا وأسفا ونودع أبطالا فقط بسبب التفلت، التفلت من أي نوع كان، في بلادي أمهات تبكي، تبكي وتشم رائحة أولادها الشهداء على ملابسهم بدلا من ان تقبلهم كل يوم، في بلادي تحرم الحقوق فقط بسبب اناس سلمت لهم السلطة فعدولها و اصبحت مزبلة، في بلادي ترمى الورود على التوابيت السوداء ، ورود الوداع لأناس ذهبوا قبل وقتهم، فقط لأن “دولتي فعلت هذا” في بلادي لا حقيقة، ولا عدالة، ولا امان و لا امن في بلادي فقط خوف وقلق وذعر، في بلادي فقط نعيش يومنا ويحسدوننا على ضحكتنا فنجيبهم “نحن نضحك اليوم لأن لا نعرف ماذا سيأتي الغد “في بلادي هربت العافية وحل الخراب، في بلادي كل لحظة متوقعة أن نستشهد بها فقط لأن “الدولة أرادت”.

من المسؤول عن قتل طفولتنا وشبابنا؟ 

ايا مسؤولون ايا فسدون ايا سارقون.. أنتم لا تدرون ماذا فعلتم أنتم حولتم لبنان الجنة إلى لبنان جهنم، أنتم حولتم الضحكة إلى غصة، أنتم حولتم البراءة إلى قتل، أنتم من ألغيتم من تاريخ وطننا الطبيعة المميزة والأماكن الساحرة وحولتوها إلى أماكن حيث يوجد الخراب، أنتم من حولتم الطبيعة المميزة إلى طبيعة فاسدة بسبب سلاحكم الذي أصاب المنازل وأصاب قلوب البراءة، أنتم لا تدرون يا هؤلاء الجاهلون أن نايا وحيدة و أن نايا قلبها لا يحتمل الوجع، أنتم لا تعلمون أن نايا لا تستطع التحمل، أنتم تعلمون فقط الأذية واللي بدو يصير يصير، أنتم لا تعلمون بأن نايا رحلت وفي قلبها مشهد الجرح والدماء والانفجارات مطبوع! أنتم من تحاولون دوما بتهديم صورة الوطن ولكن نقول لكم “فشرتوا ” فإذا كنتم أنتم من أخفيتم من لبنان مظاهر الطبيعة والجمال والأمان نعدكم نحن شباب المستقبل أننا سنعيد للبنان تاريخه وثقافته وأمنه وأمانه “والحق عليكن قبل ما يكون الحق ع غيركن” لأن بسببكم و بسبب إهمالكم يقتل المرء لأن المحاسبة عندكم صعبة للغاية.

وداعاً إلى تلك الضحكة البريئة.. وداعاً نايا

وفي الختام، نقول وداعا نايا، وداعا نايا حنا الراقدة إلى رجاء القيامة، وداعا نايا حنا يا صاحبة القلب الذي ينعم بالبراءة والحب البريء والذي لا يعرف كرها وداعا نايا حنا الراقدة إلى أحضان الرب، وداعا يا وحيدة والديك، وداعا يا ضحية الإهمال والفساد و التفلت والجهل، وداعا يا حسرة القلب ويا جرح لن يطيب إلى الأبد، وداعا يا وردة ذبلت عينتيك الساحرتين يوم قررت ساعة الجحيم أن تدق بابك، وداعا نايا حنا الشاهدة على انفجار المرفأ وعلى وباء كورونا وعلى أزمات البلد التي لا تعرف نهاية، وداعا نايا حنا التي حرمتك الأزمات من أن تعيشي طفولتك وتبني ذكريات، وداعا نايا حنا التي حرمك الرصاص الطائش من أهلك وأصدقائك و أقاربك، وداعا نايا حنا التي أبكيت الوطن برحيلك.

عزاؤنا بجيل يعيد إحياء لبنان

ونتمنى في رحيلك أن تكوني درسا لمن لا يتعلم أن أرواح البشر ليست لعبة، نتمنى في رحيلك أن تكونين درسا للمسؤولين بأن المحاسبة واجبا، زادت التمنيات وتمنيت يوما لو كان لها منفعة، لكنني سأبقى أتمنى إلى أن نودع اللصوص ولا نزرف دمعة في وداعهم وأن نستقبل جيلا مكافحا بكل ما لها الكلمة من معنى يحل مكان هؤلاء المسؤولين اللصوص ويعيد إحياء لبنان فقط لبنان بلا مقدمات ولا كلمات لأن لا أحد لا يعلم من هو لبنان، ولأنهم يعلمون فعلوا هذا، فالاشياء الجميلة دائما يحاول الفاسد تغبيرها و الأشياء القوية دائما يحاول الفاسد هزمها، نايا حنا اركضي بسلام وادعي دوما لوطنك التي وقعت شهيدته بأن يعود كي لا يولد من قصتك ألف قصة.

بقلم: مارفن عجور

 

أضف تعليقك هنا