قصة قصيرة بعنوان “فرصة العمر” – #قصة

بقلم: عبد اللطيف أيت حسو

لما ضاقت به الدنيا أسرج فرسه في عتمة الليل واتجه صوب القرية المجاورة، حيث قضى طفولته بين أشجار الزيتون، غادر وفي قلبه غصّة، مات بداخله كل شيء إلا صورة أمه التي خطفها الموت بين ذراعيه وهو يصارع ويبكي بشدة، لم يتقبل الوضع، تحاول الأم تخفيف ألمه وتخاطبه بصوت خافت متقطع: “حليم دعني أخبرك أمرا ..؟ لم تنهي كلامها والشاب المسكين يمسكها بقوة أرجوك أمي قولي “أنتِ ماذا؟” فجأة لفظت آخر أنفاسها دون إتمام حديثها، بينما هو على فرسه.

فراق الأم

تذكر كل ما حدث، لم يأبه للطريق، كبا به فرسه فارتطم رأسه بصخرة فأغْمي عليه، استيقظ فوجد نفسه بين أيدي شيخ بجنب البحيرة، لم يسأل الشيخ عن الفرس ولا عن الشيخ من يكون، أخد يردد: “أمي أمي أمي” ثلاثا، نظر إليه الشيخ بعين دامعة مطرقا ولم ينبس ببنت شفة إلى أن أردف الشاب قائلا: “أين أمي” وبدأ يصرخ ثانية، نسي ألم الصخرة، لكن لم ينس النُدوب التي أحدثتها الجملة المبتورة في قلبه، أجهش بالبكاء لم يستطع إتمام قصته.

أمي سامحيني

رافقه الشيخ إلى خيمته وأكرمه واتخذه ولدا، صار فردا بينهم، ألِف المكان رغما عنه، بعدما تقطعت به السبل، علَّمه الصيد وتجارب الحياة وكذلك فنون القتال، وقد حدث ذات يوم أن أفلت السيف من يده وأصابه بخدش في ظهره، نزع قميصه فرمقت عين العجوز وشما على كتفه الأيمن، فلم تدع مجالا للشك في كونه ابنها المفقود الذي تخلصت منه  قبل أن تتزوج بالشيخ الذي اتخذها جارية قبل وفاة زوجته الأولى.

لكن أخفت سرها خوفا منه، في كل مرة تنادي حليم “بني ”  وقف الشاب ينظر إليها متعجبا، ويقول في قرارة نفسه “وددت لو سمعتها من أمي”، أخذ يعاملها كأمه كلما خرج الشيخ من الخيمة وسنحت لها الفرصة تتجاذب معه أطراف الحديث حول أمه، كيف كانت تعامله؟ وعن أحوال القرية التي كان فيها؛ لتقطع الشك باليقين، نادرا ما يجيب على أسئلتها بحسرة وندم شديدين يصاحبها دائما أمل اللقاء بأمه يوما لتصفح عنه.

تطأطأت العجوز رأسها من شدة الذنب الذي اقترفته، في الحقيقة حليم ليس ابنها لكن فقط خيل لها ذلك، الشيخ كان وراء الخيمة يسترق السمع، سمع كل ما دار بينهما لم يستطع دخول الخيمة بعد ذلك، غادر هو الآخر دون وجهة ولما تأخر كثيرا، خرج حليم يبحث عنه حتى وجده بجانب بحيرة يحتضر، فوجّه بصره إليه بعين دامعة: “سامحني يا حليم أنا لست شيخا، كنت متمردا طاغية، أنا قاتل أبيك وخفرائي هم الذين شردوا أهاليكم، رَفَعَ أكف الضراعة إلى الله “رب إني ظلمت هذا الشاب أرجوك سامحني” لم يتمالك الشيخ نفسه من شدة حقارة فعله أستل خنجره من الغمد وغرزه في صدره.

ألم الفراق

لحْظتها وقف الشاب في حالة سيزيفية يناجي ربه:” يا رب إني أرجو لقاء أمي لأخبرها أني ندمت كثيرا على ما فعلت تجاهها، لم أُفرِد لها ولو لحظة لتعرف أني أحبها كثيرا، ألهاني عنها السفر ومرافقة القوافل، سلبني المالُ عطفها ورضاها، ثم خرَّ ساجدا يبكي بعدما فقد الأمل في كل شيء حتى في نفسه، صعد صخرة فأخد يصرخ: أمي ابنك يطلب رضاك كل الذين أحببتهم رحلوا، تركوني وحيدا أحمل همًّا ينخر جسدي يوما بعد يوم، فجأة سمع صوتا مألوفا” بني، حليم، ما بك؟ نهض من فراشه من شدة الفرح مسرعا إليها كالسهم يقبل رأسها والدموع تجري من مقلتيه، لم يصدق أنه كان يحلم فقط، ضمها بقوة إلى صدره يطلب صفحها، قاطعا الوعد أن لا يفارقها ثانية، بعدما أخبرته أنها تحبه رغم كل ما حصل، فحمِد الله أن كان حلما وشكره على هذه الفرصة الثمينة.

بقلم: عبد اللطيف أيت حسو

أضف تعليقك هنا