كنوز من التراث العربي. آراء عبد القاهر الجرجاني نموذجاً (1)

بقلم: د: محمد راضي محمد الباز الشيخ

كنوز من التراث  العربي. مقولات عبد القاهر الجرجاني أنموذجا (1)
د:محمد راضى محمد الباز الشيخ/ أستاذ مساعد البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن/ كلية اللغة العربية – جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية بماليزيا.

التراث أساس الفكر والثقافة

إن التراث جزء لا يتجزأ من التكوين الفكري والثقافي لكل المبدعين، ومن ثم فهو يسهم إسهامًا عظيمًا في بلورة رؤيتهم للعالم من حولهم، ويشكل المكون الأساسي لتجربتهم الشعرية، والتراث ينبوع مهم من ينابيع الرؤية الشعرية، يمتاح منه المبدع متى احتاج إليه لبيان ما يختلج داخله من مشاعر وأحاسيس، ويأخذ منه ما يحتاج إليه لنقد واقعه، وكذا فإن “التراث لأي أمة من الأمم كائن حي لا يموت في الوجدان والضمير الجمعي، وفي كل العصور كان التراث بالنسبة للشاعر الينبوع الدائم التفجر بأصل القيم وأنصعها وأبقاها، والأرض الصلبة التي يقف عليها ليبني فوقها حاضره الشعري الجديد على أرسخ القواعد وأوطدها، والحصن المنيع الذي يلجأ إليه كلما عصفت به العواصف فيمنحه الأمن والسكينة، وكثيرًا ما ارتد إليه شاعرنا المعاصر فما خذله هذا التراث مرة، ارتد إليه مهمومًا ومسرورًا، مهزومًا ومنصورًا، حرًا ومقهورًا، فوجد فيه ما يهدهد همومه، وما يجسد سروره، وما يواسي هزيمته، وما يتغنى بنصره، وما يمجد حريته، وما يتمرد على قهره ” (علي عشري زايد: استدعاء الشخصيات التراثية  في الشعر العربي المعاصر، دار الفكر العربي ، ط 1417ه- 1997م، ص7)

“يشكل التراث مكونا من مكونات الأمة إذ يحتوي مخزونا فكريا وثقافيا ونفسيا واجتماعيا ووجدانيا، لذلك تعامل الأدباء مع التراث من خلال مصادره، ومعطياته ومفاهيمه الغنية” (حافظ صايل نهار السليم: توظيف التراث العربي في مسرحيات ألفريد فرج، ماجستير، جامعة آل البيت، كلية الآداب والعلوم، قسم اللغة العربية، 1428ه- 2007م، ص11) ويعنى هذا أن التراث هو الميدان الرحب الذي يصول فيه الشاعر ويجول، وهو الجواد الكريم الذي لا يرد سائلًا أتاه مؤمنًا به،ومفتشًا فيه عما يخدم تجربته الشعرية.

الشخصيات التراثية هي مصدر إلهام للشعراء

والتراث العربي له مظاهر كثيرة ومتعددة تتمثل في ما تركه أسلافنا من علمائنا الأماجد من كتب ثرية في شتى فروع المعرفة، إلى جانب هذه الثقافة المكتوبة هناك شخصيات تراثية أنجزت إنجازات عظيمة في مجالات كثيرة متعددة، منها الشخصيات الأدبية والتاريخية والدينية وغيرها، وهذه الشخصيات مثلت مجالا خصبا ثريا بما تحمل من ظلال إيحائية ومعان في المجال التي تمثله هذه الشخصية، وقد أفاد شعراء العصر الحديث وأدباؤه من هذه الشخصيات التراثية بتوظيفها في أعمالهم الأدبية بغية الإفادة مما تمثله هذه الشخصيات من رمزية اشتهرت بها عبر عمر تاريخنا العربي والإسلامي العريقين، وقد كانت – بحق – “شخصيات هذا التراث هي هذه الأصوات التي استطاع من خلالها أن يعبر عن كل أتراحه وأفراحه، أن يبكي هزيمته أحر البكاء وأصدقه وأفجعه، وأن يتجاوزها في الوقت نفسه، بينما كان كل كيان الأمة يئن منسحقا تحت وطأتها الثقيلة، وأن يستشرف النصر ويرهص به في أفق لم تكن تلوح فيه بارقة نصر، وأن يتغنى للحرية أعذب الغناء وأنبله، وأن يتمرد على القهر “(علي عشري زايد: استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ص7)، ويعد انتشار هذه الظاهرة وشيوعها في أدبنا العربي المعاصر هو صورة من صور الارتباط بالموروث.

أدوات الشعر مأخوذة من التراث 

والتراث بهذا المعنى له الفضل الأكبر على الشاعر في شعره؛ لأن شعر الشاعر وإن كان بناءً بناه هو فإنه من هذا التراث؛ لأنه هو الذي وضع في يد الشاعر أدواته، وهداه إلى مذهبه، وهذا ينطبق تمام الانطباق على كل الشعراء بمن فيهم المتفردين، فهو شاعر متفرد نعم ولكنه غذي بهذا، وهذا بالطبع لا يمنع التفاوت بل يوسع مداه “(محمد محمد أبو موسى: مدخل إلى كتابي عبد القاهر، مكتبة وهبة، 1418ه- 1998م، ص177)

الاعتزاز بالتراث سمة الأدب

وحب القديم والاعتزاز به أمر مغروس في جبلة الناس وعلى الرغم من كون ذلك إحدى الظواهر العامة لتاريخ الآداب الإنسانية قاطبة “فإن الخط البياني له يكاد يبلغ ذروته في أدبنا العربي القديم ونقده، فالسمة الغالبة على هذا الأدب وذلك النقد هي المحافظة على القديم والاعتزاز به اعتزازًا يكاد يبلغ حد التقديس أحيانا” (حسن طبل: المعنى الشعري في التراث النقدي، مكتبة وهبة، القاهرة، 1406ه- 1985م، ص21). وللحديث بقية إن شاء الله.

بقلم: د: محمد راضي محمد الباز الشيخ

 

أضف تعليقك هنا