حكاياتنا الشعبية كنوز حقيقية

تراثنا المروي من أغان وزغاريد وأمثال وحكايا شعبية جزء من شخصيتنا الوطنية، ونفحة من عبق الماضي وعنفوانه تلامس أسماعنا لتنبت فيها الحكمة والمحبة وتجمّعنا حول مدفأة الشتاء لتخطف أذهاننا إلى دنيا بعيدة من البطولة والحرية والتضحية لتعزز قيمنا وانتماءنا وتدفعنا للصمود على هذه الأرض ومقارعة جبروت الطغاة والمعتدين.

ماذا تمثل الحكايات الشعبية لدى الشعوب؟

هي مصدر فخر لمن حفظها ورواها باعتباره امتداداً لسيرة السلف ومستودع حكمتهم، وعاطفته امتداد لبطولاتهم وجزء من حكايتهم، وكلامه وفاءً لأجداده وحفظ لصولاتهم وجولاتهم في مقارعة الحياة، لو تفحصنا الحكايات الشعبية لوجدناها مأخوذة من القصص الواقعية أو روايات وردت في كتب عربية وأجنبية كبرى.

كيف تبلورت الروايات حتى أصبحت إرثًا شعبيًا؟

ذلك مثل مسرحيات شكسبير مثلاً كقصة سمعتها تحكي أن مسلماً طلب من مرابٍ يهوديّ مبلغاً من المال ديناً فاشترط اليهودي صكاً من الرجل يدفع بموجبه كيلو من لحمه إن لم يُرجع المال في موعده، وبالرغم من حرص الرجل على رد المال إلا أنه تأخر، فجاء اليهودي بالصكِّ إلى قاضي المدينة العادل فاحتار في حل هذه القضية، فكيف له أن يعطي اليهودي لحم المسلم ولكن الصك يجبره على ذلك

وفي أوج حيرته تأتي ابنته الجميلة لتقول لوالدها بأنها هي من سينقذ الشاب وليحكم لليهودي بما أراده، وتعقد المحكمة ويسلّم الحضور بموت الشاب المسلم على يد اليهودي الجشع، وترتعب القلوب حين يمسك اليهودي الخنجر لتصيح ابنة القاضي بأنه يُسمح له بأخذ اللحم لكن يحرم عليه أن يُنزل من الرجل قطرة دم واحدة وإلا يعدُّ قاتلاً ويُقتل به، فيقف الكل مذهولين ويتراجع اليهودي عن قتل الرجل ويهرب دون مال، فما يكون من الشاب إلى أن يدفع مال اليهودي مهرًا لابنة القاضي ويعيشا معًا في هناء وسرور.

قصة الرجل الفقير:

تبدأ الحكاية استجابة لجملة أو موقف أو حالة فيها بعض الشبه من أحداثها، ليتحول الحديث إلى حكايا متتابعة وحكم متواصلة ونادرًا ما يتخلى صاحب الحكايات عن دوره في الرواية لغيره، بل يحرص على أن تَتَتَابع الحكايات دون أن يمل السامع لأنه يربطها بالواقع حتى أنه يربطها بأجداده القريبين

ويبدأ بعد نهاية القصة مباشرة في استخلاص العبرة والتسويق لها، ثم ينقلنا ببعض الحنكة إلى قصة أخرى قد تحمل في طياتها مواقف جريئة وشيقة تدفع عنا الملل، فإذا وردت نية شاب الرحيل إلى بلد آخر فتحكى عن شابٍ تزوج فقيرًا وضاقت به الحال فترك زوجته إلى عاصمة الخلافة في بغداد

وفي طريقه مر على شيخ قبيلة عربية ميسور وشرح له ضيق الحال وجدب الأرض وحبه للعيال، فرقَّ له وعرض عليه أن يعمل عنده مقابل دينارٍ بالعام، حين كان الدينار دينارًا، فوافق والسعادة تغمر قلبه وبدأ بالعمل في مضارب الشيخ ومراعيه الواسعة، ومرت السنين كأنها شهور والشهور كأنها أيام إلى أن اشتاقت البلاد لأهلها، وثقلت الغربة على أصحابها

فذهب إلى شيخ القبيلة وأخبره بنيته السفر والعودة إلى وطنه وأهله، فأعطاه الشيخ أجرته خمسة عشر دينارًا وأكرمه وعرض عليه أن يزوِّجه ابنته لكنّه اعتذر وخرج من الفجر متخفيًا خشية الغدر ومشى يومين حتى مر بشيخ نائمٍ تحت أشعة الشمس يضع خفيه تحت رأسه فوقف ليسأله عن حاله

ما الحديث الذي دار بين شخصيات الحكاية؟

_ماذا تفعل هنا أيها الشيخ الوقور؟
_أنا أبيع النصيحة والحكمة ضالة المؤمن.
_عن أي حكمة تتحدث يا والدي؛ وبكم تبيعها؟
_أبيع الحكمة بخمس دنانير.
_خمس دنانير!!! إففف سأشتري منك واحدة.
_هات؛ يأخذ المال؛ إن شفت نجم سهيل لا تأمّن للسيل.
_هذه أعرفها … هات غيرها.
_إن أردت غيرها تدفع خمس دنانير أخرى.
_خمس دنانير أخرى!!! أبدا … ويسير مبتعدًا لكن فضوله يدفعه للعودة ويدفع الخمس دنانير فيقول له الشيخ
_أبو عينين زُرق وأسنان فُرق لا تدير له ظهرك.
_لم أفهمها، أعطني غيرها؛ فيرفض الشيخ ويطلب خمساً أخرى فيوافق تحت إلحاح فضوله ويعطيه الخمس الأخيرة،
_فيقول له:
_نام على غيظ ولا تنام على ندامة.

فينطلق الرجل وهو يكظم غيظه ويصل إلى رعاة ينامون في أدنى الواد فيستضيفونه، وحين يُظلم الليل يظهر نجم سهيل فينصحهم بالمبيت على التل العالي لكنهم يرفضون فيقول في نفسه بأنه دفع خمس دنانير لهذه النصيحة ولن يفعل غيرها، فيصعد لأعلى التل وينا ليصحو على الرعيان وقد جرهم السيل وماتوا،

وتركوا وراءهم كثيراً من المال وقليل من الماشية يجمعها ويمضي بها ليصل إلى قرية صغيرة، وينزل على بيت ليس فيه إلا امرأة تستضيفه ولما تظلم الدنيا يأتي أحد عبدها الخصي وهو شاب عينيه زرق وأسنانه فرق فيتذكر حكمة الشيخ فيرفض أن ينام داخل البيت وينام مع الرعاة، ويأتي العبد ليقدم العشاء لرجلنا فيفرش فراشا له ولرعيانه،

ولكنه لا ينام فيه ويضع مكانه الحجارة ويسهر ليراقب، فيأتي أبو عينين زرق واسنان فرق ليغدر بهم ليلا فيقتله، ويرجع لبيت المرأة فيجده قد جمع مالها وقتلها، فيأخذ المال ويشد العزم للوصول لبيته ويقابل زوجته فيصل بعد العِشاء لينظر إلى غرفة نومه من الشباك فإذا برجل ينام بجانبها،

ولكنه يتذكر النصيحة الثالثة فينصب خيمته وينام إلى الفجر، ويذهب إلى الصلاة متأخرا ويصلي ثم يسلم على أقاربه، ليعرفوه على إمامهم ويقولون له بأنه ابنه الذي ولد بعد سفره، ولما جاء ليقبل يديه عرفه فإذا هو من كان ينام بجانب أمه …. وبالنهاية فإن للسفر سبع فوائد، ونصيحة الكبار إن سمعناها عشنا بأمان وافتخار.

كيف نحافظ على إرثنا الشعبي؟

حكاياتنا الشعبية كنز ثمين والمقال إضاءة بسيطة عليها لا يكفي لجمع خصائصها ومميزاتها كجزء مهم من تراثنا المروي، وللأدباء والكتاب دور مهم في توثيق القصص وحفظها بنفس لهجتها وكلماتها الأصلية في كتب ورقية أو إلكترونية لحفظها للأجيال القادمة.

فيديو مقال حكاياتنا الشعبية كنوز حقيقية

أضف تعليقك هنا