مع علوان على درب ابن عربي

بقلم: زيد المنديلي

محي الدين بن عربي

الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر قطب المتصوفة الأعظم (محي الدين بن عربي)هو محمد بن علي بن محمد بن عربي، ولد لأسرة طائفية استوطنت الأندلس، ومات في دمشق، وعاش حياة من الترحال بينهما، اختلف فيه الناس إختلافاً عظيماً، قل أن تجد له مثلاً.

قال عنه ابن تيمية: ابن عربي صاحب (فصوص الحكم) وهي مع كونها كفراً فهو أقربهم إلى الإسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيراً.

وقال الفيروز آبادي صاحب القاموس، حيث سئل عن الشيخ ابن عربي فقال: «اللهم نطقنا بما فيه رضاك الذي أعتقده وأدين الله به إنه كان شيخ الطريقة حالاً وعلمًا وإمام الحقيقة حقيقةً ورسماً ومحيي رسوم المعارف فعلاً واسماً إذا تغلغل فكر المرء في طرف من علمه غرقت فيه خواطره عباب لا تكدر الدلاء وسحاب تتقاصى عنه الأنواء كانت دعوته تخرق السبع الطباق وتفرق بركاته فتملأ الآفاق وإني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته وناطق بما كتبته وغالب ظني أني ما أنصفته» 

وكما هو ظاهر من القولين، فقد شد فيه الخلاف حد الغلو بين من يرفعه إلى مصاف آكابر العارفين وبين من يجعل كلامه مُخرج من الملة هادم للدين، وتوسطت طائفة فرأت السكوت عنه هو الصواب الذي لا يُحملُ الإنسان  فيه مالا يحتمِل.

وبعد

فإن سيرته قد ضاعت بين ركام أفكاره التي فاقته شهرةً و إنتشارًا، تلك السنين التي تبلور فيها فكرة، اللحظات التي جعلته يعرف بما عُرِف عنه ، تلك الأيام التي رحل فيها ، والبلاد التي دخلها، و الليالي التي سامر فيها، أو تلك التي إختلى فيها في رؤوس الجبال أو في بُطُون الكهوف والأودية والشعاب، ولمعرفة ذلك أهمية قصوى، لأن السيرة الشخصية هي الآداة للكشف عن إجابة السؤال القائل: لماذا هو هكذا؟!

ومن خلالها (أي السيرة الشخصية) يمكن التعرف على الحقبة الزمنية التي وجد فيها الشخص والأفكار والصراعات التي كانت تُحرِك المجتمع حينها.

شخصية ابن عربي

وشخصية كشخصية ابن عربي تحمل كل هذا التأثير والإنتشار، لابد أن في معرفة الوضع المحيط بها فائدة في التعرف على تلك الحقبة (القرن السادس الهجري) التي ما زال تأثيرها ممتدًا إلى يومنا، و سيمتد إلى ماشاء الله.

في روايته (موتٌ صغير) الفائزة بجائرة البوكر للرواية العربية عام ٢٠١٧مـ قدم  الروائي السعودي محمد حسن علوان تجربة إبداعية -يمكن أن توصف بالمتكاملة-سطر لنا فيها قصة حياة ابن عربي من منظور روائي تخيلي حيث وصف فيها حياة الشيخ الأكبر  الشخصية، جاعلًا من سيرته المتخيلة في أغلبها الأعم طريقًا لوصف الطبيعة البشرية لابن عربي بصفته المجردة من اي توابع اخرى سواء كان القارئ من الذين يعتقد فيه الولاية، أو ممن يراه زنديقًا خارجًا عن المله، محاولًا  أن ينقل لنا صورة عن الإنسان المختلف معنا ربما، أو ذاك الذي نعتقد فيه قدسية ما وذلك من خلال إيضاح حقيقة أنه لا يعدوا في النهاية سوا وأحدًا من هذا الجنس البشري بكل مميزاته وعيوبه.

يفرح ويحزن يحب ويكره وكما أن له مميزات فإنه كذلك لا يخلوا من النقص الذي كتبه الله على كل البشر، وقد سعى (علوان) إلى ذلك من خلال ثنايا نصه الذي اتخذ مسارين متوازيين متداخلين في آن وأحد، إذ جعل القصة برمتها قد وجدت في مخطوط كتبه ابن عربي يُبين فيه سيرة حياته ليقوم علوان بسرد قصته على لسان بطل الحكاية، أما المسار الثاني فقد كان عبارة عن رحلة للمخطوط المشار إليه تبداء من كتابة الشيخ له حتى وصوله إلى بيروت محمولًا مع لاجئ سوري عام  ٢٠١٢مـ.

هل يحق للروائي أن يتخيل سيرة شخصية لشخصٍ ما ؟

لكن قبل أن أشجعك على خوض هذه التجربة، أودّ أن أجيبك على سؤال ربما طرق بالك وأنت تقرأ السطور السابقة، وهو السؤال القائل: هل يحق للروائي أن يتخيل سيرة شخصية لشخصٍ ما؟

حسناً لا يمكن الجزم على سؤال كهذا بإجابة محددة، لكن يمكن القول أنه يجب أن لا يكون في النص تجني من الروائي على  الشخصية، بإيراد حدث مفصلي ومؤثرٍ وهو لم يوجد حقيقة ً، أما عدا ذلك فهي ملك لمخيلة الكاتب، كما وأن الرواية كعمل تخيلي  لا يمكن أن يكون سيرة شخصية، بل هو عمل تخيلي يقاس نجاحه من عدمه في مدى تمكنه من النجاح في عاملين أصيلين، هما المقياس الذي تنطوي و تتلاشى بقية العوامل فيه.

العامل الأول

الدهشة وقد نجح فيه علوان بشكل كبير، ولا يمكن وصف الشعور بها، بل يجب معايشة النص ليتم لك ذلك، والدهشة عندي، هي المقياس لكون العمل الإبداعي يمكن أن يوصف بالإبداع من عدمه.

أما العامل الثاني

فيكمن في قدرة الروائي على جعل القارئ يعيد البحث في أمر ضَل لزمنٍ يعتقد أنه من المسلمات، وقد حدث معي ذلك مع هذه الرواية.

أخيراً

فقد تميزت رواية (موت صغير) بلغة شاعرية جذابة ستجعل من إلتهامك لصفحاتها البالغة ٦٠٠ صفحة أمر سلس وممتع للغاية.

بقلم: زيد المنديلي

أضف تعليقك هنا