تحت الأنقاض

بقلم: فؤاد حموقائدي

الحياة قد تنتهي بفرص أخرى غير الموت, حين تطئ على الانسان أوقات يكون فيها جل ما يتمناه هو أن يتوقف عن الشعور. انه لمن المؤسف حقا أن ترى الحياة من زاوية أو رقعة ابتلعتها عفاريت الحرب. لقد ابتلعت كل شيء, كل شبر و كل ذاكرة.

دوي المدافع, أزيز الطائرات و صراخ العائلات يختبأ في كل المعاطف الملقاة عبثا في الشوارع, أو في رأسي.. كل أصوات الموت تعلوا صدىً من ذاكرتي، نحن لسنا ضحايا حرب ولّت, بل موتى نحن نزحف بدون أطراف, و ندّعي أننا أحياء.

لحظة الخروج من المشفى 

عقب خروجي من بوابة المستشفى دفعت بالكرسي المتحرك بسرعة, موشحة بوجهي عن كل شيء أيقنت أنني لن أستطيع المشي مرة أخرى بعد أن أخبرني الطبيب أن أعصاب قدمي اليسرى متلفة, و تلك الأقدام الاصطناعية التي ظلوا يعدونني بها لن تستطيع العمل في حالتي.

استمرت يداي في دفع عجلتي الكرسي حتى أحسست أنني مدفع سيحلق في الأفق, رفعت عيناي المثخنة بالدموع و أنا أشاهد صراخ السماء. رمقت طائر الأمل الأخير و هو يمضي محلقا حيث منفى الأحلام الذي يلون الفضاء ككدمة، لوهلة انعكس تأثير الجادبية نوعا ما, ارتطم وجهي بسطح الأرض حتى أصبح كل شيء يبدو مائجاً ومضَبَّباً، أهاذا مشهد وداع أم ماذا؟

هل أنا الزهرة الشاحبة التي نسيت تحت الخراب؟

وجها لوجه مع الأرض, بات كل شيء صاخبا حينها، خطوات المارة و ضجيج الحرب في همس الغرباء. كان مشهدا من مقطوعة ملحمية, أو على الأغلب أشبه بذلك. التقطت عيناي زهرة شاحبة المظهر تنموا بين الأنقاض, أردت لو أخبرها أن نعانق بعضنا فهذه البلاد تنهار. أردت أن أقطف الزهرة و أغرسها في حضني لكنني أدركت أنها ليست الوحيدة من نسيّت تحت الخراب.
لعلي أنا الزهرة شاحبة الجثمان.. لعلها روحي و أنا غدوت ميتة منذ الانفجار..

هل سأعيش بين أكداس الجثث وصوت الموت؟

أستنشق أريج قنبلة مسيلة للدموع, مستلقية على ركام من ثياب الشهداء. أعيش وسط مشاهد متكررة للموت و هذه الأنقاض البائسة لا تتوقف عن معانقتي كأحجام الأبدية, لا يكفيها أن أعطيتها أقدامي كهذية, لا يكفيها أن أخدت عائلتي دون وداع, لا يكفيها أن سرقت كل الابتسامات خلسة و دسستها في ذهاليز الماضي.

هل سأظل هنا؟ بين أكداس الجثت و صوت الموت يصدح في الضباب, بين رائحة الدم مع قليل من البارود, و الأناشيد الجنائزية التي لا تبرح مسامعي ممتدة على أذناي كالندم المعفن.

كل هذا التكرار؟ كل هذا التكرار؟

بقلم: فؤاد حموقائدي

 

أضف تعليقك هنا