فيلم هردبشت: اسم على مسمّى!

لا يتوقّع من يتابع روائع الأعمال السينمائيّة العالميّة، أن يشاهد فيلمًا لبنانيًّا، ولا سيّما في الحقبة الحاليّة، ثمّ يخرج راضيًا… قد يطمع برصد تطوّر ملحوظ يبنى عليه، ويجد وقتًا يصرفه على فنّ له رصيد ما في الأرشيف السينمائيّ اللبنانيّ، في أعمال محدودة معدودة، قبل الحرب وبعدها… غير أنّ البروباغاندا الإعلانيّة التي رافقت عرض الفيلم اللبنانيّ الأوّل للمخرج محمّد دايخ، والإشادات من كبار الممثّلين وبعض المشاهير تحفّز فضول المتابع الناقد… فماذا في هذا الفيلم؟

شخصيات فيلم هردبشت

كلمة هردبشت، عنوان الفيلم، تعني بالاصطلاح اللبناني، من ضمن ما تعني، الرداءة، والابتذال، والفيلم يتناول حياة بعض الشخصيّات الّتي تعيش في عشوائيّات مدينة بيروت، ويمكننا حصر الشخصيّات الرئيسة مع رأينا في أدائها في أربع شخصيّات:

  • حسين (حسين قاووق): شابّ مدمن على تدخين سيجارة الكيف (حشيشة)، يتاجر بالمخدّرات، سريع الانفعال، لا يبدو له هدف أو مسعى يعيش لأجله (دافع محرّك). يمثّل رأس العائلة بعد وفاة الأب. أداؤه مقنع إلى حدّ ما مع مبالغات كان بغنى عنها ولا سيّما في غضبه المتكرّر غير المبرّر دراميًّا.
  • أبو الفضل (حسين دايخ): أخو حسين، مدمن وتاجر مخدّرات مثله، يتّسم بشيء من الحكمة المكبوتة، وعلى غرار أخيه لا يبدو له هدف واضح، سوى محاولته الدّفاع عن أخيه وأسرته. أداؤه جيّد وقريب من العفويّة، وقد تميّز في مشهد واحد على الشاطئ أخرج فيه مكبوته العاطفيّ معلنًا أمام أخيه حسين أنّ أحدًا لا يستمع إليه، مع أنّ هذه النتيجة لم يجر التأسيس لها بصورة مقنعة خلال مجريات القصّة.
  • حمّودي (محمّد عبدو): الأخ الثالث الأصغر لكلّ من حسين وأبو الفضل، لديه نزعة للتديّن السّاذج، ويسعى ليكون صالحًا، على الرغم من أنّه يجاري أخويه خوفًا أو تضامنًا، أداؤه باهت، على الرغم من أنّ دوره محوريّ في تنامي الأحداث.
  • أم حسين (رندة كعدي): الأمّ الساذجة والقويّة في آن، والّتي لا يبدو أنّ لها تأثيرًا في حياة أبنائها، سوى تأنيبها وصفعها المجّانيّ القاسي لرأس ابنها أبي الفضل (في محاولة كوميديّة متكرّرة وفاشلة). كان أداؤها مخجلًا، فلا هي عرفت الحديث بلهجة البيئة الّتي تمثّلها، ولا كان تعبيرها في الظروف المختلفة مقنعًا، ولا سيّما عند تحوّلها فجأة إلى مجرمة قاتلة تطلق النّار على شيخ احتجزه أبناؤها في المنزل!

دور كل فنان في الفيلم

ويؤدّي الفنّان غبريال يمّين دور تاجر المخدّرات والخردة، الانتهازيّ، في أداء جاء دون المنتظر منه، وقد أريد له أن يكون رافعة للفيلم، غير أنّ هزال النصّ، كما سيأتي، لا يمنح مجالًا لممثّل قدير ليعطي ما عنده. تليه شخصيّة زكيّة (ألكسندرا قهوجي) جارة العائلة -العصابة- والّتي تعيش مع زوجها علي (حسين حجازي)، وتظهر دائمًا بلباس مثير، وتخضع لإغراء حسين فتخون زوجها، وهناك شخصيّة طانيوس (فؤاد يمّين) صاحب محلّ تصليح الدرّاجات الناريّة، والّذي يحاول أن يكون ظريفًا حتّى في قسوته على العامل لديه، مع ابتذال واضح وتمثيل ضعيف.

وهناك شخصيّة سعاد (ماريا ناكوزي) الفتاة الغنيّة المحجّبة الّتي تعجب بحمّودي وتتحوّل فجأة إلى حبيبته ثمّ تكشف له -مجّانًا- عن وظيفتها مجنّدة في الموساد! لا داعي للحديث عن أدائها فهو بعيد كلّ البعد عن الإقناع. تبقى شخصيّة الشرطيّ رواد (جوزف زيتوني)، الّذي أقحم في القصّة لغرض تطوير الحبكة، فهو من يعترض يوقع حمّودي عن درّاجته فيصاب برأسه، ويؤدّي ذلك إلى أن يرتكب الشرطيّ جريمة قتل زميله لإخفاء خطئه! أداؤه هزيل ولا سيّما في محاولة تمثيل حال التوتّر.

هذا في ما خصّ الشخصيّات وأدائها، ومن خلال ما تقدّم يظهر هزال النصّ، الّذي أريد له أن ينقل واقع الأحياء المهمّشة في المدينة، مع ما يعتري قاطنيه من مشاكل وبطالة وإدمان وفساد… غير أنّ المعالجة جاءت سطحيّة إلى درجة مستفزّة، وليت التبسيط كان مشكلة الفيلم الوحيدة، فقد كانت المبالغات المجّانيّة، والقتل والعنف بلا دوافع مقنعة، لتحيل الفيلم من واقعيّ إلى خليط من الفوضى التعبيريّة والمشاهد المفكّكة الّتي لا تقول شيئًا غير ما يعرفه الجميع عن العشوائيّات وسكّانها في كلّ مكان، ومع ذلك يصرّ كاتب النصّ -وبصورة غريبة- وهو نفسه المخرج، على تعيين البيئة وتسميتها ليمنح العمل خصوصيّة مجّانيّة لم يكن من داع لها على الإطلاق.

هل مثلّ فيلم هردبشت الواقع اللبناني؟

من المعروف عن الواقعيّة أنّها تنقل الواقع بصورته المؤلمة، غير أنّها لا تعني بالضرورة، ولا سيّما في عمل فنيّ، نقل الشارع إلى السينما! وحتّى هذه فشل الفيلم في التعبير عنها، فليس ما نقله الفيلم هو الشارع على حقيقته، ليعدّ عملًا قريبًا من الوثائقيّ، ولا هو أعاد تشكيل الواقع في رؤية نقديّة تقدّم رأيًا أو أطروحة للأفضل، فجاء أشبه بسيناريو لا يصلح للترفيه، ويؤذي العين في مشاهده العنيفة والجنسيّة المبتذلة الّتي ليس لها ضرورة في السياق.

نقد الفيلم

ليس من داع لسرد القصّة، فلا يمكن عدّ المجريات قصّة بالمعنى الفنيّ، مجرّد شباب طائش، في مناطق ليس للدولة فيها نفوذ، تتخلّلها وقائع يمكن حذفها من دون أن يؤثّر شيئًا في الحبكة الركيكة، فضلًا عن المفاجآت الغريبة (لماذا احتفظ تاجر الخردة بجثّة علي؟) والعلاقات المسقطة (ما الرابط بين الشرطيّ وصاحب محلّ تصليح الدرّاجات؟) ، والمشاهد المقحمة (مظاهرة من بضعة شبّان يشعلون النار ويقطعون طريقًا، وضع صورة رئيس الجمهوريّة على الجدار حيث تلطّخ بدماء الشرطيّ المقتول!)، وغيرها من الأمور الّتي لا تقول شيئًا، أو تقول تافهًا من الرأي، أو سيقت لدعم الحبكة الركيكة، ولم تكن مقنعة، والّتي تدفعك للتبسّم من غياب الاحترافيّة.

في عمل مخصّص للشاشة الكبيرة! في حين كان يمكن للإنتاج أن يقتصر على استهداف منصّة على الشبكة العنكبوتيّة، فللسينما مكانتها في عالم الفنّ، واقتحامها مع الأسف صار سهلًا في زمن الرّخص، وغياب الذوق، وحيث لم يعد للفنّ حرمته، كما يقول آلان دونو. وإذا كان مفهومًا من أصحاب الفيلم وممثّليه أن يشيدوا به، فما هو غير مفهوم من بعض الممثّلين، وبعض الصحافيّين، أن يركبوا موجة الإشادة، ما يؤكّد على ضرورة قراءة كتاب آلان دونو من جديد، وبإمعان: إنّه نظام التفاهة.

  • فيلم: هردبشت، 2023، يعرض في الصالات اللبنانيّة.

فيديو مقال فيلم هردبشت: اسم على مسمّى!

 

https://youtu.be/6BRHq6kpzVg

أضف تعليقك هنا